عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

ياسمين سعيد تكتب: رسائل المخرج داوود عبد السيد

ياسمين سعيد تكتب: رسائل المخرج داوود عبد السيد
ياسمين سعيد تكتب: رسائل المخرج داوود عبد السيد

يتميز المخرج الكبير داوود عبد السيد بعينه الثاقبة التي تتجاوز تصوير ما وراء الواقع في محاولة لاستشراف المستقبل فهو ينتمي لجيل الثمانينات السينمائي المقاتل الذي كان يمثل الواقعية الجديدة آنذاك والتي ضمت في صفوفها عددا من خيرة مخرجي ومبدعي السينما من بينهم خيري بشارة ومحمد خان وعاطف الطيب وشريف عرفة وعلي بدرخان..



وداوود عبد السيد مثله..مثل أبناء جيله من المخرجين فقد عشق الوطن بإيمان وصدق مما انعكس ذلك في رؤاه السينمائية.. فالسنوات العشر التي أمضاها في إخراج الأفلام التسجيلية لم تضع هباء حيث ناقش من خلالها العديد من القضايا الإنسانية المتفشية في الوطن وخاصة الريف  من بينها الأمية والجهل والذي يعتبر العدو الحقيقي للوطن وذلك تجلى من خلال فيلمه التسجيلي (وصية رجل حكيم في شئون القرية والتعلم) عام 1976أيضا نجد فيلم (العمل في الحقل) عام 1979 ويوثق من من خلاله حياة الفلاح الذي يعمل ويكدح في الحقل من أجل لقمة العيش وغيرها من الأفلام التسجيلية التي كانت تحمل رسائل إنسانية في كل زمان ومكان.

انصهر داوود عبد السيد داخل عالمه السينمائي ليس كمخرج فقط ولكن أيضا كمؤلف فقد نجح في أن يعكس رؤيته على الورق أولا كمؤلف ثم يحولها إلى لحم ودم على الشاشة كمخرج بكل سهولة ويسر حيث كان فيلم (الصعاليك ) 1986 هو أول أفلامه الروائية والذي نقد من خلاله سياسة الانفتاح التي جعلت الصعاليك يتسلقون إلى صفوف الأثرياء من خلال متاجرتهم لأي شيء وفي كل شيء في عالم  مادي شرس لا يمجد سوى الرأسمالية.

وفي عام 1990 كتب وأخرج فيلمه (البحث عن سيد مرزوق) والذي عكس من خلاله عن رؤيته الخاصة في الحياة الانسانية حينما تختلط والحقيقة بالوهم والوعي باللاوعي لتستيقظ الغرائز تحت تأثير المخدرات التي تهيء للعقل كذبا بأن كل شيء ممكن حتى  لو كان تهيؤات.

ثم في عام 1991 أخرج فيلمه (الكيت كات) عن رواية "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان هذا الفيلم الذي لفت الأنظار إليه بقوة لأنه انغمس من خلاله في رحلة داخل أعماق رجل ضرير جسده الراحل العظيم (محمود عبد العزيز)  الشيخ حسني الذي قدم الدور ببراعة  بكل ما تحمله الشخصية من متناقضات ومشاعر انسانية من فرح وحزن ،ضحك وبكاء، ملهاة ومأساة..فذلك الكفيف الأرمل الذي يحلم بالنساء ويشبع رغباته منهن كلما سنحت له الفرصة رافضا الاعتراف بكونه كفيف لدرجة أنه يقود دراجة بخارية يقتحم بها السوق محدثا حالة من الفوضى والارتباك هناك ربما كان الارتباك والفوضى أيضا داخل أعماق البطل نفسه..

في عام 2001 أخرج داوود عبد السيد فيلم (مواطن ومخبر وحرامي)  حيث يلخص الفيلم ببساطة وخفة دم حال المجتمع المصري في الالفية الثالثة  فالفيلم من بطولة الفنان خالد ابو النجا والذي قام بدور المواطن المثقف الذي تربطه علاقة بالسلطة المتمثلة في المخبر صلاح عبد الله  والحرامي الذي قام بدوره الفنان الشعبي شعبان عبد الرحيم الذي يمثل الرأسمالي الطفيلي الانتهازي فقد أراد عبد السيد من خلاله أن يكشف عن الفوضى التي وصل اليها المجتمع المصري حينما اختلت الموازين واختلط الحابل بالنابل.

وفي عام 2010 أخرج داوود عبد السيد فيلم (رسائل البحر) وهو أجمل أفلامه والأكثر شاعرية ورومانسية والذي قدم من خلاله عبد السيد رثاء للقيم  التي كان يتعامل بها المثقفون في مجتمع آخذا في الانهيار حيث يعاني البطل (آسر ياسين) حالة من التمزق والألم النفسي منغلقا على ذاته بعدما انهارات المباديء والقيم الرفيعة في مجتمع أصبحت المادة والمتاجرة بكل شيء وكل شيء هي السائدة على حساب كل ما له قيمة وقامة.

وفي عام 2015 أي بعد خمس سنوات من الغياب عن السينما ألف وأخرج داوود عبد السيد فيلمه (قدرات غير عادية) بطولة خالد أبو النجا (يحي) وهو انسان عادي تماما يعمل من خلال بحثه عن إمكانية اكتشاف أشخاص أخرين ذو قدرات غير عادية ليكتشف من خلال تجربته بأن كل إنسان عادي  لديه قدرات كامنة وغير عادية ولكنه فقط يحتاج إلى إعادة اكتشاف ذاته من جديد وهذا ما يقصده عبد السيد وهو الانتصار للإنسان الجديد بداخلنا وأن نتحرر من قيودنا الداخلية ونعيد اكتشاف ذاتنا.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز