عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «18»

تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «18»
تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «18»

الفاروق.. عمر بن الخطاب



 

كنا قد وقفنا في الحدوتة قبل السابقة، حينما هربت من «شرطة الكتاب» واختبأت في «عشة خالتي نعيمة» وطلبت منها تنادي على جدتي لتنقذني.. أومئت برأسها وانصرفت.. كان مذياع خالتي نعيمة عاليا.. وكان  المؤشر على إذاعة القرآن الكريم.. آتاني صوت المذيع وهو يقول: «كل عام وأنتم بخير بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم.. حلقتنا اليوم عن الصحابي الجسور، ثاني الخلفاء «الفاروق».

   
وتابع: قيل عنه أنه كان السد المنيع الذي منع الفتنة عن أمة محمد، وبرحيله نمت بذور الخلاف وعلت لغة التناحر وسالت دماء المسلمين سعيا للإمامة، حضرة الفاروق، سيدنا عمر بن الخطاب الذي تلتقي سلسلة نسبه مع الرسول "ص" عند الجد الثامن، فهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن فهر بن مالك.

والعرب من نسل عدنان أو قحطان، ذلك النسب الذي يصل إلى سيدنا إسماعيل عليه السلام، وكان فهر بن مالك رجلا عظيما مقتدرا من بين الجيل الحادي عشر لعدنان في هذه السلسلة واشتهر أولاده بلقب قريش،
 

جذبتني الحكاية وصوت الراوي حتى أن الخوف من شرطة الكتاب زال من قلبي، ونسيت أمر من يطاردني كما نسيت خالتي نعيمة، وفتحت باب «العشة» واقتربت أكثر من المذياع وأنا أتلهف للسماع.

وإذ بالراوي يواصل: كان نفيل بن عبد العزى جد عمر مشهودا له بالفصاحة وقوة البيان وكان رؤساء القبائل يلجأون إليه للفصل في قضاياهم، ولعل أبرز ما حكم فيه هو نزاع عبد المطلب جد رسول الله مع حرب بن أميه على الإمارة، وحكم نفيل لعبد المطلب وخاطب حرب قائلا: "أتنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأوسم منك وسامة، وأعظم منك هامة، وأكثر منك ولدا، وأجزل منك صلة وإني لأقول هذا وإنك لبعيد الغضب رفيع الصيت في العرب، جلد النذيرة تحبك العشيرة".

وكان لنفيل ابنان هما عمرو والخطاب، وكان عمرو رجلا خامل الذكر لكن ابنه زيدا ابن عم الفاروق كان رجلا ذا شأن عظيم ومن مشاهير وجهاء القوم الذي ترك عبادة الأصنام باجتهاده قبيل بعثة الرسول، واهتدى إلى عبادة الله الواحد، وإلى جانب زيد كان هناك قس بن ساعدة وورقة بن نوفل، وكان الخطاب والد الفاروق أشد عداوة لزيد حتى اضطر إلى ترك مكة وكان يأت مكة متخفيا، وكان من شعر زيد والذي يستهجن فيه عبادة الأصنام قبل قدوم الرسول: أربا واحدا أم ألف رب.. أدين إذا تقسمت الأمور".

كان الخطاب والد عمر من وجوه قريش وقد تزوج زيجات عديدة، وكانت أم عمر اسمها «خنتمة ابن هشام بن المغيرة»، وكان المغيرة ذا مكانة عظيمة في قريش ويتولى مهمة الاهتمام بالجيش، وقد لقب "بصاحب الأعنة" لهذا السبب وكان خالد بن الوليد حفيدا له.

ولد عمر قبل الهجرة بأربعين سنة، ويذكر عندما بلغ سن الرشد كان العمل الذي اختاره له أبوه هو رعي الإبل، وهذه المهنة لم تكن شائنة بين العرب بل كانت تعتبر شعارا قوميا، إلا أن الخطاب كان يقسو عليه للغاية فقد كان يجعله يرعى الإبل طوال النهار، وعندما يبلغ من التعب مبلغا ويريد أن يستريح كان يعاقبه، والمرعى الذي كان يؤدي فيه عمر هذه المهنة الشاقة يدعى "ضجنان" وهو على بعد عشرة أميال من مكة، وقد مر عليه عمر في أيام خلافته يوما فأخذته العبرة فقال وعيناه مغرورقان بالدموع: "الله أكبر ياللزمان الذي مضى لقد كنت أرعى الإبل في مدرعة من لبدة الصوف وعندما كنت أجلس من التعب كان أبي يضربني وقد أمسيت اليوم وليس أي حاكم سوى الله تعالى".

وقد اشتغل عمر في بداية شبابه بالأعمال التي كان أشراف العرب يشتغلون بها بشكل عام، فكانت الخطابة والمصارعة والفروسية ومعرفة الأنساب من الأشياء التي كان العرب يتعلمونها وتعتبر لازمة من لوازم الأشراف أما فن معرفة الأنساب فقد كانت تتوارثه قبيلة عمر وقد صرح الجاحظ في كتاب "البيان والتبين" بأن عمر وأباه وجده نفيل كانوا من كبار النسابين، وسبب هذا أن أسرة عمر قد ورثت السفارة والمنافرة، وكانت معرفة الأنساب من الأمور العامة للقيام بمثل هذه الأمور، وتعلم عمر فن الأنساب عن أبيه وقد صرح "الجاحظ" أن عمر عندما كان يوضح أي أمر يتعلق بالأنساب كان يشير دائما إلى أبيه كمرجع.

وعن المصارعة والفروسية فكانا بارعا فيهما حتى أنه كان يتصارع في سوق عكاظ، وكان عكاظ قرب جبل عرفات حيث يتجمع فيه أهل الفن من العرب أجمع ليعرضوا فنونهم.

وكان عمر ممن تعلموا القراءة والكتابة في عصره وهذه الميزة كان يمتاز بها أناس قليلون جدا في هذا الزمان، وقد ذكر أنه لم يكن في قريش كلها حين بعث الرسول غير سبعة عشر رجلا يقرأون ويكتبون وكان من بينهم عمر بن الخطاب، والذي قيل عنه أنه حفظ نخبة مختارة من أشعار جميع الشعراء الفحول.

بعد إتقان عمرو هذه الفنون بجانب تذوقه للشعر وإجادته للخطابة، انصرف إلى التفكير في البحث عن الرزق، فاختار التجارة التي كانت سببا في تكوين شخصيته، فكان يذهب إلى البلدان البعيدة بهدف التجارة ويلتقي بعظماء القوم، وقد ظهرت عليه علامات الاعتزاز بالنفس وعلو الهمة، وقد كانت تلك الأخبار جذابة ومفيدة  لكن للأسف لم يهتم بها المؤرخون، إلا أن أهم ما قيل أن قريش قد وكلت إليه منصب السفارة قبل ظهور الإسلام وأن هذا المنصب كان لا يناله إلا الشخص الذي وصل في قوة الخطابة وفهم الأمور إلى درجة عالية.

وخلاصة القول أن معارك عكاظ الأدبية والفنية وخبرات التجارة جعلته معروفا بين العرب وأخذ معدن مقدرته وكفاءته يظهر للناس يوما بعد يوم.

 

ملحوظة

المرجع: كتاب «الفاروق.. يعني حضرت عمر رضي عنه كي مفصل سوانح عمري» لـ«شمس العلماء شبلي النعماني» أحد أهم الشخصيات الأدبية البارزة في شبه القارة الهندية ترجمه للعربية  "جلال السعيد الحفناوي".

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز