عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «20»

تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «20»
تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «20»

«الـزفة»




استكمالا لما بدأناه  في الحواديت السابقة أو التي من المفترض أن تكون سابقة، إلا أنني بعد مرور أعوام اكتشف أنها تصلح لأي زمان.. فحرس الضريح لم يتغيروا وفي رواية أخرى لم ولن يتغيروا.. منذ هروبي من «شرطة الكتاب» واختبائي في «عشة الخالة نعيمة»، واستنجادي بجدتي، التي لكي تعيد إليً روحي المعنوية اصطحبتني لأشاهد «زفة» احد الأولياء في قريتنا.

خرجنا من حوش الدار على صوت الميكروفونات هذا قبل أن تحولها الأوقاف في عصرنا لبكماء، عربة «كارو» يجلس أعلاها رجال ونساء وأطفال، المنشد يردد أهازيج، يتقدم أهالي القرية إليه.. يدفعون قروش.. فيصيح الفاتحة لفلان ابن فلان.. وهكذا.. حول «الكارو» صفين من الرجال الأشداء يحملون الأعلام والسيوف يتمايلون على وقع الإنشاد، يلتقي الصفان في المؤخرة عند رجل ضخم يقال له الشيخ «عباس»، عرفت فيما بعد أنه كبير حراس الضريح، الآمر الناهي الذي يحرك «الزفة» بإشارة، وقد أخذ العهد من أحد أبناء الولي الذي لا يظهر بين العوام، لأنه إن ظهر سيتدافعون وسيتقاتلون لتقبيل يده وستقع خسائر كبيرة في الأرواح.

يجثو ا الحراس على ركبهم واحدا تلو الآخر ويضعوا السيوف على أكتافهم في تلاحم، وفجأة يقفز رجل كان يدعى عبد المعبود، يسير على حافة السيوف واحدا تلو الآخر دون أن تنزف قدماه، يتبع كل قفزة من قفزاته تهليل وتكبير وابتسامة من «عباس».. الذي يومئ لـ«الزفة» لتتحرك قليلا.. يتصدرها أكابر القرية ومتعلميها وكأنها عرس أحد الأعيان.. بائعو الزمامير والطرابيش والترمس يشقون الأرض ويظهرون في كل مكان.. تصفيق حار مع كل فقرة من الفقرات.. الأقدام تحجب عني الرؤيا فتحملني جدتي على كتفها.

يحمل رجل ابنه ويضعه على الكارو ويأخذ الميكروفون من المنشد يعطيه للغلام، يتكلم كلام غير مفهوم، أصرخ لجدتي: «أنا عايز اتكلم في الميكروفون»، تضحك ولا ترد.. يعاود رجل آخر الأمر مع ابنه، فأعاود أنا الطلب من جدتي.. ثالثة ورابعة وأنا لا أمل من تكرار نفس الطلب.. وإذ بها تصرخ: «يا بني مش هينفع دول قرايب الحرس.. دول ولاد خدام الضريح.. وواخدين الأمر من عباس».. لا أفهم ما قالته وأرد عليها: «طب خدي الأمر يا ستي إنتي كمان من عباس.. أنا أشطر من العيال دي كلها وهقول في الميكروفون أحسن منهم يا ستي، أنا كمان حافظ نشيد عن النبي»، تربت على كتفي وتقول: «يا بني لو بالشطارة مكنش حد غلب.. إحنا بنتفرج وبس على الزفة من بعيد ونحط في صندوق النذر أو ننقط في الزفة زي ما أنت شايف ولا نقول ليه ولا إزاي».
 

في كل وظيفة وفي كل مكان عملت فيه كنت أرى تلك «الزفة» وأشاهد نفس العباس، وأرى ما قالته لي جدتي يتحقق مع الغلمان..لكن حقيقة لم أعد مشغولا بمن يمسك الميكروفون.. لأني اكتشفت مع مرور الوقت أن بقائهم لا يدوم.. يبقى الراصد والمشاهد الذي يسجل ويتعلم ويكتب التاريخ، هؤلاء الصغار، الذين لو طاوعتهم جداتهم وطلبت الأذن من عباس، لخاصتمهم الكلمة وفرت من أياديهم الأقلام، وأصبحوا كـ«عبد المعبود» في الزفة يتقافزون على السيوف ثم إذا ما فقدوا الحركة والمتعة ركلتهم أقدام الحراس.. فلا تأسوا على ما فاتكم من مناصب ولا تفرحوا بما آتاكم من منح عباس فلا يأخذ تلك الهبات إلا خدام الضريح.. ونحن خدام الوطن وأسياد أنفسنا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز