عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «23»

تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «23»
تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «23»

#آخر ما قاله الحاج «محمد المصري» لـ«الريس عبده»#



 

كنا وقفنا في الحدوتة السابقة على قول «العمدة» لـ«لريس عبده»:«ما يصحش كده»، غير أن الريس عبده في ليلتها نفذ ما في رأسه واعتمد على عقله وما حوله من قوة، ولم يأخذ برأي العمدة ولم يلتفت إلا كلام صاحب الوكالة الأصلي محمد المصري وتنازل عن المحلين بموجب التوكيل الذي معه.

انتشر الخبر في المنطقة واختلف الناس بين مؤيد ومعارض لما فعله «الريس عبده» وتجاهله إرادة الحاج محمد المصري، الذي بعد ثلاثة أيام مر على الوكالة ونادى على الريس عبده، وقال له: «أما وإنك قد اعتمدت على عقلك وغلبتك شقوتك وتحول خطابك معي من كسب ود لخطاب للند ثم استعلاء واستقواء وتمرد فلك ما شئت يا عبده.. هاك المال والعيال والأرض ولك الأمر لكن اعلم أنك لن تحكم في ملك الله إلا بأمر الله والمهل ليس همل.. فلكم من مدراء قبلك اعتلوا كرسي الوكالة قالوا نحن أربابها ثم سحقتهم أقدام خدامها.. فكل نجم يأفل مهما توهج.. ومن برق أكثر خفت أسرع.. وها أنا أنتظر ولن أحاجيك ولا أشتكيك بعد اليوم.. فشكوايا كانت لبقايا رباط بيني وبينك، أما وقد تجاهلتني فهذا فراق بيني وبينك إلا أن يحكم الله في أمرنا».

عاد الحاج محمد المصري إلى منزله وجمع أولاده وقال لهم: «من أمنتهم منكم على مالي ولم يصنه فليس مني.. هتفتم للريس عبده ونسيتم أني والدكم.. وافقتموه على التنازل عن المحلين دون أن ترجعوا إلى أبيكم أنا صاحب الملك.. غركم صولجان عبده وهيمنته وتجرأتم على شيبة أبيكم وضعفه.. فلكم ما شئتم.. افرحوا بما جنيتم فإن وقت الحساب لم يحن.. بيعوا ما شئتم وتجبروا.. فإن لي غيركم ولد غدا سيكبروا وسيبحثوا عن ملك أبيهم ويردوه».. علت الهمهمات.. هناك من العيال من سخر وهناك من انصرف وهو يضحك ويقول خراف رجل عجوز لا يقوى على فعل شئ، وهناك من زاد بطشه وقال لنرى هؤلاء الصغار ماذا سيفعلوا أمام قوتنا وسطوة الريس عبده.. ضجيج الحاج محمد المصري وعياله خرج من النوافذ إلى الحي وطار بسرعة البرق ليملأ المدينة ثم المدن المجاورة، لا أحد لديه حديث سوى ما حدث للحاج محمد المصري وكمده وحزنه لما فعله فيه عياله و«الريس عبده»، الذي لم يترك مناسبة في زفاف أو عزاء أو طهور إلا ويتحدث أمام الناس أنه أعاد الحق لأصحابه وأنه على صواب فيما فعل.. وكعادة الجوقة ومعهم العوام يصفقون ويهتفون لمن في يده «الميكروفون» أيا من كان لا يهم اسمه أنور أو عبده.. حتى إذا ما تقدم واحد منهم بقصد أو عن غير قصد وألقى حجر وسقط «الميكروفون» انهالوا بالسباب وخرجوا من خوفهم وأبدوا حقيقة غضبهم، وأنه ما منعهم عن الصراخ بالحقيقة إلا خوفهم من البطش والتعذيب والتنكيل.

وفي الحقيقة أن كل المدراء الذين تولوا أمر إدارة الوكالة يعلمون ذلك جيدا ويتخذون حذرهم بدءا من كبيرهم الذي قال للناس ابنوا لي صرحا حتى آخرهم الذي قال لهم :«مش عايز أسمع كلام في الموضوع ده تااني»، لكن لا يجد الحذر ولا ينفع التأمين مهما كثر.. ولا يمنع البطش وزرع الخوف القدر.. فليتك يا ريس عبده تعلم أنه حتى هذا الحين ما زال الحاج محمد المصري يأمل فيك الخير برغم ما صرح لك عن مقاطعته لك.. هو يصدق حدسه ويكذب ما تراه عيناه من فعلك وتغيير لهجتك وتعاليك عليه.. هو لا يخاف على الوكالة فيقينه أنها لن تضييع.. هو حزين لأنه لم يصدق فيك قولا حتى رآك توقع بإصبعيك ولم ير حتى على وجهك ولو اصطناعا علامات التأثر.. رأى أوداجك تنتفخ ضحكا وهو حزين كمد.. سمعك وأنت تحذف لقب الحاج وترد عليه إنت عايز إيه يا مصري، كلما طلب شيئا من ماله، بل وتعيد القول بأن وكالته كانت خرابة والفضل لك أنك أعدتها وكأنه ما سخر لك عياله وماله وما يملك دون أن يسأل أو يحاسب.

هو حزين لأن سنوات عمره الطويلة جعلته يرى مدراء كثر كان لهم نفس الخطى ثم لم يتركوا أثرا.. علوا وعلوا وعلوا.. وفجأة وفي ساحة مفتوحة.. ضرب الريح نوافذ البيوت المغلقة جميعها ففتحها وإذ بأسراب من آهات الأمهات الثكالى ودموع الآباء المكلومين المستضعفين ودعوات العذارى المعذبين.. وآنات الفقراء الموجوعين تتجمع وتتجمع لدى باب السماء.. فيأمر من حكمت عليهم بأمره أن تفتح الأبواب وترد المظالم وتروى الحناجر المتيبسة برواء الحق.. فيعلوا الهتاف يسقط الظلم.. يسقط الظلم.

فحذاري فبينما أن تضحك يا «ريس عبده»، هناك بشر وليسوا دواب يفترشون الأرصفة جوعا ومرضا.. وبينما أنت ترتدي حلتك وتصفف شعرك.. هناك عرايا يسقط شعرهم من شراسة المرض.. تذكر هؤلاء.. تذكر كل أم تبكي.. وكل أب يمد يده.. وكل شاب يفقد عمره مختفيا.. تذكر أن أيادي محسوبة عليك تمتد في حرمات البيوت تدهسها دون ورع ولا خوف مستأسدين بك.. تذكر أن الأفواه التي هتفت لك أخرصتها الحاجة وقلة الحيلة.. تذكر كل هؤلاء فإذا ما ضحكت فاعلم أنك لم تختلف عمن سبقك من مدراء.

حتى هنا انتهى الكلام ولم يعد حوارا بين الحاج محمد المصري ولا الريس عبده ولا نحن سننقل عنهما شيئا.. لننتظر جميعا تصاريف الأقدار.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز