عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

تامر أفندي يكتب: على البسكلتة

تامر أفندي يكتب: على البسكلتة
تامر أفندي يكتب: على البسكلتة

على البسكلتة البسكلتة هنعدي على الأرض وندوس.. شعارا رفعته ومنفلة ضربتها بقدمي فأدارت موتوسيكلا تاريخيا لكي أذهب به إلى مقر عملي.. هذا الموتوسيكل يسير إلي الوراء أكثر ما يسير إلى الخلف ليس به كلكس ولا نور لكن الحمد لله به بصيص من فرامل رجل، قادتني الحاجة إلى ملء تنكه والاستعانة به.



 

 

على مضض وافق فعلقت حقيبتي على كتفي ولصقت نظارتي على وجهي ومشيت اجتر الذكريات ما بين ماضي وآت ألعن كل شئ .. أبصق على الأرصفة وأسخر من اللافتات.. أمد يدي داخل حقيبتي وأقبض على حفنة من أشعاري وكتابًاتي وأنثرها في التراب.. «أضحك وأقول لنفسي.. قال أشعار قال!.. البلد دي مش بلد العقل.. بلد نفس الحروف بترتيبات مختلفة.

 

 أقف عند الدائري بعد ثلاث ساعات امتطيت فيهم الموتوسيكل كما كان يمتطي العرب الجمل من فرط شكواي بآلام المقعدة لم أعد أشعر أنها كانت لي في يوم الأيام، أدلف إلى منحدر لا يعرفه إلا صاحب خبرة حيث تنزوي عربة فول مكدس وجهه بأطباق المخلل ورؤوس البصل التي ذبلت وحان وقت حصادها، أحشر نفسي بين الواقفين بعدما تحصلت على أرغفة عيش مثل أقراص الأسبرين في حجمها وأكاد لا أعرف ظهرها من وجهها، أقطع الرغيف نصفين وألك اللقمة في الطبق بغل وحقد أدهس حبات الفول كما تدهسني الحياة، أفيق على صوت صاحب العربة طرشي ولا صلطة يا باشا.. أسرح في كلمة باشا.. ما جدوى الألقاب.. أنا أفندي يا ريس.. «وإيش يعمل الأفندي في زمن الفيزون»، يقلل المرتبة.. طرشي ولا صلطة يا أستاذ.. أعود من شردتي مسرعا قبل أن يلغي الألقاب ويقولي طرشي ولا صلطة ياض، كله محصل بعضه طرشي أو صلطة.

 

بعدما أتأكد أنني ملئت التنجر وانتفخ القولون وبالكاد أصبحت ألتقط أنفاسي يأتي وقت الماء هناك حيث يقبع الجركن الأزرق الكبير الذي كان يستخدمه فريد شوقي في الأفلام ليضرب به المليجي، والتي كانت تختبئ فيه فيروز من العصابة حينما كنت أنتظر يوم الخميس لأشاهد اليوم المفتوح على القناة الأولى، أعرف شكله جيدا أكشف غطائه أجذب ما علق بالماء من بقايا طعام وآثار أياد مدت في قلبه قبلي أملأ كوبي أشرب لا أبالي بنقاء الماء من عدمه فالحياة كلها ملوثة ومريرة، أفرك يدي وأحمد الله وأقول لنفسي فاضل بقى خمسينة شاي وكده إنسى بطنك لغاية ما تروح بالليل، الخلطة دي عايزة كسارة خرسانة عشان تتهضم.

 

 

 ارتشف الشاي في جمهورية شبرا وأنا أسمع كوكتيل من الأغاني شعبي.. وطني عاطفي.. تنوع لا يمكن أن تجده غير هناك تواصل الأجيال أم كلثوم تغني بجانب أورتيجا.. وشادية بجانب مصطفى كامل وسعد الصغير، مقطوعة من رجعوني عينيك لأيامي اللي راحت وأخرى من أديك في الجركن تركن.. شادية تشدو ما شافش الولاد.. وسائق التوك التوك يأتي بفصل الخطاب أنا مش عارفني، أتخيل الفتاة التي كانت تجسد مصر في الصور القديمة «بهية» وأتخيلها الآن.. مصر كفتاة تلبس اإيشارب على رأسها ووجها ملئ بمساحيق التجميل، وبياض إبطيها واضح للمارة، في يدها جونتي وفتحة التنور تكشف عن ساقيها، أيادي كثيرة عبثت في هندام «بهية».. ليست في حاجة إلى حديث عن سياسات واقتصاد وحرب بقدر ما هي في حاجة إلا أن تقف أمام المرآة وتعيد هندامها.

 

أنهض وأنفض الغبار عن نفسي حتى يحل محله غبار جديد، أعود وأمتطي الموتوسيكل مستعدا لعرض بهلواني داخل القاهرة يمينا ويسارا على الرصيف بين السيارات أتحدث بجميع اللغات بالراحة يا واد عمي.. خد يمينك يا برنجي.. خدني على جناحك يا كبير.. أخوك الصغير بعجلتين فما تفتريش عليه.. صباحه أر يا سيدي.. بيب بيب.. هوبا.. ربنا ستر.. عدي يا عم.. حاجة تخنق.. الله يخرب بيت دي بلد.. ارحمنا يا رب.. توب علينا يا رب.. إيءءءءءءءء..

 

وأخيرا زفت هم يسمونها «زيست» وصلت تحت الشغل بعد 5 ساعات في الطريق.. أرمي الموتوسيكل أدخل هواء التكييف.. أدلف إلى الحمام أحفلط في نفسي أصطنع شخصية جديدة غير التي كانت في المؤسسة.. أمنح نفسي لقب أستاذ.. أفتح الفيس أحيي أصدقائي أنخرط في عالم النفاق والكذب.. أتبادل الأخبار والتعليقات أحمد الله أنه في هذا المناخ ما زال هناك عمل متاح..

 

تمر الساعات بلا فائدة سوى أنني استرحت من عناء المجيء استعداد لمشقة العودة إلى غياهب قرى القليوبية، مسرعا أنزل أضئ لمبة الموبايل لأن الموتوسيكل ليس به نور أخرج الصفارة من شنطتي وأضعها في جيبي ربما أحتاجها لأنه لا يوجد به كلكس.. امتطيه عنوة أبدأ رحلة العودة ليس هناك جديد فعلته فاليوم مثل البارحة، أصل البيت وطنين نحل في رأسي، آتناول الطعام أهرع إلى الفراش في ومضة أشعر أن الصبح أت.. تناديني أمي قوم عشان تلحق الشغل.. مالك يا بني طول الليل تزمر وتقول فن فن.. حاسب يا عم.. أنادي عليك ما تردش.. وتفضل تهلوث.. ما تروحش بالموتوسيكل يا بني طالما بيتعبك.. القطارات بعافية والمواصلات غالية والبلد كلها في غيبوبة مش عايزة تفوق يا أما. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز