عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

ولاء الدين بدوى يكتب : باريس الشرق القاهرة الخديوية

ولاء الدين بدوى يكتب : باريس الشرق القاهرة الخديوية
ولاء الدين بدوى يكتب : باريس الشرق القاهرة الخديوية

القاهرة الخديوية هي منطقة قلب القاهرة في فترة الخديوي إسماعيل، وتبدأ من كوبري قصر النيل، حتي منطقة العتبة. عرفت القاهرة في عهد محمد علي باشا التنظيم والتطوير من خلال تركيز الصناعات والحرف في منطقة السبتية، بشمال شرق بولاق، وإزالة الأنقاض والقمامة من حولها، وردم البرك والمستنقعات المنتشرة فيها، وتحويل مساحات شاسعة منها إلي حدائق ومتنزهات، حتي إن محمد علي أصدر قراراً عام 1831م أمر فيه بتعمير الخرائب، وتحديد مساحتها، كما أنشأ في العام 1843م مجلساً أوكل إليه مهمة تجميل القاهرة وتنظيفها. وفي العام 1846م تم توسعة شارع الموسكي، وترقيم الشوارع وإطلاق الأسماء عليها.



كما عمل علي تشييد القصور الملكية الفخمة الموقعة بأسماء مصممين معماريين من إيطاليا وفرنسا، مشترطاً عليهم أن يعلم كل خبير هندسي منهم 4 مصريين، فنون العمارة والتشييد. وكان في مقدمة تلك القصور، قصر محمد علي باشا بحي شبرا.

وعلي الرغم من توالي ثلاثة خلفاء علي حكم مصر بعد محمد علي باشا، بدءاً من إبراهيم باشا ، مروراً بعباس الأول ، وسعيد باشا ، إلا أن إسهاماتهم في مجال العمارة لم تكن بالشيء الملموس الذي يمكن التأريخ له إلا فيما ندر، مثل قصر الروضة في عهد إبراهيم، وإنشاء حي العباسية في عهد عباس الأول، وبداية حفر قناة السويس في عهد سعيد. علي عكس عهد إسماعيل باشا الذي تميز بانفجار معماري علي المستويات كافة. وعند تولي الخديوي إسماعيل الحكم عام 1863م كانت حدود القاهرة تمتد من منطقة القلعة شرقاً، إلي مدافن الأزبكية وميدان العتبة غرباً، يغلب عليها التدهور العمراني في أحيائها، ويفصلها عن النيل عدد من البرك والمستنقعات والتلال والمقابر، بمساحة لا تتخطي 500 فدان. وكان تعداد سكانها في ذلك الوقت حوالى  300ألف نسمة.

في زيارة الخديوي إسماعيل لباريس عام 1867 م لحضور المعرض العالمي، طلب الخديوي إسماعيل شخصيًا من الإمبراطور نابليون الثالث أن يقوم المخطط الفرنسي «هاوسمان» الذي قام بتخطيط باريس بتخطيط القاهرة الخديوية. وفي مقابلة التكليف بين الخديوي إسماعيل وهاوسمان، طلب إسماعيل من هاوسمان أن يحضر معه إلى القاهرة كل بستاني وفنان مطلوب لتحقيق خططه. وقال عبارته الشهيرة: «من يشرب من ماء النيل، فسيعود له المرة تلو المرة».

وأعلن عن تطهير مياه النيل؛. وليعلن عن مشروعه في تخطيط القاهرة علي الطراز الباريسي، ويستقدم من أوروبا عمالقة التصميم المعماري، وفي مقدمتهم المصمم العالمي الشهير «هاوسمان» الذي بدأ في تنفيذ حلم إسماعيل في جعل القاهرة «باريس الشرق»، وليستغرق تصميم وتنفيذ المشروع خمس سنوات.

 

هاوسمان حول القاهرة إلى تحفة حضارية تنافس أجمل مدن العالم، ليطلق عليها كتاب الغرب حينذاك «باريس الشرق». وتمثل القاهرة الخديوية بداية العمران المصري في صورته الحديثة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهي تعد من المشروعات العالمية البارزة التي تمت في ذلك القرن لما بني عليه تخطيطها من دراسات للتخطيط، والتعمير الشامل، وتحطيم عوائق التنفيذ لإخراجها سريعًا إلى حيز الوجود، وبالشكل الذي يجعلها تضاهي أجمل مدن العالم.

في عام 1872 افتتح الخديوى إسماعيل شارع محمد علي بوسط البلد بطول 2.5 كيلومتر، فيما بين باب الحديد والقلعة على خط مستقيم، وزانه على الجانبين بما يعرف بالبواكي.. وفي العام نفسه افتتح كوبري قصر النيل على نهر النيل بطول 406 أمتار، وكان يعد آنذاك من أجمل قناطر العالم، حيث زُيّن بتماثيل برونزية لأربعة من السباع (الأسود) نحتت خصيصًا في إيطاليا.. كما افتتح أيضًا كوبري أبو العلا على النيل على بعد كيلو متر تقريبًا من الجسر الأول، والذي صممه المهندس الفرنسي الشهير «جوستاف إيفل»، صاحب تصميم البرج الشهير.

وتابع ذلك شق شارع كلوت بك، وافتتاح دار الأوبرا المصرية عام 1875م رسميا؛ ثم أنشأ العديد من خطوط السكة الحديد وخطوط الترام لربط أحياء العتبة والعباسية وشبرا، وتم ردم البرك والمستنقعات للتغيير من حدود المدينة، طموحات إسماعيل في تحقيق النهضة المعمارية بالقاهرة لم تكن تتوقف عند حد، ولذا كان قراره بتغيير مسار النيل ومجراه، فبدلاً من أن يمر بمنطقة بولاق الدكرور وبمحاذاة شارع الدقي حالياً وإمبابة، صار يسير في مجراه المعروف الآن، وتزامن ذلك مع تنفيذ شبكة المياه والصرف الصحي، والإنارة، ورصف شوارع القاهرة بالبلاط، وعمل أرصفة، وأفاريز للمشاة، وتخطيط الحدائق التي جلبت أشجارها من الصين، والهند، والسودان، وأمريكا.

وكما تم تغيير مجري نهر النيل، تم ردم البرك والمستنقعات وفي مقدمتها، بركة عابدين التي كانت تحتل موقع الميدان الحالي، وبركة الأزبكية التي تحولت لأهم حديقة في القاهرة تحفها المسارح. بينما حلت الميادين محل باقي البرك مثل ميدان العتبة الخضراء وميدان الأوبرا، وميدان باب الحديد، وميدان سليمان باشا- طلعت حرب حالياً.

كثيرون لا يعلمون أن حديقة الأزبكية التي تغنت بجمالها كتب الرحالة الأوروبيين قبل ردمها وتحويلها إلي دكاكين وجراجات قبيحة، هي ذاتها حديقة لوكسمبورج الباريسية الشهيرة بجميع معالمها وأسوارها وأشجارها، لكن الفرق هو درجة وعيهم هناك بقيمة ما لديهم، وجهلنا نحن بقيمة ما لدينا.

أما ميدان عابدين وقصره الملكي فهو يتوسط قلب القاهرة الخديوية وعابدين بك هو أمير اللواء السلطاني في عهد محمد علي باشا، وكان يسكن قصراً بناه مكان القصر الحالي، وبعد وفاته اشتراه الخديو إسماعيل من أرملته وهدمه وبني مكانه قصره الذي لايزال قائماً حتي الآن، شاهداً علي العديد من الأحداث، فأمامه كانت مظاهرة عرابي ضد الخديو توفيق عام 1882م وفيه تم حصار الملك فاروق بدبابات الإنجليز في 4 فبراير 1942م. وقد قام بتصميم القصر وتنفيذه المعماري دي كوريل ديل روسو وتكلف بناؤه 700 ألف جنيه مصري وقتها ، بينما بلغ ثمن أثاثه 2 مليون جنيه، وظل القصر مقراً لحكم مصر حتي قيام ثورة يوليو 1952م  حيث تم تغيير اسم الميدان من عابدين إلي الجمهورية، إلا أن اسمه الأول هو العالق في أذهان المصريين لارتباطه بالقصر.

فالتراث المعماري لأي دولة، يعبر عن مجموعة من القيم، من بينها القيمة التاريخية التي هي ذاكرة المدن، والقيمة الجمالية التي تولد مع ميلاد المعمار، وترتبط بالطابع العام والقدرات الإبداعية، والتصميمية، والتأثيرية له، وعن أشهر قصور العمارة الخديوية، "هناك قصر عابدين والجزيرة والزعفران والسرايا الصفرا وسراي القبة والقصر العالي إلى جانب بعض القصور قصر محمد عبدالحليم باشا وقصر محمد بك الفلكي وقصر الأمير طوسون".

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز