عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

بالوقائع: كيف دعمت (أوتبور) الصربية شباب (الحركات الاحتجاجية) في العالم العربي؟!

بالوقائع: كيف دعمت (أوتبور) الصربية شباب (الحركات الاحتجاجية) في العالم العربي؟!
بالوقائع: كيف دعمت (أوتبور) الصربية شباب (الحركات الاحتجاجية) في العالم العربي؟!

كتب:  هاني عبدالله



نقلاً عن مجلة روزاليوسف

بالتزامن مع «تعدد» قنوات الاتصال بين «شباب 6 إبريل»، والسفارة الأمريكية بالقاهرة (بحسب المُكاتبات الدبلوماسية الأمريكية)؛ كان أن تم توجيه الحركة (وفقًا للمعلومات) عبر العناصر «ذات الخلفيات الأمنية» بمؤسسة «فريدم هاوس» (Freedom House)، لاستغلال «الأحداث السياسية» كافة، فى تأجيج «حالة الغضب» من النظام المصرى «الأسبق».
ومن ثمَّ.. كان أن بدأ العديد من آليات «الحشد الجماهيرى» ينتقل - شيئًا فشيئًا - لعناصر الحركة، بشكل تدريجى، ومتتابع.. وهى آليات (رغم بساطتها)، إلا أنها على المدى البعيد «ذات تأثير فعال» (أثر الفراشة).. ومع ذلك؛ سنترك مهمة شرحها (من باب «التوثيق»)، لتقرير «استخبارى» أمريكى، تمت كتابته فى أعقاب خطاب 2 فبراير/ شباط «الشهير» بالعام 2011م (خطاب مبارك «العاطفى»)، بيوم واحد فقط.. لحساب مركز «ستراتفور» (Stratfor).
.. و«ستراتفور»: شركة «أمريكية»، تم تأسيسها بالعام 1996م؛ للعمل بمجال «الدراسات الاستراتيجية»، والـ«جيو- سياسية»، و«الاستخبارية».. كما يُعد أحد أهم «المراكز الخاصة» المعنية بقطاع الاستخبارات.. إذ يُمكن اعتباره (كما أطلقت عليه «الصحافة الأمريكية»، من قبل)، النسخة «الخاصة» من وكالة الاستخبارات المركزية (The Private C.I.A)..  إذ إنّ أغلب خبرائه من ذوى الخلفيات «الأمنية»، و«الاستخبارية» بالولايات المتحدة الأمريكية.
بدأ التقرير (رغم حالة الانقسام، التى شهدها الشارع المصرى، فى أعقاب «خطاب 2 فبراير/ شباط») بالجزم بأن مصير «مبارك» إلى زوال.. وأنّ «القاهرة» ستكتب نهاية 33 عامًا من احتكار «الحزب الوطنى الديمقراطى» للسلطة، فى القريب (!).. وعبر تشريح (كامل) للقوى السياسية «المختلفة» الموجودة على الساحة المصرية؛ أشار «التقرير» إلى أنّ «التوجيهات» الأخيرة لـ«أحمد ماهر» - منسق «شباب 6 إبريل»، التى تم نقلها لـ«شباب الحركة»؛ شددت على ضرورة أن يميزوا أنفسهم عن باقى «القوى السياسية» الموجودة على الساحة.. خاصة «جماعة الإخوان»، وذلك؛ فى سياق عمليات الحشد، والتحرك.


وشرح التقرير نموذجًا «مُهمًا» للتفرقة (من حيث «تكتيكات الحشد»)، بين «6 إبريل»، وجماعة «الإخوان».. إذ عاد - بدوره - لبدايات عملية «التغير التكتيكى» فى منهج عمل الحركة (أى خلال الحرب على «غزة»، التى تطرق إليها تقرير «نيويورك تايمز»، وأشرنا إليه بالحلقة الماضية).
وبيَّن «التقرير» أنّ مُتابعات مركز «ستراتفور» أوضحت أن أحد الأمثلة «المحورية» فى التمييز بين الفريقين، هو أن الحركة (أى: 6 إبريل)، كانت تستغل مثل تلك الأحداث؛ لتفجير الغضب الجماهيرى، متجاوزة (على خلاف الإخوان)، مضمون الحدث نفسه (!).. إذ كانت «الحركة»، تعمد فى مثل تلك الحالات إلى «توسعة» قاعدة الجماهير الغاضبة، عبر ربط الأحداث بالعديد من المشاكل الأخرى.. ففى حالة «الحرب على غزة» - على سبيل المثال - لم تعمد «6 إبريل» إلى استغلال الحدث فى التنديد بالعلاقات «الدبلوماسية» بين الحكومة المصرية، و«تل أبيب»، فقط.. بل ربطته، كذلك، بالفساد، و«الطبيعة القمعية» للحزب الحاكم.
وتفسيرًا لـ«التكتيك» السابق: يُمكننا ملاحظة تأثير «عمليات التوجيه السياسى»، من قبل الجهات الأجنبية «المانحة» (أى: جهات التمويل، والتدريب) على آليات و«تكتيكات» الحشد الجماهيرى الذى انتهجته «6 إبريل».. فكلما اتّسعت «قاعدة المطالب»، أو استطالت «قائمة الانتقادات» (بغض النظر عن دقة تلك المطالب، أو الانتقادات، من عدمه)؛ فإن هذا سيصب (تدريجيًّا) ناحية «القاعدة الجماهيرية» لداعمى الحركة (!).. ومرة، تلو الأخري؛ ستزداد كتلة رافضى سياسات الحكومة.. إذ ستصادف - قطعًا - أيٌّ من تلك المطالب أو الانتقادات (فكرة، أو خاطرة، أو قناعة) لدى متلقى «الخطاب التثويرى».. وبالتالي؛ سيصبح اصطفافهم خلف «الحركة» أسهل، وأسرع، فى كل مرة يتم خلالها الدعوة لـ«وقفة احتجاجية» جديدة.
.. وبغض النظر عن مضمون تلك المطالب، أو النتائج «الانفعالية» المترتبة على تلك الدعوات، فى حينه؛ يُمكننا (بسهولة) ملاحظة أن آليات «التوجيه السياسى» تلك؛ انعكست (بشكلٍ متتابع) على العديد من بيانات الحركة، فى وقت لاحق.

فوسط العديد من أجواء «الشد والجذب» فى أعقاب «الحرب على غزة» (الأزمة التى تم استغلالها، إذ ذاك، من قبل كلٍ من: تيار «الإسلام السياسى»، و«الحركات الاحتجاجية»، على حدٍّ سواء)؛ كان أن بدأت «القاهرة» فى تكثيف تحركاتها «الدولية»: (سياسيًّا، وأمنيًّا)؛ لقطع خطوات «جادة» فى سياق رأب الصدع السياسى بـ«القضية».. وهو ما لم يكن محلاً لترحيب التيار «اليمينى المتطرف» داخل إسرائيل.
وبالتوازى مع استعدادات «القاهرة»، عبر زيارة «رسمية» لنائب رئيس الجمهورية الراحل «عمر سليمان» للأراضى المحتلة فى نيسان/ إبريل من العام 2009م (كان «سليمان»، وقتها، مديرًا لجهاز المخابرات العامة)؛ أعادت تقارير صحفية «عبرية» مناقشة الموقف المصرى «الرسمى» من وزير الخارجية الإسرائيلى «أفيجدور ليبرمان»، إذ سبق أن أطلق «ليبرمان» فى أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2008م، تصريحات صحفية، تتعرض بالإهانة لرئيس الجمهورية الأسبق «حسنى مبارك»، قال خلالها: (يُمكن للرئيس المصرى «أن يذهب إلى الجحيم»، ما دام يرفض القيام بزيارة رسمية لإسرائيل).
.. وكانت تستهدف تلك التقارير - فى المقام الأول - إفشال تحركات القاهرة «المرتقبة»، وإحراجها سياسيًّا.. وعلى هذا، كان أن بدأت «الآلة الإعلامية» - المحسوبة على «التيار اليمينى» فى تل أبيب - بالتزامن مع لقاء «سليمان»، ورئيس الوزراء الإسرائيلى (بنيامين نتنياهو)، فى الترويج إلى أن «الوزير الراحل» وجّه الدعوة لـ«ليبرمان» لزيارة القاهرة، رغم تصريحاته المسيئة للرئيس المصرى (!).. وهو ما لم يكن له أى نصيب من الصحة(!)، إذ أكدت «الخارجية المصرية»، فى حينه، أن ما تناقلته بعض وسائل الإعلام «العبرية» عن دعوة «ليبرمان» لزيارة القاهرة: «أمرٌ عارٍ من الصحة».
وفى 23 نيسان/ إبريل من العام 2009م (أى بعد لقاء «سليمان»، و«نتنياهو» بنحو 24 ساعة)، نفى السفير «حسام زكى»، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، وقتئذ (الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، فيما بعد)، ما رددته مصادر إعلامية إسرائيلية، عن أنّ الوزير «عمر سليمان» (مدير المخابرات العامة المصرية)، قد وجه أى دعوة، من أى نوع، إلى وزير خارجية إسرائيل (ليبرمان)، عندما التقاه - بشكلٍ موجز - فى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى.. وقال «زكى»، منوهًا عن الدور الذى لعبه، إذ ذاك، التيار الساعي؛ لإفشال تحركات القاهرة:

 


«إن هذا الخبر عارٍ من الصحة، وأن «سليمان» وجه الدعوة فقط إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية للحضور إلى مصر، فى توقيت يُتفق عليه قريبًا، للمزيد من المشاورات حول جهود تحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطين.. ولم يكن «غائبًا» عنا، بأى حال من الأحوال، أن «البعض فى إسرائيل»، سوف يحاول إلقاء الشكوك حول «رؤية مصر» من مواقف «وزير الخارجية الإسرائيلى».. التى تحدث بها مرارًا، وتكرارًا فى الفترة الأخيرة».

ورغم وضوح «الموقف المصرى».. وتأكيده - بشكلٍ كبير - على ثوابته «السياسية» فى التعامل مع «القضية الفلسطينية»، بمختلف جوانبها.. إلا أن «حركة 6 إبريل» (فى انعكاسٍ، مباشر، لتكتيكات الاحتشاد، التى تلقاها قادتها، من قبل المدربين الغربيين)، لم تلتفت إلى أيٍّ من «التوضيحات الرسمية» فى هذا السياق.. ومن ثمَّ، كان أن أعقبت «الحركة» توضيح الخارجية المصرية، بـ«بيانٍ تصعيدى»، فى 25 نيسان/ إبريل من العام 2009م.. وهو بيان لم يكن له ما يبرره من «الناحية السياسية».. ولا يُمكن فهمه - كذلك - سوى فى إطار توجيهات «التصعيد»، إذ كان من بين ما جاء به نص البيان:
(تابعت حركة «شباب 6 إبريل» الأخبار الواردة من صحافة الكيان الصهيونى بشأن دعوة رئيس المخابرات المصرية «عمر سليمان» مسئول الخارجية الصهيونية «ليبرمان»؛ لزيارة مصر، والالتقاء مع «حسنى مبارك»، واستضافته على أرض مصرنا الحبيبة.. إن الحكومات الحرة المنتخبة بإرادة شعبها تأبى، دائمًا، أن تكون على طاولة واحدة مع مسئول غربى قد أهان بلادها، وتسارع بمحاولة فرض مقاطعة دولية لهذه الدولة التى تطاولت حتى يتراجع المسئول المتطاول عن تصريحاته، وحين يصل الأمر إلى التهديد بشن هجوم عسكرى يكون الرد الدبلوماسى بطلب فرض مقاطعة دولية لتلك الدولة المهدِدة.. فبدلاً من أن يسعى مبارك لفرض عزلة دولية على مجلس الحرب الصهيونى «اليمينى المتطرف» بسبب تصريحات مسئول الخارجية الصهيونية «ليبرمان» - رجل المافيا الروسية - التى يهدد فيها بقصف السد العالى، وإعادة احتلال أرض سيناء العزيزة، والتعدى على كرامة مصر، ووصفها بأنها تابع للكيان الصهيونى، وأن أجندة الحكومة الصهيونية ستطبقها مصر رغمًا عن أنفها، والتطاول على كرامة المصريين، والعرب بوصفهم بـ«أنهم عبيد للكيان الصهيونى»، و«يجب أن يبادوا».. وجدنا «مبارك»، و«زمرته» يرفضون المحافظة على كرامة مصر، ويَحبُون على بطونهم؛ لنيل رضا مجلس الحرب الصهيونى الجديد، وتقديم التنازلات من أجل خدمة مصالحهم الشخصية.
.. كنا نتمنى أن يكون موقف «النظام المصرى» موقف كل مصرى شريف يضع «أمن»، و«سلامة»، و«كرامة» مصر خطًا أحمر لا يمكن تعديه.. كنا نتمنى أن يكون موقف مبارك وزمرته داعمًا لـ«قضية» الشعب الفلسطينى، وداعمًا لكسر حصار قطاع غزة، من خلال وقف الاتصالات مع مجلس الحرب الصهيونى الجديد اليمينى المتطرف، خاصةً بعد موقف النظام المصرى المخزى خلال الحرب على قطاع غزة الصامد.. كنا نأمل منه أن يبدأ فى تحسين صورته أمام شعبه، وأمام دول العالم.. كنا نأمل أن نرى أوامر بوقف تصدير الغاز للكيان الصهيونى، بدلاً من تقبيل، واحتضان أعضاء مجلس الحرب الصهيونى.. إن دعوة عمر سليمان لـ«ليبرمان»؛ لزيارة مصر تمثل سابقة خطيرة فى تفريط «مبارك»، وزمرته فى كرامة، ومكانة مصر.. وتمثل - كذلك - اعتداءً على «أمن مصر القومى»، وتعتبر دليلاً على عمالة النظام المصرى للكيان الصهيونى، و«التفريط فى ثوابت القضية الفلسطينية».. ولهذا؛ فإن حركة «شباب 6 إبريل» تدعو جماهير شعب مصر الحبيب إلى رفض زيارة الذل والمهانة التى سيقوم بها رئيس مجلس الحرب الصهيونى «نتنياهو»، ومسئول الخارجية الصهيونية المتطرف «ليبرمان».. وليعلم القاصى والدانى فى كل ربوع العالم: أن كرامة مصر، وأمنها القومى، وأمن شعبها أسمى من كل المصالح الشخصية.. وأننا لن نسمح لواحد أن تُسوّل له نفسه بأن يهدد كرامة وأمن مصر).

 

 



كان لنا - حتى تلك اللحظة - أن نعتبر بيان الحركة نوعًا من «الجهل السياسى»، أو «الاندفاع الشبابى» المشفوع بـ«غيرة» قطاعات متنوعة من قليلى الخبرة السياسية.. لولا العديد من «المعلومات التفصيلية» التى تكشّفت أمامنا - فيما بعد - حول عمليات «التوجيه السياسى الغربى»، وآليات الحشد الجماهيرى التى تم تدريب مؤسسى الحركة عليها بالخارج، فى أعقاب «عملية التشبيك» التى أمّنتها السفارة الأمريكية بالقاهرة لعدد من نشطاء «6 إبريل»، نهاية العام 2008م، مع عدد من «الحركات الدولية» المماثلة فى مدينة «نيويورك».. إذ كان ما شهدته «القاهرة» مع بداية تحرك «6 إبريل» تطبيقًا (حرفيًّا) لتلك التوجيهات، والتوصيات كافة.
.. وهى «توجيهات» كانت تتطلب - فى البداية - التمسك بسلمية التحرك، حتى لا تفقد الحركة الراغبة فى «إسقاط النظام» ظهيرها الجماهيرى، الذى تكتسبه بمرور الوقت.. بل كلما رفعت الحركة لافتة «السلمية»، وازدادت المواجهات الأمنية لها؛ اكتسبت مزيدًا من الأرض، وتعاطف الداعمين.. كما لا يُمكننا، هنا، أن نغفل، بأى حال من الأحوال، أن أحد الروافد «الأساسية» المغذية لتلك «التكتيكات» كان واحدًا فى كُلٍّ من: («مصر»، و«تونس»، و«اليمن»، و«سوريا» مع بداية اضطرابها السياسى).. إذ كان ذلك الرافد هو منظمة «أوتبور» الصربية (Otpor).. أى «المنظمة» التى نقلت خبراتها، أيضًا، لكل من: («أوكرانيا»، و«جورجيا»، عبر النشطاء الصربيين أنفسهم، فيما عُرف بـ«الثورات الملونة» فى أوروبا الشرقية).
ففى تقريرها الذى كتبته «تينا روزنبرج» (Tina Rosenberg)، بصحيفة «نيويورك تايمز»، تحت عنوان: (كيف تُسقط ديكتاتورًا) (How to Topple a Dictator)?  قالت «روزنبرج»: منذ عدة أعوام، قبل أن تصبح مظاهراتهم مصحوبة بالعنف، أمضى مجموعة من الشباب السورى الباحث عن طريقة للإطاحة بـ«بشار الأسد» أسبوعًا داخل منتجع ساحلى معزول خارج سوريا؛ للمشاركة بـ«تدريب على الثورة».
.. وكان «المدربان» هما: مدربا مركز «كانفاس»؛ «سلوبودان ديينوفيتش»، و«سرديا بوبوفيتش» (مؤسسا أوتبور)، اللذان أسهما فى «إسقاط نظام» الرئيس الصربى الأسبق «سلوبودان ميلوشيفيتش».
وتنقل «روزنبرج» عن كتاب «بوبوفيتش»، المعروف باسم: «مُخطط للثورة» (Blueprint for Revolution)، قوله: إن طريقة «أوتبور»، وشعارها (قبضة اليد المضمومة) تم اعتمادهما من قِبل «الحركات الديمقراطية» (وفقًا لتوصيفه) حول العالم.. كما أن «المعارضة المصرية» (يقصد: حركة «شباب 6 إبريل»)، استخدمتهما؛ لتطيح بـ«حسنى مبارك».. وفى لبنان ساعد الصرب «ثورة الأرز» فى تخليص البلاد من النفوذ السورى.. وفى المالديف، ساعدت طريقة «أوتبور» فى إسقاط ديكتاتور ظّل فى منصبه لأكثر من 30 عامًا.. وفى دول أخرى كثيرة، استخدم النشطاء تدريبات مركز «كانفاس»؛ ليحققوا أهدافًا سياسية أخرى، مثل محاربة الفساد، وحماية البيئة (!)
لكن.. لم يكن انتقال «تكتيكات أوتبور» (بدعم من «وزارة الخارجية» الأمريكية) لنشطاء «شباب 6 إبريل» المصرية (وهو ما سنعرض لبعض تفاصيله، تاليًّا)، هو كل ما فى «جعبة» الخارجية الأمريكية، وقتئذ.. إذ بالتزامن مع «تشبيك» الحركة «الشبابية» المصرية، والعديد من «المنظمات» الشبيهة لها؛ كانت تسعى «واشنطن» لزيادة مساحة «الاحتكاك الشبابى» المصرى، وأجندتها للتغيير.. ومن ثمَّ، وبالتزامن مع استعدادات واشنطن لزيارة «أوباما» للقاهرة (ألقى «أوباما» خطابه للعالم الإسلامى من «جامعة القاهرة» فى 4 حزيران/ يونيو من العام، نفسه)؛ كانت وزيرة الخارجية الأمريكية «هيلارى كلينتون» على موعدٍ «جديد» مع 16 ناشطًا مصريًّا، فى نهاية أيار/ مايو من العام 2009م.. إذ كان اللقاء مع «هيلارى»، هو المحطة الأخيرة فى «الرحلة التدريبية»، التى استمرت لنحو «شهرين» كاملين (!)

تمت «الرحلة التدريبية» تحت إشراف «مباشر» من مؤسسة «فريدم هاوس»، فى سياق برنامج «جيل جديد من النشطاء» (New Generation of Advocates)..  وبتمويل من «الحكومة الأمريكية» (USG-funded),  عبر كلٍّ من: «هيئة المعونة الأمريكية» (USAID) ، و«مبادرة الشراكة الشرق أوسطية» (MEPI).. إذ كان يستهدف «التدريب» نقل خبرات المدربين الأمريكيين (بعضهم كان من «الفاعلين الرئيسيين» بالحملة الانتخابية للرئيس أوباما) للنشطاء «المصريين»، على ما أطلقوا عليه: «تعزيز الديمقراطية»، و«حقوق الإنسان فى مصر».
وبحسب «دوائر المعلومات» المصرية (واعتمادًا، أيضًا، على ما كشفه العديد من «البرقيات الدبلوماسية» الأمريكية، فى وقتٍ لاحق)؛ كان «الهدف العام» من البرنامج، الذى أنشأه، ابتداءً، «الجمهوريون» بالعام 2006م، وورثته «الإدارة الديمقراطية» داخل البيت الأبيض، هو تدريب العناصر «المنتقاة» على ما اصطلح على تسميته بـ«آليات التغيير السياسى» بدول الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا (MENA).. وذلك؛ فى سياق تهيئة «مسرح الأحداث» بالمنطقة؛ لاستقبال مستهدفات التغيير بـ«مشروع الشرق الأوسط الكبير».. إذ كانت النتيجة «المرجوة» من البرنامج (وفقًا لتقديرات «الدوائر» المصرية)؛ هى خلق «أجيال» تدين بالولاء لسياسات «الولايات المتحدة الأمريكية» بالمنطقة، عبر استقطاب «عناصر شبابية» تتوفر لديها السمات «الإثارية».. وتوجيه حركة تلك «العناصر» ضد «الأنظمة الحاكمة».
ووفقًا لوثائق «ويكيليكس».. قالت «هيلارى كلينتون»، فى بداية استقبالها لـ«وفد النشطاء المصريين»: من دواعى الشرف أن أستقبل مجموعتكم تلك بـ«مقر وزارة الخارجية الأمريكية».. فهذه المجموعة التى تضم العديد من «الشباب»، و«الشابات» منوط بها «تحسين حياة الشعب المصرى»، وتوفير المزيد من الفرص الاقتصادية، وزيادة مساحة الديمقراطية، واحترام «حقوق الإنسان».. فقد أتيتم من خلفيات متنوعة (ضم الوفد الشبابى: «محررين صحفيين»، ونشطاء من الجمعيات الحقوقية، وبعض عناصر «الحركات الاحتجاجية»).. وكل واحد منكم يحمل خبرته الخاصة.. خبرة فى مجال اهتماماته، وطموحاته (!)
.. وأضافت: تغمرنى السعادة؛ لأننى سأزور مصر «الأسبوع المقبل» بصحبة «الرئيس أوباما»؛ من أجل خطابه لـ«العالم الإسلامى».. وقد استمتعت بالعمل مع نظرائنا المصريين على تعميق العلاقات بين البلدين.. لكن، الجزء الأهم فى هذه العلاقة هو ما بين الولايات المتحدة الأمريكية و«الشعب المصرى» (ستكون تلك النقطة، أيضًا، أحد محاور كلمة أوباما).
وتابعت: أعتقد أن تلك هى الزيارة الأولى لعدد من الموجودين - الآن - للولايات المتحدة الأمريكية.. لذلك؛ فمن الرائع أن تكونوا بيننا اليوم، وأن تكونوا جزءًا من هذا الأمر.. فسوف نذهب للقاهرة لكى نضع إطارًا شاملاً حول التغييرات المرتقبة.. فنحن نُثمِّن دور القاهرة فى عملية السلام، ومكافحة الإرهاب.
وفى لقائها «المغلق» مع المجموعة (استمر «اللقاء المغلق» لمدة 10 دقائق)، قالت «كلينتون»: ستبقى عملية الضغط على «النظام السياسى» فى مصر؛ من أجل «توسعة» مجال مشاركة «المجتمع المدنى»، جزءًا أساسيًّا (ودائمًا) من سياسات «الولايات المتحدة».. لكن، ستضطر الإدارة (أى: إدارة أوباما)، فى بعض الأحيان، لأن تبقى هذا الأمر خلف «الأبواب المغلقة» (!)
وفى أعقاب اللقاء، كتب «شريف منصور» (مدير برامج الشرق الأوسط بمؤسسة «فريدوم هاوس»، وقتئذ)، تقريرًا لوزارة الخارجية الأمريكية، بما تم خلال اللقاء من أسئلة، وإجابات.. فضلاً عن إعادته للتأكيد على بيانات المشاركين باللقاء، من الجانبين: «المصرى»، و«الأمريكى».
.. وفى ختام التقرير «النهائى» الخاص بالزيارة؛ كتبت «هيلارى كلينتون» تعليقًا يقول: كان هذا هو «الفوج الثالث» من زملاء البرنامج ممن التقوا قيادات وزارة الخارجية الأمريكية.. أما لقائى (أى: لقاء وزيرة الخارجية) مع تلك المجموعة من «المهنيين الشباب»؛ فقد عكس دعم الحكومة الأمريكية، وتشجيعها لعمليات التغيير السياسى بالمنطقة.. كما كان اللقاء هو «القصة الرئيسية» على جدول اجتماعات الوزارة خلال اليوم التالى.. ونتطلع للإبقاء على «قنوات الاتصال» مع هذا «الفوج»، فضلاً عن باقى زملاء البرنامج، جميعًا (!)

لكن.. بالتزامن مع انتهاء زيارة «الوفد الشبابى المصرى» للولايات المتحدة الأمريكية؛ كان ثمة ترتيبات مختلفة «نوعًا ما» داخل واشنطن (تتماشى وتوظيف «حالة الحراك» فى الشارع العربى، لحساب «برنامج الارتباط وقوى الإسلام السياسى» بالمنطقة، نفسها).. وهى «ترتيبات» لم تتبدَّ أمام العديد من «المراقبين السياسيين» داخل منطقة الشرق الأوسط، إلا فى وقت لاحق (!).. إذ حل «أوباما» (بعد لقاء «هيلارى» مع وفد «الشباب المصرى»، بأيام قليلة)، ضيفًا على القاهرة؛ ليوجه من داخل أروقة «جامعة القاهرة» العريقة، خطابه للعالم الإسلامى (!)
.. وهو «خطاب» حمل، فى حينه، العديد من «الرسائل» حول أن ثمة رياحًا للتغيير ستُلقى بظلالها على المنطقة فى القريب.. إلا أنّ تلك «الرسائل» لم تجد من «الأنظمة» التى كانت قائمة، وقتئذ، من يدرك مغزاها على نحوٍ كافٍ (!).. وهو ما سنعرض له تاليًّا.
.. يتبع

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز