عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

داعش فى «الدرك الأسفل» من الإنترنت

داعش فى «الدرك الأسفل» من الإنترنت
داعش فى «الدرك الأسفل» من الإنترنت

كتب: أحمد شوقي العطار



نقلاً عن مجلة روزاليوسف

فى حضرة العلماء لا يكف أمثالى عن طرح الأسئلة للاستزادة من علمهم خاصة لو بقيمة وقامة دكتور أمين العالم الاقتصادى الكبير.. من بسط المصطلحات الاقتصادية وربطها بحياة المواطنين مازجا بين علمى الاقتصاد والاجتماع، فكان أول من رصد المتغيرات التى شهدتها الشخصية المصرية على مدار خمسين عامًا فى كتابه الأشهر «ماذا حدث للمصريين».
تبلغ المسافة بين العراق ونيجيريا أكثر من 5000 كيلو متر، وفى كلتا الدولتين يوجد فرعان لتنظيم داعش الإرهابى، فى العراق يخطط قادة التنظيم لعملياتهم الإرهابية حول العالم، ويصدرون الأوامر والتوجيهات ويحددون الأهداف، وفى نيجيريا تتلقى العناصر التابعة للتنظيم تكليفات القادة والتمويل اللازم لتبدأ فى التنفيذ.
السؤال هنا: كيف يمكن لعناصر تنطيم داعش الاتصال ببعضهم البعض، وإرسال واستقبال الأموال قبل تنفيذ العمليات الإرهابية داخل 12 دولة، وعبر 3 قارات مختلفة دون أن تترك أثرا واحصصصد يمكن للأجهزة الاستخباراتية ووكالات مكافحة الإرهاب حول العالم رصده أو تتبعه؟
الجواب هو «الدارك ويب».
(1)
معظمنا معلوماته عن شبكة الإنترنت لاتتعدى مواقع مثل يوتيوب، جوجل، فيس بوك، تويتر، رغم أن الدراسات تؤكد أن ما يظهر لنا من محتوى الإنترنت بشكل عام عن طريق محركات البحث المعروفة يمثل نحو 4% من محتوى الإنترنت الحقيقى، وأن هناك شبكة مخفية من المواقع والمنتديات والمنصات تمكن مستخدميها من فعل أى شيء يريدونه دون رقابة أو ملاحقة قانونية، وأن هذه الشبكة يطلق عليها المختصون مسمى «الديب ويب» أو الإنترنت العميق.
مصطلح «الديب ويب» يشير إلى محتوى موجود على شبكة الإنترنت العالمية لكن لا تتم فهرسته من قبل محركات البحث المعروفة.
يمكن أن نعتبر الإنترنت مكونا من طبقات، الطبقة «العليا»، أو السطحية، هى الطبقة التى يعرفها الجميع ونستخدمها يوميا، ونصل إليها بسهولة عن طريق عمليات البحث العادية، ثم طبقة أخرى تسمى «الديب ويب» أو الإنترنت العميق وتنقسم هى الأخرى لعدة طبقات وداخلها نجد عالماً آخر لا يخضع لأى رقابة من أى نوع ويتعذر على السلطات تعقبه وتعقب مستعمليه.
دراسة حديثه أثبتت أن 57 % من الدارك ويب يحتلها محتوى غير قانونى مثل المواد الإباحية وتسهيل عمليات الدعارة، والعمليات المالية غير المشروعة، وبيع المخدرات، والإتجار بالأسلحة، وترويج العملات المزيفة، وبيع الأعضاء والإتجار بالبشر، والتواصل بين التنظيمات والعناصر الإرهابية، وذلك بعد أن أصبح التعامل فى مثل هذه الأمور من خلال شبكة الإنترنت السطحية محفوفًا بالمخاطر.
(2)
بدأ الأمر عقب إعلان تنظيم داعش مسئوليته عن الهجوم الإرهابى الذى وقع بباريس فى نوفمبر  2015 وأسفر عن مقتل أكثر من 130 شخصًا وإصابة عشرات آخرين بجروح، حيث أعلن التنظيم وقتها عن إطلاق موقعه الرسمى على شبكة الإنترنت المظلم «دارك ويب».
دراسة أمريكية نشرها موقع «ديب ويب نيوز» الأمريكى والمختص بنشر كل ما يدور داخل قاع الإنترنت، تكشف تفاصيل مذهلة عما يتمكن تنظيم داعش من إنجازه عن طريق الدارك ويب، أولها بالطبع قدرته على التواصل بأريحية ودون رقابة مع أعضائه فى الدول المختلفة، واستخدامه للقاع المظلم فى إرسال الخرائط والوثائق والصور والتوجيهات وإدارة العمليات الإرهابية بالكامل عن بعد، وإطلاق التحذيرات لأعضاء التنظيم حول العالم لتجميد بعض العمليات أو إلغائها أو تغيير مسارها، فى حال حدوث أى تطورات قد تؤثر على سير العملية أو تهدد بفشلها.
عمليات التواصل عن بعد من خلال القاع يديرها قسم خاص يتبع التنظيم، مسئول عن التواصل وتأمين تبادل المعلومات والتمويل واستخدام الـ«دارك ويب» بصورة احترافية تحميه من الملاحقة والاختراق، هذا يبرر بوضوح لماذا لم تستطع معظم الأجهزة الاستخباراتية والأمنية رصد أى رسائل أو مكالمات أو إشارات للإرهابيين قبل الكثير من العمليات الإرهابية، خاصة التى نفذها التنظيم فى أوروبا.
الأمر الثانى والمثير للانتباه هو قدرة التنظيم على استخدام نظم الدفع الإلكترونية الحديثة لتمويل أعضائه وعملياته، ففى يناير 2015 كشفت شركة إس تو تى التابعة لجهاز المخابرات السيبرانية فى سنغافورة أدلة ووثائق تؤكد أن خلية إرهابية تابعة لتنظيم داعش الإرهابى وتعمل داخل نطاق الأمريكتين تلتمس من محبيها وداعميها تعزيز جهودها بجمع تبرعات بالعملات الإلكترونية «بيتكوين».
ورصد الجهاز المخابراتى رسالة عبر الإنترنت المظلم، بثها شخص عرف لاحقا باسم أبو مصطفى، أعلن فيها: «لا يمكن للمرء أن يرسل تحويلا مصرفيا إلى المجاهد دون أن تصل إليه أيدى حكومات الكفر الحاكمة على الفور.. فاحذروا ... والحل المقترح هو التبرع بـ«البيتكوين».. فنظام التبرع الإلكترونى مجهول تماما للحكومات والأجهزة.. ويمكن أن ترسل الملايين من الدولارات من بيتكوين على الفور دون أن يتتبعك أحد».
مثال آخر يأتى من إندونيسيا، حيث جمعت جماعة جهادية تبرعات من مانحين محليين ودوليين، من خلال مواقع على شبكة الإنترنت المظلم. ونجحت الجماعة فى جمع  600 ألف دولار أمريكى فى أيام عن طريق الدارك ويب.
الصفحة الرئيسية لموقع «داعش» على الدارك ويب تعرض لافتة إعلانية كبيرة مكتوب أسفلها «تمويل المعركة الإسلامية من هنا» بالعربية والإنجليزية معا، وبالضغط على الإعلان نتحول لصفحة ويب عميق أخرى اسمها «صندوق الكفاح الإسلامى» تتبع داعش أيضا، وتدعو المستخدمين للتبرع للعمليات الجهادية بعملات إلكترونية من خلال عنوان إلكترونى خاص بالمعاملات المالية، وتظهر داخل الصفحة وثيقة إلكترونية بعنوان «بيتكوين وصدقات الجهاد»، تشرح للمتعاملين كيفية إجراء معاملات مالية سرية.
قاع الإنترنت وسيلة مثالية لتهريب الأموال عبر الحدود، لذا يستخدمه داعش فى استقبال وإرسال التمويلات الخاصة بالعمليات الإرهابية مستخدما العملة الإلكترونية المعروفة بـ«البيتكوين»- الواحدة منها تساوى حوالى 4000 دولار- لإرسال الأموال لعناصره فى أى مكان فى العالم دون أى رقابة، ورغم أن العديد من الدول منعت التعامل رسميا بـ«البيتكوين» وآخرها مصر، فإن هناك عدة طرق غير رسمية لتحويل البيتكوين إلى عملات نقدية ولا تستطيع الأجهزة الأمنية رصدها.
قناة روسيا اليوم نشرت أيضا على لسان خبراء أن داعش انتهجت أسلوبا جديدا لتوفير التمويل اللازم عن طريق بيع الآثار المسروقة من الموصل عبر مواقع الإنترنت المخفية «الدارك ويب»، لزبائن من مختلف الجنسيات وبأسعار زهيدة.
(3)
وكالة آنسا الإيطالية ذكرت فى تقرير مطول عن الإرهاب ومواقع الدارك ويب أن إرهابيى داعش يشترون من خلال قاع الإنترنت جوازات سفر بريطانية تبدو كالأصلية تمامًا ينتجها مصنع فى نابولى، وهى قادرة على خداع أشد الأنظمة الأمنية إحكامًا وصرامة، وأن الوكالة الإيطالية للمعلومات والأمن الخارجى عندما أجرت تحقيقاتها حول تصاعد عمليات الاتجار بالوثائق المزورة، عثرت على إعلان مثير للانتباه على الشبكة العميقة عن بيع جوازات سفر بريطانية كالأصلية، وعندما تعقبت ذلك الإعلان قادها إلى شركة فى مدينة نابولى لديها معدات متطورة جدًا تمكنها من إصدار جوازات سفر أصلية.

 


ووفقا لتقارير أمنية استشهدت بها وكالة «آنسا» فإن أعضاء تنظيم داعش زبائن دائمون لدى موقع بيع الجوازات البريطانية المزورة لتسهيل تحركاتهم داخل أوروبا وفتح حسابات مصرفية.
الكارثة الأكبر فجرها الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما بنفسه، عندما خصص جزءًا من كلمته أمام 50 من رؤساء الدول ووزراء الخارجية فى واشنطن العاصمة فى أبريل 2016 خلال أحد المؤتمرات الدولية، ليشرح للحضور كيف اشترت مجموعة إرهابية تابعة لداعش نظائر مشعة من خلال وسطاء على الدارك ويب.
آخر جهود الأجهزة الغربية فى ملاحقة داعش داخل الإنترنت المظلم أعلنها روب وينرايت مدير اليوروبول أكبر جهاز شرطة فى الاتحاد الأوروبى خلال مؤتمر صحفى عقد فى 4 مايو الماضى، حيث صرح أنه تم الكشف عن منصات جديدة لداعش على الإنترنت المظلم بعد شهور من التتبع لاستهداف التطرف عبر الإنترنت، مؤكدا أن الصدفة لعبت دورا كبيرا فى الوصول لهذه المنصات والقائمين عليها.
وقال وينرايت فى مؤتمر أمنى فى لندن: «ضمن هذه العملية كشفنا تطوير داعش لمنصة تواصل اجتماعى جديدة داخل الدارك ويب لإدارة أعمالها بدلا من المنصة القديمة والقائمة منذ 2015».. مؤكدا أن بعض أعضاء داعش يواصلون الابتكارات فى هذا المجال.
(4)
التطور المتزايد فى استخدام الإرهابيين لمواقع الدارك ويب يمثل تحديا صعبا للحكومات ووكالات مكافحة الإرهاب والأجهزة الأمنية حول العالم، لذا اتفقت معظم الأجهزة الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب أن هناك حاجة ملحة لتطوير أساليب وتدابير جديدة لتتبع وتحليل الاستخدام الإرهابى للدارك ويب.
وكالة مشاريع البحوث المتقدمة للدفاع الأمريكى «داربا» أكدت مؤخرا أن برنامجًا إلكترونيًا يدعى «ميمكس» قد يكون هو الحل، وهو برنامج ابتكرته شركة ميمكس الأمريكية الكبيرة التى أسست عام 1988 وتخصصت فى ابتكار وتصنيع برامج أمنية واستخباراتية ومن عملائها أهم أجهزة الشرطة والأمن فى 150 دولة حول العالم.
وفى 2015 تم إطلاق البرنامج الأهم فى العالم للمرة الأولى وأطلق عليه اسم «ميمكس» ويتمكن من متابعة وحماية الإنترنت من الاختراق والتخفى والعمليات المشبوهة، فهو يسمح بفهرسة أفضل لمواقع الويب العميقة، وقد صمم أصلا لرصد الاتجار بالبشر على الشبكة العميقة؛ واقترحت الوكالة الأمريكية تطبيق نفس المبادئ على أى نشاط ويب عميق غير مشروع.
هذه المعطيات الجديدة حول التطور الخطير فى أساليب داعش تحتم علينا أن نكون أكثر إنصافا ونؤكد أن الاتهامات التى طالت الأجهزة الأمنية المصرية بسبب عدم القدرة- فى بعض الأحيان- على إحباط العمليات الإرهابية قبل وقوعها، لا محل لها من الإعراب الآن بعدما ظهرت حقائق جديدة تؤكد استخدام «داعش» للدارك ويب منذ عام 2015 مما جعل عمليات التتبع والرصد والملاحقة للعناصر الإرهابية أمراً صعبًا للغاية، وتؤكد أيضا أن دولا عديدة على رأسها الولايات المتحدة فشلت فى التصدى للاستخدام الإرهابى للإنترنت المظلم فى معظم الأحيان.
مهم أيضا أن يوضع هذا الملف المهم على رأس برنامج عمل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب فى أقرب جلسة لمناقشة أبعاده، وضرورى جدا أن نتقدم بأدلة واضحة للمجتمع الدولى تبين أن الدارك ويب كان منصة رئيسية لإدارة العمليات الإرهابية التى وقعت فى مصر خلال السنوات الأخيرة.>


 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز