عاجل
الخميس 26 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

سيناريوهات تفكيك «الفكر الوهابى»!

سيناريوهات تفكيك «الفكر الوهابى»!
سيناريوهات تفكيك «الفكر الوهابى»!

كتب: ياسر نصر



نقلاً عن مجلة روزاليوسف

السعودية كانت على موعد مع زلزال اجتماعى وثقافى جديد، يوم الثلاثاء الماضى، بصدور قرار من الملك سلمان بن عبدالعزيز يسمح للسعوديات بقيادة السيارات، وهو القرار الذى تأخر ما يزيد على 30 عاما، والذى كانت تطالب به العديد من النساء والتيارات الليبرالية فى المملكة، وسط معارضة شديدة من التيارات الدينية المحافظة.

القرار الجديد والذى يأتى فى مقدمة الاصلاحات التى يتبناها ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، ستكون له تداعيات بين رجال الحكم ورجال الدين.
فالعلاقة بين النظام الحاكم فى السعودية ورجال الدين عمرها بعمر الدولة السعودية منذ إنشائها على يد محمد بن سعود، أمير الدرعية الذى قام بنصرة محمد عبدالوهاب ودعم دعوته الجديدة، وتضمن الاتفاق الثنائى بينهما أن يكون هناك تقاسم فى السلطتين الدينية والدنيوية، فتكون زعامة الإمارة لورثة آل سعود، والزعامة الدينية لورثة محمد عبدالوهاب الذين أطلق عليهم بعد ذلك آل الشيخ.
حكام السعودية رفعوا من مكانة رجال الدين، حيث تجد مفتى السعودية وأعضاء هيئة كبار العلماء يتصدرون المشهد بل يتم تقديمهم فى أوقات كثيرة على الأمراء من أبناء الملك عبدالعزيز، وفى مقابل ذلك يدعم هؤلاء المشايخ جميع ما يصدر من قرارات.
السعودية كانت تنفرد بأنها البلد الوحيد فى العالم الذى يمنع النساء من قيادة السيارات،  على الرغم أن نظام المرور السعودى لا ينص على منع النساء من القيادة إلا أن تراخيص القيادة كانت لا تصدر إلا للرجال، ويرجع السبب فى منع النساء من قيادة السيارات، إلى مجموعة من الفتاوى التى أبقت النساء على حالها ممنوعة من القيادة.
وكان عموم مشائخ السعودية أصدورا العديد من الفتاوى بتحريم قيادة المرأة للسيارة، وأصدرت هيئة كبار العلماء فتاوى عديدة بتحريمها تحت رئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز،  كما أفتى عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان بتحريمها معللا رفضه أن «المحاذير كثيرة وأخطر شيء أنها تعطيها الحرية بأن تأخذ السيارة وتذهب إلى من تشاء من رجال ونساء».
الشيخ محمد بن عثيمين حرم قيادة المرأة للسيارة قائلا: «لا شك أن قيادة المرأة للسيارة فيها من المفاسد الكبيرة ما يربو على مصلحتها بكثير هذا فضلاً عن أنها ربما تكون سلما وبابا لأمور أخرى ذات شرور فتاكة وسموم قاتلة».
مفتى السعودية عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، حتى أيام قليلة ماضية كان قد حذر من فتن قيادة المرأة السيارة، وطالب بعدم السماح بذلك وإقراره، لكونه أمراً خطيراً يعرِّض النساء لأبواب شرّ كبيرة، حيث قال نصا فى أبريل الماضى فى برنامج «مع المفتي» فى قناة المجد: «قيادة السيارة قد تفتح عليها أبواب شر ولا تنضبط أمورها، فالواجب والمطلوب منا ألا نقرَّ هذا؛ لأن هذا أمر خطير يعرضها للشرور؛ ولا سيما من ضعفاء البصائر الذين يتعلقون بالنساء، وربما سبب خروجها وحدها وذهابها إلى كل مكان من غير علم أهلها بها شرور كثيرة، نسأل الله السلامة والعافية».
قطعًا.. الأمور تغيرت الآن.. ولم يعد غريبًا أن تجد الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر سابقًا، يخرج علينا بعد أن كان مع أتباعه يطاردون النساء فى الشوارع ويحتجزونهن إذا ما أقدمت واحدة منهن على قيادة السيارة يخرج عليها قائلا إن قيادة المرأة السيارة ليس فيها أى مخالفة شرعية، مشيرًا إلى أن المرأة ستختار ما يحقق مصلحتها، مؤكدا أن صدور أمر سام بالسماح للمرأة بقيادة المركبة يساعد على الاستغناء عن السائق الأجنبى وما فيه من محاذير وسلبيات.
البعض يرى فى مواقف الوهابيين أنها تأتى لمواكبة التطورات العصرية، لا سيما أن العديد من الاتهامات توجه إليهم باعتبارهم أحد الداعمين بأفكارهم للعنف الدينى.
ويرى مراقبون أن النظام السعودى الجديد يواجه العديد من التحديات، أهمها الاستجابة لمطالب الاصلاح والتجديد والتى من المتوقع أن تواجه برد فعل عنيف من قبل التيارات المحافظة المدعومة من الإسلاميين المتشددين، فالسعودية أمام ثلاث قوى، تتقدمها المؤسسة الدينية، التى تعتبر نفسها شريكا فى السلطة، لذلك تتحرك وتتكلم بصوت عال من منطق الشراكة مع الأسرة الحاكمة، وذلك بعد أن تحولت أسرة «آل الشيخ» إلى قوة لا يستهان بها كونهم يشغلون مناصب مهمة فى أجهزة الدولة فى الجوانب السياسية والجيش.
ويسعى التيار الدينى فى سبيل الحفاظ على مكاسبه إلى تخويف المجتمع والسلطة من نتائج وتبعات الانفتاح الاجتماعى أو مجرد الحد من صلاحيات المطاوعة وكأنهم يضعون السلطة السعودية أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكون لنا دور فيكون الأمن الاجتماعى والسياسى، أو تهديد النظام والاستقرار المجتمعى فى البلاد.
القوى الثانية تتمثل فى المؤسسة السياسية والتى تتكون من الأسرة الحاكمة بتشكيلاتها وأمرائها والتى يوجد من بينهم قطاع كبير يعارض التوجهات التى يقودها الأمير محمد بن سلمان، وإن كانوا بعيدا عن الأضواء إلا أنهم يستطيعون لعب دور جديد إذا ما اقتضت الحاجة، وفى مقدمة هؤلاء محمد بن نايف ولى العهد السابق ومتعب بن عبدالله قائد الحرس الوطنى، وإلى جانب ذلك هناك قوة كبيرة مقسمة بين ميول وانتماءات و«أحلام» ورغبات متعددة هى الشعب والتى يتواجد بينهم تيار كبير من الشباب رفع شعارات الليبيرالية والإصلاح ومواكبة الحداثة.
الفصيل الثالث تتنازعه القبلية والوهابية والصوفية والعقلانية وكذلك محاولات التغريب، التى تقوى يوما بعد يوم، بسبب التعليم والإيفاد للخارج والسفر والسياحة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
محللون يرون أن هناك طريقًا «توافقيًا» ربما تسير عليه الدولة السعودية من خلال الاتفاق على بعض التغييرات المدروسة على الصعيد الاجتماعى مع تحول داخل الفكر والعقيدة الوهابية أو اتباع سياسة الصمت إزاء التغييرات من قبل كبار العلماء، وربما يكون هذا الأقرب للتنفيذ من خلال متابعة مواقف الهيئة الدينية مع القرارات السياسية، فالقرار الأخير صدر بموافقة هيئة كبار العلماء.
وبحسب ما جاء فى الأمر الملكى، صدر بموافقة «هيئة كبار العلماء» التى يرأسها عبدالعزيز آل الشيخ التى أفتت بأن قيادة المرأة للسيارة أمر مباح محاولة إخلاء مسئوليتها من الحرج بإضافة جملة «وفق الضوابط الشرعية»، وقالت هيئة كبار العلماء، فى تغريدة على حسابها فى «تويتر»: «حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الذى يتوخى مصلحة بلاده وشعبه فى ضوء ما تقرره الشريعة الإسلامية».
وشهدت السعودية تطورات سريعة خلال العام الماضى مع صعود نجم الأمير محمد بن سلمان وتبلورت فى «رؤية المملكة 2030»، والتى أطلقها فى فى 25 أبريل 2016، معلنا إحداث ثورة فى الاقتصاد السعودى بإنهاء اعتماده على النفط، واعتماد برنامج تحول وطنى يهدف إلى خفض الإنفاق العام بنسبة 40 %، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وإنشاء مدينة إعلامية سعودية، وتطوير السياحة، وإنشاء مجمعات تتيح للنساء مزاولة النشاطات الرياضية، وخصخصة خدمات البريد.
وكالة «بلومبرج» الأمريكية أشارت إلى أن المملكة تسعى إلى الإكثار من وسائل التسلية والترفيه والسماح للمواطنين بالاستمتاع بوقتهم، بهدف جنى المزيد من الأرباح عبر النشاطات الترفيهية والمهرجانات الثقافية، وذلك فى إطار سياسة الانفتاح والتغيير الثقافى قبل التغيير السياسى التى يتبناها الأمير بن سلمان، فعلى الرغم من عدم وجود قاعات للسينما في السعودية حالياً، إلا أن الأفلام السعودية بدأت تحقّق فى الأعوام القليلة الماضية نجاحات عربية وعالمية.
محللون يرون أنه للحفاظ على السيطرة وتحقيق رؤية 2030، يتعين على ولى العهد السعودى تنفيذ وعوده بالإصلاحات الداخلية التى تهدف إلى التخلى عن الاعتماد على النفط وترتيب السياسة الخارجية للمملكة التى تشمل حربا مكلفة فى اليمن وتوترات متزايدة مع إيران خصم المملكة اللدود، وأخيرا قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر.
الخبير فى شئون الخليج بجامعة تكساس «جريجورى جوس» يقول: «إذا نظر إليه على أنه يؤدى عمله بشكل جيد فسيكون من الصعب بشدة تعبئة الرأى العام ضده».
فقرار الملك سلمان بالسماح للنساء بقيادة السيارة يمثل نقطة تحول مهمة فى مشروع التغيير الاقتصادى والاجتماعى بالسعودية، فالقرار ينحاز إلى التيار الليبرالى فى مواجهة التيار الوهابى المتشدد، وينحاز إلى دعوات ومطالب انطلقت قبل عشرات السنين، ويدعم المطالب بتحرر المرأة وإعطائها حقوقها.
ووفقا للتقديرات الحكومية فإن حجم الاستثمارات النسائية فى المملكة تعدى 60 مليار ريال، وتقارب نسبة استثمارات النساء السعوديات %21 من حجم الاستثمار الكلى فى القطاع الخاص، فضلا عن أن سيدات الأعمال فى المملكة يمتلكن ما يقارب 50 مليار ريال، أى %75 من مدخرات المصارف السعودية.

 


ويؤكد محللون اقتصاديون أن قرار السعودية بالسماح للسيدات بقيادة السيارات له أبعاد اقتصادية، تتمثل فى توفير ما يقرب من مليارى ريال سعودى شهريا، كان يتم دفعها للسائقين والذين يبلغ عددهم نحو 900 ألف سائق.
القرار الجديد وصفه البعض بأنه إعلان عن مرحلة الحسم فى العلاقة بين  أمراء آل سعود والسلطة الدينية المتمثلة فى آل الشيخ، خاصة أنه سبقه بأيام ما يمكن تسميته جس نبض التيار المتشدد فى احتفالات العيد الوطنى، والتى شهدت حفلات موسيقى ورقص مختلطة.
المتتبع لشخصية الأمير الشاب محمد بن سلمان الذى لم يتجاوز عمره 33 عاما، يدرك أنه  يسير فى استراتيجية التدرج، فى التعامل مع الجناح المحافظ، حيث بدأت محاولاته للإصلاح والتغيير منذ توليه منصب ولى ولى العهد وبعد إطلاق رؤيته المملكة 2030، حيث جرى تقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولم يعد رجال الهيئة يملكون صلاحيات ضبطية أمنية أو عدلية ويكتفون بتسجيل المخالفات، وإطلاق هيئة الترفيه وبرامجها التى تستهدف تغيير البيئة الثقافية المحافظة.
ربما تأتى ضربة النهاية خلال الأيام القادمة لكيانات الإسلام المتشدد فى السعودية، المتمثلة فى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى تترقب قرار جلس الشورى السعودى، الذى لم يحدد موعد جلسته بعد، للنظر فى مصيرها بعد توصية بدمجها فى وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد، والتى من المقرر مناقشتها فى الأشهر الثلاثة المقبلة.
المغرد السعودى «مجتهد» كشف عن أن هناك نية لدى ولى العهد السعودى محمد بن سلمان للتخلص من بعض أعضاء هيئة كبار العلماء قال فى تغريدات له على موقع «توتير»: «الفكرة المطروحة أمامه لن تكون بإبعادهم كأفراد فقط، بل بإعادة تشكيل المؤسسات الدينية وإلغاء هيئة كبار العلماء وإبقاء مؤسسة الإفتاء فقط»، وتابع: «السبب هو ارتباط «هيئة كبار العلماء» فى الإعلام الغربى ومؤسسات البحوث ومراكز الدراسات بالتطرف والوهابية والتكفير وعداوة اليهود والنصاري»، ومن البدائل المطروحة توسيع شئون الحرمين لتشتمل على مجلس علماء أقرب للأزهر ويكون رئيسها الحالى الشيخ عبدالرحمن السديس أقوى شخصية دينية رسمية فى البلد.
أصحاب الرؤية الأمريكية يشيرون إلى مباركة الولايات المتحدة الإجراءات الجديدة فى السعودية، وهو ما احتفلت إيفانكا ترامب ابنة الرئيس الأمريكى وعضو الفريق الرئاسى والتى كانت أولى المهنئات للسعوديات بقرار السماح للمرأة بقيادة السيارات، حيث كتبت عبر حسابها على على تويتر قائلة: «اليوم كان يوماً تاريخياً للنساء فى السعودية، بعد صدور مرسوم يرفع الحظر على قيادة المرأة».
تدعم نظرية الدعم الأمريكى تسريبات السفير الإماراتى فى واشنطن «يوسف العتيبة» والذى طالب الإمارت والولايات المتحدة الأمريكية- بـ«فعل كل شيء» لضمان نجاح ولى ولى العهد السعودى حينها «محمد بن سلمان»، وتضمنت الرسالة الإلكترونية التى وجهها السفير الإماراتى إلى الكاتب الأمريكى «ديفيد أغناشيوس»، فى 21 أبريل 2017 وسربتها صحيفة «ديلى بيست» جاء فيها: «يجب أن ندفع كل خطوات التغيير فى السعودية، وننتظر ماذا سيحدث بعد عامين»، مضيفا: «واجبنا القيام بكل شيء لضمان هذا التغيير».

 


الأمير محمد بن سلمان نجح فى إقامة اتصالات مع واشنطن منذ دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، لجس نبض الإدارة الأمريكية للتوجهات الجديدة فى السعودية، وكان أول مسئول يزور البيت الأبيض فى عهد الرئيس الجديد، وكانت السعودية أول بلد يزوره ترامب بعد جلسوه على كرسى الحكم فى أمريكا، وقتها وعد وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون، الكونجرس بأنه سيلمس تغييرا ثقافيا يطاول الفكر الوهابي.
الكاتب سايمون هندرسون - زميل بيكر فى معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة فى المعهد، ومتخصص فى شئون الطاقة والدول العربية المحافظة فى الخليج- نشر مقالا فى مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية كشف فيه عن بعض خفايا زيارة بن سلمان إلى واشنطن، مشيرا إلى أن وسائل الإعلام تجاهلت تصريحات المستشار السعودى الكبير الذى وصف اجتماع المكتب البيضاوى والغداء مع ترامب بأنه «نجاح كبير» و«نقطة تحول تاريخية» و«تحول كبير فى العلاقات».
نـــــــزار حيدر، مدير مركز الإعلام العراقى فى واشنطن يرى أن الوهابية حزب سياسى تلفع بالدين، فهى ليست مذهبًا من مذاهب المسلمين، كما أنها ليست حركة إصلاحية، بل هى حركة تدميرية، تعتمد الإلغاء والإقصاء والتكفير وعدم الاعتراف بالآخر، إنها حركة تدميرية تلجأ إلى كل الوسائل غير الشريفة للوصول إلى أهدافها ونيل مآربها، داعيا إلى التخلص منها.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز