عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. إيمان بيبرس تكتب: نحو إعلام وطني مهني

د. إيمان بيبرس تكتب: نحو إعلام وطني مهني
د. إيمان بيبرس تكتب: نحو إعلام وطني مهني

مشهد 1: تسريبات غير مهنية تخل بالأمن الوطني للبلاد



مشهد 2: مذيعة تقص شعرها على الهواء مباشرة

مشهد 3: طرد المذيعين لضيوف برامجهم على الهواء وعدم احترام آداب العمل الإعلامي

ثلاثة مشاهد طالعتها على مدار الأسبوعين الماضيين في البرامج الحوارية، هذه المشاهد الثلاثة أثارت في نفسي الاستياء والاستفزاز، كما أنها أثارت الحزن والقهرة على ما أصبح عليه الإعلام في مصر، ولأنني أحب أن أشارككم قرائي الأعزاء ما يجول في خاطري وعقلي، فقد قررت أن نتناول سويًا في هذا المقال الإعلام في مصر وكيف أصبحت مهنيته في طريقها للإندثار!، رغم أنني كثيرًا ما تناولت هذا الموضوع في مقالات عديدة سابقة، ولكن ما باليد حيلة، سوف أظل أتحدث عنه حتى ينصلح الوضع ويصبح بالشكل المهني الذي أود أن أرى فيه إعلامنا.

فنحن كمصريون أصابنا الإحباط بعد مشاهدة مثل هذه المشاهد وغيرها الكثير، حيث كنا نعلق آمالًا كبيرة على إعلامنا فى هذه المرحلة الراهنة التي نعايشها، فهو القوى الناعمة التي تعمل على استقطاب الجهود نحو الإصلاح والتنمية، ولأن هذه المهمة ليست بالشئ الهين أو السهل خاصة في تعزيز استقرار وأمن البلاد، فإننا كثيرًا ما وجدنا حرص من القيادة السياسية على استضافة مجموعة من الإعلاميين من حين لآخر ليستعرض معهم ويتناقش فى كثير من الأمور التى تخص الوطن والمواطن، وحثهم على دفع البلاد للاستقرار والنهوض بها.

والآن، دعني عزيزي القارئ استعرض معك بشئ من التفصيل هذه المشاهد التي ذكرتها مسبقًا، حتى نقف على أوجه القصور بشئ من الدقة وحتى لا يكون حديثنا مجرد كلامًا مرسلًا، ففي المشهد الأول رأينا تغطية إعلامية غير مهنية "للمواجهة بين الشرطة وخلية إرهابية فى طريق الواحات"، من قلة وعدم صحة المعلومات وضعف التحليلات فضلًا على المغالطات ناهيك على التسريبات غير المهنية مثلما التي بثها أحد مقدمي برامج التوك شو على احدى القنوات الفضائية الخاصة، وقُدم فيها محتوى إعلامي يتنافى مع قانون نقابة الإعلاميين وبالأخص في المادة ٦٩، التي تحظر أي تناول إعلامي يؤدي إلى الإخلال بالمصالح العليا للبلاد ومقتضيات الأمن القومي المصري، وأيضًا ميثاق الشرف الإعلامي، وهذا الأمر الذي دفع نقابة الإعلاميين لإيقاف البرنامج، لحين انتهاء التحقيق مع مقدمه. ولكننا فوجئنا باستمرار بث البرنامج وظهور المذيع على الشاشة دون اعتبار لأخلاقيات العمل الإعلامي، وهو ما يفتح الباب أمام تكرار مثل هذا الخطأ، حيث لاحظنا مؤخرًا أن هذا الخطأ يُرتكب يوميًا في الفضائيات المصرية.

بينما المشهد الثاني يتمثل في انفعال مقدمة أحد برامج التوك شو الذي يذاع على احدى القنوات الفضائية الخاصة، بأنها قصت شعرها على الهواء مباشرة، تضامنًا مع شهداء حادث الواحات الأخير. فدائماً ما نعرف أن الإعلام يعرض وجهات النظر بشكل موضوعي دون الانحياز أو عرض الآراء الشخصية أو الانفعالات العاطفية، لأننا ندرك بأن الرسالة الإعلامية تصل لآلاف الملايين من المشاهدين، ومثل هذا التصرف يؤدي إلى إثارة مشاعر الاستنفار والغضب ومن هنا زعزعة استقرار البلاد وأمنها.

وعلاوة على ذلك؛ فيتجسد أمامنا المشهد الثالث وهو مشهد طرد المذيعين لضيوفهم على الهواء يتكرر بشكل كبير، نتيجة عدم مراعاتهم لمقتضيات ومعايير الأداء المهني الإعلامي، حيث شاهدنا سويًا قيام إحدى المذيعات بإساءة الحوار مع ضيف برنامجها وأنهت الحوار بشكل يسيء بشدة للقناة قبل أن يكون تجاوزًا مرفوضًا في حق الضيف الكبير، وقد تم إيقاف هذه المذيعة عن العمل وتحويلها للتحقيق بسبب خروجها عن قواعد "مدونة السلوك المهني" التي تعتمدها القناة وتلتزم ببنودها.

 وليس هذه الواقعة فقط، فقد أقتفى نهجها الكثير من مقدمي برامج التوك شو وإن كان أخرها طرد أحد مقدمي البرامج لضيفه صاحب اقتراح قانون "الإنجاب برخصة"، وأيًا كان الاختلاف مع وجهة نظر الضيف لابد من احترامه أو عدم استضافته من الأساس وإنما الانفعال بشدة واتهام الضيف برغبته في الشهرة فقط والظهور في البرنامج لإثارة الجدل، والاعتذر للجمهور لاستضافته لشخص يتحدث بلا صفة. فهذا ما يعد خللًا جسيمًا في منظومة الإعلام المصري.

ويا عزيزي القارئ بعد استعراض الحال الذي آل إليه الإعلام المصري، يبقى السؤال الجوهري آلا وهو كيف يتعامل الإعلام مع آمال الشعب وأحلامه وأوجاعه في ظل ما نواجهه من ضربات قاسية؟ وكيف يبقى الذراع المساند في حماية واستقرار الأمن القومي للبلاد؟ وللإجابة على هذا السؤال، نجد أنفسنا أمام تساؤلات أخرى، وهي: أى إعلام.. وأى إعلاميين.. نحن نتحدث!، فأين المهنية؟ وأين أخلاقيات المهنة وآدابها؟ وأين مبدأ العقاب والثواب؟!.

وإليك بشئ من التفصيل، أيها القارئ نستعرض محاور الحلول، فينبغي أولًا: أن تكون هناك كوادر إعلامية متدربة علميًا وعمليًا، فنحن حقًا لا نعرف عن أي أعلام وأي إعلاميين نحن نتحدث؛ فبينما نجد الكثير من الإعلاميين الجادين والمحترفين والمثقفين، نجد في الوقت نفسه البعض منهم يشوهون هذه الصورة، حيث نرى كثيرين منهم وليس جميعهم يخرجون علينا ليدلون بوجهة نظرهم بدون معلومات دقيقة، ويقومون بالتركيز على ملء فراغات الوقت وجذب المشاهد ولو على حساب الوطن وأمنه، كل ذلك جسد أزمة وطن وأزمة إعلام وأزمة مهنة وهذا شئ خطير، وذلك نتيجة ضعف التأهيل الأكاديمى لغير خريجى «الإعلام» من العاملين فى وسائل الإعلام، ومن هنا نحتاج إلى مزيد من الرقابة على مقدمي البرامج بأن يكونوا خريجي الكليات الإعلامية العريقة في البلاد، لأن بها خير أساتذة الإعلام الرشيد الذي يقع على عاتقه التدريس بمهنية للأجيال الذين يكونوا مقدمى ومذيعي اليوم وغدًا والمستقبل، كما أنه يجب أيضا ثقل خبراتهم بالتدريبات العملية والأخلاقية نحو أداء المهنة باحتراف.

ثم يأتي المحور الثاني؛ وهو الإلتزام بمعايير المهنية عند تقديم محتوى إعلامي موضوعي للأحداث والأخبار، ويجب على الجميع الامتثال لها مهما كان الدافع، من خلال الموضوعية والمصداقية والدقة والشفافية في تناول الأحداث وعدم التحريض أو الحض على الكراهية، ولأننا نرى الأخطاء التي يقع فيها بعض الإعلاميين مثل؛ تهوين بعض الأمور وتهويل أخرى، وإعطاء وزن غير حقيقى لبعض القوى السياسية، وإعادة استضافة بعض الشخصيات السياسية فى كل البرامج، ونحن لا ننكر هنا أنهم جيدون ولكنهم ليسوا الوحيدون رموز الحياة السياسية فى مصر.

بينما المحور الثالث: يتحدد في الإلتزام بمعايير أخلاقيات المهنة وآدابها: من احترام خصوصية المصادر والشخصيات العامة، وعدم السب والقذف والتشهير، واحترام الضيف مهما كان الاختلاف في وجهات النظر معه، واحترام حقوق وكرامة الإنسان وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين والامتناع عن انتهاكها، ومراعاة الأمن القومي والصالح العام للمجتمع، لأن انتهاك هذه الأخلاقيات من شأنها إحداث حالة من البلبلة والإحباط في أوساط وقطاعات الرأي العام.

ومما سبق، نجد أنه يجب أن يكون هناك ميثاق شرف إعلامى واضح يتضمن كافة المعايير الأخلاقية والمهنية ويلتزم به كوسيلة لضبط الأداء بما يتوافق مع قيم وتقاليد المجتمع، مع العلم أن الإعلامي الوطني الذي ينتمي لبلاده ويدافع عنها لا يحتاج أكثر من ضميره ليكون الرقيب الذاتي على عمله، فليس الإعلاميين والصحفيين في الدول الأجنبية أكثر اعتزازًا وانتماءًا لبلادهم من أي إعلامي وصحفي بمصر، فكلنا نعرف أن العاملون في وسائل الإعلام الأجنبية ينظموا آليات عملهم تحت مسمى "التنظيم الذاتي" وهو القائم على إدراكهم أنهم رقباء أنفسهم وإذا أنحرفوا عن المهنية الإعلامية يتم تصحيح لمسارهم.

وأخيرًا المحور الرابع: جاء ليؤكد على أهمية أن يكون هناك آليات لمساءلة ومحاسبة من يخطئ لضبط أداء الإعلام المصرى من خلال تعديل وتطوير البنية التشريعية للإعلام بما يتوافق مع طبيعة احتياج المرحلة الحالية والقادمة لكي ننهض بالبلاد عن طريق القوانين المنظمة للمجالس الإعلامية الثلاثة التى وردت فى مواد الدستور وهى: الهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام المسموع والمرئى، والمجلس الأعلى للإعلام.

وختامًا عزيزي القارئ، بإسمي وبإسم كل مصري غيور على وطنه الحبيب، أطالب كل الجهات المنوطة بتنظيم العملية الإعلامية في مصر من الزام كل الإعلاميين والصحفيين بأخلاقيات ومهنية العمل الإعلامي، كما أطالب بسرعة وضع قوانين وعقوبات تكون رادعة ضد من كل يسئ أو يخل بآداب المهنة حتى لا يقصر الإعلام في مساندة آمال وطموحات الشعب المصري في تخطي تلك المرحلة الصعبة، وأيضًا في دعم وتعزيز الاستقرار والأمن القومي والنهوض بالبلاد لأفضل حال.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز