عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

سيد بحراوي لـ«بوابة روزاليوسف»: جلست على كرسي طه حسين دون علمي والمشهد الثقافي الراهن هش

سيد بحراوي لـ«بوابة روزاليوسف»: جلست على كرسي طه حسين دون علمي والمشهد الثقافي الراهن هش
سيد بحراوي لـ«بوابة روزاليوسف»: جلست على كرسي طه حسين دون علمي والمشهد الثقافي الراهن هش

حوار - خالد حماد

تقدمت لخطبة أمينة وأنا مطرود من الجامعة وهي في السجن



أبي كان غيورًا وقاسيًا وعلاقتي بوالدتي كانت غير سوية

 

سيد بحراوي أحد أبرز كتاب عصره، فهو الناقد والكاتب الروائي، صاحب تاريخ طويل في العمل الجامعي في مصر وعدد من دول العالم، وموهبة أدبية كبيرة، أستاذ الأدب العربي الحديث بجامعة القاهرة، عمل بجامعة ليون الثانية بفرنسا، وتولى الإشراف على العديد من الرسائل العلمية للحصول على درجتى الماجستير والدكتوراه فى مصر وفرنسا والجزائر وغيرها، فى هذا الحوار نلتقي سيد بحراوى ورفيقة رحلة عمره دكتورة أمينة رشيد، حول سيرته ومسيرته من لحظة الميلاد الى مديح الألم.

عن آخر ما كتب، جاء كتابه "فى مديح الألم"، بمثابة  الشهادة الموثقة  عن تجربة بحراوى مع الألم، يقفز من تجربته مع الألم ليتجاوزها بالكتابة بمعناها الواسع والعميق، فى الفلسفة والفكر والفنون، ويصف الألم بأنه ذلك الخلل الذي يعطل ويربك حركة نظام، ويعطل النظام عن وظيفته.

يشير بحراوي إلى تعريف علماء النفس للألم، بأنه الشعور الناتج عن انتهاك مادي وعضوي، ويؤكد أن تجربته مع الألم جعلته يتجه إلى الكتابة  في معناه بشكل أعمق عند الإنسان والحيوان والنبات.

عن علاقته بتلاميذه، يقول بحراوي: غالبا ما تنتهي علاقتي بتلاميذي إلى صداقة، وهذا يرجع لطبيعتى فى التواصل معهم، وإدراكى أننى أغرس فيهم ثقافة الندية، أتعامل معهم على هذا الأساس، وأقطع كل المسافات الزائفة والتى يتم صناعتها كحواجز للحجب والمنع، من التواصل الإنسانى والفكري بينى وبينهم.

ويضيف: أساعدهم فى صناعة خصوصيتهم، والنظر بعمق الى إمكانياتهم الداخلية، وأن ينجزوا من خلالها ما يشغلهم، ومن هنا نصل لمرحلة الصداقة، مؤكدًا كسر فكرة السلطة وسد الفجوة بين الأستاذ والتلميذ، مشيرًا إلى أن تكون متطابقا مع افكارك وارائك، فى هذه الحالة التحقق الأعلى  لمعنى الوعى، الذي يأتى فى التطابق بين السلوك والقول، وهو الأمر الأهم بالنسبة لى.

بين القاهرة وليون:

درست فى أكثر من مكان فى العالم، و"ليون" لم تكن أكثر مكان أحبيته، ولا باريس ولا لندن،  لكني أحببت تشكوسلوفاكيا أكثر، فى طريقتهم  للحياة وانفتاحهم على الآخر.

وعن المشهد الثقافي العربي الراهن يلفت البحراوى الى انه لا يوجد مشهد ثقافى لا حتى معارك ثقافية حقيقية، حتى على مستوى العالم العربي، فيه أزمة كبيرة ولا يمكن الإشارة الى ان هناك مكان ما يصنع حالة ثقافية، يمكن الاشارة إلى أن هناك بلدان عربية تنتج مؤتمرات، تقدم مجلات ودوريات ثقافية، لكن كل ما يجري غالبا هش، ما يحدث مؤقت وزائل، مؤكدًا أن المستوى الثقافي بالمعنى العميق، لا يوجد مشهد ثقافي حقيقي.

ماذا عن دول المغرب العربي وكسل الحركة النقدية في المشرق العربي؟

يشير البحراوي إلى أن المنجز النقدى المغربي "تونس، المغرب"، قائم على اقترابهم إلى فرنسا بالتحديد، وهذا يرجع الى إنجاز الترجمة أو قل النقل وهذا مفيد بالطبع، ولكن فى ظل غياب للمعايير والقيم، ليس هناك من يستطيع أن يحكم، الأمر ظاهريا يدعو إلى حركة ثقافية وأن هناك جديد، لكن نحن لم نسمع من الأجيال الجديدة،  عابد جابرى جديد، أو كيليطو أو الفهرى، ليس هناك أجيال جديدة تواصل، وتجعلنا  نشير بإن هناك مدرسة فلسفية أو فكرية تحققت، لكن ما يجرى هى مجهودات فردية فيها كثير من النقل عن الثقافة الفرنسية.

وعن متى يكتب سيرته؟ يجيبنا البحراوي إنه يعمل الأن على كتابة السيرة الذاتية الخاصة به، ولكن دون التقيد بالمراحل التاريخية، لذا هناك مراحل كثيرة مفقودة أعمل على إستعادتها مرة أخرى من خلال الكتابة وحريص عندما تخرج  تغطى كل مراحل العمر.

أما عن المشتركات التى جمعته ودكتورة أمينة، فيقول "بحراوي": فرنسا لم تكن مشتركا بينى وبين أمينة، فهى من ضمن العوائق فى بداية تواصلنا، لكن ارتباطنا جاء نتيجة للعمل الثورى والسياسي والأكاديمى، فى منتصف السبعينيات كنت أسمع عنها وتوجهها الفكرى وكنت معجب بها، عندما عادت من فرنسا كانت تجمعنا جلسات كل ثلاثاء فى بيت الأكاديمى عبد العزيز الأهوانى، وبدأنا نعمل مع بعض فى العديد من الأبحاث المشتركة حول البلاغة والعروض، سواء فى العربية والفرنسية، بالتالى بدأت تتطور العلاقة من زمالة وصداقة إلى حب  بالمعنى العميق للكلمة.

ويستطرد: طلب الزواج من أمينة، أخذ وقت طويل، واستمرت علاقة الحب بيننا أكثر من عام، وجاء ترددها لأسباب متعددة منها فارق السن والفارق الطبقي، ومنها الثقافة الفرنسية فهى فرانكفونية التعليم والهوى، وأنا ليس كذلك، قضت جزءا كبيرا من حياتها من فرنسا.

مضيفًا أن مبدأ الزواج مع الوقت أصبح مبدأ متفقا عليه، والذي عجل أن نعلن الزواج كان سجنها، ففي عام 1981 كانت هى فى السجن، وأنا مطرود من الجامعة، كان المناسب أن نكسر هذه الكآبة بشيء مفرح، وأخذت إذنا من إدارة السجن وخطبتها، وكان معي أخوها، لافتا إلى أن سيرتهما بعد الزواج كانت استمرارا لعالم ما قبل الزواج، عالمهما الذي تقابلا فيه.

ويردف: من حسن حظنا أننا اخترنا مجال عملنا، وهذا ما قادني إلى معرفة التراث العربي الحديث والمعاصر، كانت الجامعة تعطيك الإختيار فى أن تدرس ما تريده، كل ماجرى داخل اطار واحد، وليس هناك موانع إلا أخلاقية لم تدرس، يمكن لى أن أقول أن حياتى الشخصية لم تنفصل يوما عن حياتي الفكرية والثقافية، واختياراتى في الحياة، لكن هناك جانب كان مكبوت لدي هو الجانب الإبداعى، الكتابة القصصية والروائية، كتبت فى مرحلة الشباب روايات وقصص قصيرة يمكن الحكم عليها بالسذاجة، اهتمامى بالحث العلمى توقف مع آخر القرن الفائت، وفجأة وجدت نفسي أكسر كل القيود التى منعتنى أن أكتب، كل حياتى موجودة أمام البشر، هذه الصورة الابداعية، قد يراها البعض أضرت بالصورة الذهنية لدى القارئ عن سيد بحراوى، ولكن هذا أسعدنى.

ويشير إلى أن الجانب الإنسانى العميق بكل ما يحمله من تقلبات، كان مكبوتا لدى، وقد ظهر واضحا فى الكتابة الإبداعية رؤيتى, من يريد أن يعرف سيد بحراوى شموليا ليس فقط من خلال النقد ومواقفي السياسية،  لكن الإبداع له دور كبير،  فموقفي  مثلا عن الحب ستجده فى بيت الحب، وسيعرف  القارئ هذا جيدا، عندما يقرأ عن تجاربي فى الحب.  

عن والدته يروى "بحراوي"، كانت علاقة غير سوية  فقد  كان بدنها ضعيف، كانت المشاكل التى تواجهنى منذ الولادة ويرجع السبب الى بدن  والدتى الضعيف،  فقد  احتاجوا الى  من يرضعنى ومن حسن حظى كانت خالتى بديلة لى، فى نهاية المطاف كان هناك  نقص ما، ومايسمى بلاغيا بحنان الأم، كنت قد فقدته لأسباب مادية،  وهذا ترك اثره القوى فى حياتى، وفى علاقتى بقضايا المرأة من بعد.

جانب آخر عن المرأة ناتج عن علاقة والدتى بوالدى، كانت علاقته بها مليئة بالعنف وكان هذا مزعجًا بالنسبة لى، وكان عليّ أن أتضامن معها  فى مواجهته، ومشروع التضامن حين اكتشفت هذا بدأ يتقلص مع الوقت وتم استبداله بالصداقة والحب، مضيفًا: ما ورثته عن والدي هو الغيرة طبعا، بما أنها غريزة إنسانية، لكن غيرة والدى غير آدمية وقاسية جدا وتعلمت منها كيف أكون أكثر تفهما، أقل انسياقا للشكوك.

المرحلة الثالثة، وهي فترة المراهقة التي لم أعشها بشكل سوي، وذلك  لأسباب متعلقة بالوقت، والعمل فى الأرض وكان لدينا تجارة صغير والمذاكرة، أيضا كنت ابنا ذكرا وحيدا، كانت هناك قيود ناتجة عن الرعاية الزائدة.

عن أمينة والزواج، يقول دكتور سيد بحراوي إن أهلها لم يكن عندهم مشكلة، اصدقائها لم يكونوا موافقين على هذه الزيجة، وعلى هذا تحملنا أن نتمها ونتحمل نتائجها وفى منتهى الوعي.

تجارب الحب

يؤكد البحرواي أنه مع الوقت والزمن مفهومنا لمعنى الحب الحقيقي  يتغير، تكتشف ما كنت تتصور انه حب فى لحظة معينة، فالحب ليس له تعريف مانع وقاطع، لم أعش الحب العميق إلا داخل إطار الأسرة، لكن  هناك قصص لم تكتمل وهى كثيرة.

مواجهة وحش الموت، الصمود والمواجهة والاتساق مع طبيعة ومبادئ وقيم  بحراوى، يلفت اننى انسان ولا يوجد انسان  ليس لدية لحظات ضعف، ويعانى تلك اللحظات، عانيت كثير جدًا من الفقدانات، وكان البكاء شريك أساسي فيها، سهل جدًا  ان أتاثر وأبكى، ليست فى لحظات المرض، ولكن فى لحظات الفقد، كنت  اكثر ما اكرهه هو لحظات الضعف، ولكن مع الوقت تغيرت نظرتى الى  ذلك، بمعنى ان معايشة لحظة الضعف لابد أن تعيشها بما يليق بها من جلال وعظمة، إذا لم يعش الإنسان لحظات ضعفه كما ينبغى ويليق بها،  هذا شخص جاحد لنفسه وجاحد للطبيعة البشرية، ولا يتعلم، فلحظات الضعف الانسانى هى المعلم الأول  فلا حياة بدون ألم، مؤكدًا عشت حزن عميق فى مرحلة مرضها وسجلته برواية شجرة أمى، كان فقدَ خطير مما يتخيل، كان محتاح قوة كبيرة لأن أواجهه أو أخرج منه.

رسالتي وأمينة من باريس طلبتها مني الناشرة "كرم يوسف"  للنشر عبر دار الكتب خان، لكن لم يحدث جديد فى الأمر، الرسالة تحمل تصوراتي لباريس وتصورات أمينة كواحدة عاشت، مُحبة لفرنسا وما زالت، تحمل انطباعاتى عن الشوارع والناس، مضيفًا اننى اعيش فى باريس التناقضات انا وأمينة، كنت غريبا ووحيدا وغير قادرعلى التأقلم على الحياة فى هذا المجتمع البارد إلى حد كبير، كنت أحاول أنقل إلى أهلى بعض ما أعيشه، ولا أنكر الأشياء الايجابية التى عرفتها بباريس، عن الأصدقاء والتعلم.

تأتى أهمية الرسالة إلى أنها سرد للحياة داخل مجتمع آخر من خلال منظورين كلا بحكم تكوينه، من خلال منظورى الرافض للحياة فى هذا المجتمع الباريسي والذى أصفه بالبارد، ومن خلال منظور آخر نقيض لى تمامًا ومحبًا للحياة فى هذا المجتمع، وتشكل جزء أصيل من قافته وأفكاره. 

عن كرسي طه حسين، يقول "بحراوى"، إننى جلست على نفس الكرسي الذي شغله طه حسين، ولم أعرف من قبل ان هذا الكرسي الذي جلس عليه "العميد" بمكتبي بجامعة القاهرة كلية الأداب، فيما بعد عرفت الأمر فأجللت هذا المكان وهذه المكانة.

تركه لرئاسة قسم اللغة العربية بكلية الأداب، يقول "بحراوى": حدثت إشكاليات متعلقة بأن رئيس الجامعة وقتها بدأ يفرض علينا تعيين شخص فاسد بالقسم، وجميع أبناء القسم كانوا رافضين،  تزامن مع هذا الامر إننى نشرت أول عمل روائي ولاقى صدى جيد، ووجدت اننى فى حاجة لكثير من الوقت  للإبداع، مضيفًا كنت قد اتفقت مع زملائي الشباب بالقسم حين يكون لى دور بالتعيين، قلت لهم لابد أن نكون يد واحدة للتغيير والتطوير، ووعدونى أن نعمل معًا عمل جماعى لتحسين وضع القسم، لكن هذا الامر لم يتحقق، وكانت لدى دوافعى للإستقالة، فى هذا الإطار حدث خلاف بينى ودكتور شمس الدين الحجاجى، وهو كان مرحب بذلك الشخص الفاسد الذي رُشح من قبل رئيس الجامعة، وأغلبية زملائى بالقسم  كانوا رافضين، مؤكدًا لم يحدث أبدًا أن تم التحقيق معى قبل أن أُقدم على الاستقالة، وتركت القسم بإرادتى الحرة.

ماذا كسب بحراوي فى رحلته الطويلة؟!

 كسبت راحة الضمير أولا، وكثيرا من محبة الناس المتبادلة، وهذا بالنسبة لى يمثل كل شيء فى حياتى.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز