عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

"فيس بوك".. السلاح الخفي لتحريك الجماهير.. أسرار السيطرة على العالم

"فيس بوك".. السلاح الخفي لتحريك الجماهير.. أسرار السيطرة على العالم
"فيس بوك".. السلاح الخفي لتحريك الجماهير.. أسرار السيطرة على العالم

كتب - عبد الحليم حفينة

منذ ما يقرب من أربعة عشر عامًا، تجلت بوادر ثورة جامحة في عالم الفضاء الإلكتروني، لم ينتبه إليها أحد إلا بعد أن أصبحت جزءًا رئيسيًا من أحداث كبرى قادت العالم إلى تغيير جذري طال بنية الأنظمة السياسية الحاكمة في دول عدة، ففي يناير 2004 أطلق "مارك زوكربيرج" موقع "فيس بوك"، الذي لم يكن حينها سوى وسيلة للتواصل بين طلاب كلية "هارفارد كولدج" أقدم كليات جامعة "هارفارد"، وتطورت الفكرة إلى أن اتسعت دائرة قبول العضويات بالموقع، لتشمل أي شخص في العالم تجاوز عمره الثلاثة عشرة عامًا، الأمر الذي جعل عدد مستخدمي الموقع الأشهر بين مواقع التواصل الاجتماعي يصل إلى ملياري شخص، ما يقدر بربع تعداد سكان العالم؛ لتتيح كثافة التواصل هذه نفوذًا لـ" فيس بوك" أكثر من غيره من مواقع التواصل، حتى إنه أصبح أداة خفية للتأثير في الرأي العام، وقيادة الجماهير، ونحن بدورنا في هذا التقرير نرصد هذه الظاهرة، ونسلط الضوء على تأثير "فيس بوك" أو ربما استغلال هذا التأثير من قبل بعض الجهات للتدخل في شؤون الدول، عن طريق توجيه الرأي العام بها خلال الاستحقاقات الانتخابية.



 

 

 

كيف يحرك "فيس بوك" الجماهير؟!

في كتابه البديع "سيكلوجية الجماهير"، حدد الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي "جوستاف لوبون" عدة عوامل لتحريك الجماهير الانتخابية، وأهمها؛ "التوكيد، والتكرار، والهيبة، والشخصية، والعدوى"، وهذا بالضبط ما يمكن القيام به وتسويقه من خلال الأدوات التي يتيحها "فيس بوك"، فمن خلال الموقع، يمكن الترويج لمرشح ما، عن طريق رسائل وأخبار محددة، كما يمكن تقديم هذه الرسائل في شكل نص، أو صورة، أو عبر فيديو، وغيرها من الوسائل التي يتيحها الموقع، والأهم أنه يمكن الوصول لفئات عمرية بعينها في منطقة جغرافية معينة، ولها اهتمامات تتناسب مع الرسائل المستهدف بثها، كما يمكن تكثيف هذه الرسائل عن طريق الإعلانات المدفوعة التي يتيحها الموقع، فكلما زادات القيمة المالية المدفوعة، ارتفع عدد المستهدفين، ومن خلال ما سبق يمكن التأكيد على رسائل بعينها، لجمهور محدد، وتكرارها بكثافة، وتسويق شخص ما، ومع توافر سمات شخصية متواضعة، يمكن صناعة هيبة لهذا الشخص بأبسط المؤثرات التي تتيحها التكنولوجيا، وفي نهاية الأمر تنتشر عدوى المشاركات من خلال الأصدقاء ليراها عدد أكبر من المستخدمين، ويمكن لهذا كله أن يقود الجماهير بسهولة نحو انتخاب شخص معين، كما حدث مع الرئيس الأمريكي ترامب، أو التصويت على قرار بعينه؛ مثلما تم التصويت على انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي فيما يعرف بـ "البريكزيت"، ويحدث هذا السلوك التصويتي استنادًا لسمات نفسية عامة للجماهير، عددها "لوبون" أيضا في كتابه كالآتي: ضعف القابلية للتفكير العقلاني، انعدام الروح النقدية، النزق وسرعة الغضب، وأخيرًا السذاجة وسرعة التصديق، وهكذا أصبح "فيس بوك" ساحة للتوجيه السياسي بامتياز.

 

 

تحليل البيانات

تقع البناية رقم 55 بشارع "نيو إكسفورد" في العاصمة البريطانية لندن؛ حيث يوجد مقر شركة "كامبريدج أناليتيكا" الشهيرة والمتخصصة في استخراج وتحليل البيانات، وكذلك تحديد الفئات المستهدفة من الخطاب الإعلامي، الأمر الذي يقود إلى بناء استراتيجيات محكمة للحملات الانتخابية، وتعتمد استراتيجية عمل الشركة على ثلاثة محاور أساسية؛ المحور الأول، تحليل السلوكيات الخاصة بالمستخدمين، والذي يعتمد على معرفة اهتمامات المستخدم بالاعتماد على تفاعله على موقع "فيس بوك" ورصد تفضيلاته وإعجاباته التي يسجلها بشكل يومي، ويركز المحور الثاني على تحليل البيانات التي تم رصدها سابقًا، وتقسيم الجمهور لفئات يمكن استهداف كل فئة منها برسائل متنوعة توافق طبيعة شخصية كل مستخدم وتفضيلاته، أما المحور الثالث والأخير فيعتمد على توجيه إعلانات مدفوعة للجمهور، يمكن من خلالها توجيه الرأي العام نحو أي هدف تحدده حملات الدعاية.

 

 

ترامب والبريكزيت نموذجًا

في يونيو 2016 أعلنت حملة ترامب تعاقدها مع شركة "كامبريدج أناليتيكا" بناءً على اقتراح من جاريد كوشنر صهر ترامب، وبحسب مجلة "فوربس الأمريكية، فقد حصلت الشركة على مبلغ 7.7 مليون دولار نظير خدماتها التي قدمتها لحملة ترامب؛ حيث استخدمت الشركة من 40 إلى 50 ألف نوع من الإعلانات يوميًا لصالح حملة ترامب، وفي ديسمبر من العام الماضي خضع "أليكسندر نيكس"، الرئيس التنفيذي للشركة للتحقيق أمام اللجنة المعنية بالتحقيق في قضية "التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وتدافع الشركة عن نفسها بأنها دخلت السوق الأمريكية في عام 2014 أي بعد عام واحد من تأسيسها، وشاركت في عدة حملات انتخابية بدول مختلفة، كما أنها ليس لها أي علاقة بالروس، وليس لديها أي موظف روسي.

وُتشير تقارير إلى أن حملة الترويج لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، دفعت نحو 3.5 مليون جنيه استرليني لشركة كندية "أجريجاتيل كيو" للترويج للحملة، وفي وقت لاحق تم التحقق من وجود علاقة وساطة بين الشركة الكندية وشركة "كامبريدج أناليتيكا"، بعدما تم الكشف عن بيانات للشركة الكندية على موقعها الإلكتروني، وذلك وفقًا للجارديان البريطانية، وفي نهاية الأمر نجحت الحملة بالتصويت الإيجابي على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو من عام 2016 بنسبة 52% من الأصوات.

التدخل الروسي

بمعزل عن نشاط " كامبريدج أناليتيكا" المعلن، هناك اتهامات موجهة للروس بالتدخل في الانتخابات الأمريكية عام 2016، وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن مجمل ما أنفقه الروس لتوجيه الناخب الأمريكي يصل إلى 10 مليون دولار، وتضمنت المواد المروجة، قضايا تدعو للانقسام، مثل حقوق المثليين، والسيطرة على حمل السلاح، بالإضافة إلى تقرير أعدّته شركة "فيس بوك" للعرض على المحققين، يشير إلى أن الروس قد استخدموا ما يقرب من ثلاثة آلاف إعلان مدفوع، استهدفوا بهم نحو 126 مليون مواطن أمريكي، أي ما يقرب من نصف عدد المصوتين، بينما قالت شركة جوجل أنها رصدت نحو (4700 دولار) من الإعلانات ذات الصلة بالروس، وفي السياق نفسه اكتشف موقع "تويتر" 2752 حسابًا مرتبطًا بالنشطاء الروس، وفي الوقت الذي ينفي فيه الروس أي علاقة لهم بهذا الشأن، لازالت التحقيقات تجرى حول هذه القضية المعروفة إعلاميًا بـ "التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية".

 

 

إجراءات احترازية

تعرض موقع "فيس بوك" لانتقادات واسعة، على إثر اتهامات بتوجيه الجماهير بأخبار مضللة، مما استدعى اتخاذ إدارة الموقع، لإجراءات جديدة أعلنها مؤسس الموقع "مارك زوكربيرج"، ويعتبر أهمها، إعطاء الأولوية في الظهور للمحتوى الذي يتعلق بالعائلة والأصدقاء، بالإضافة إلى تقليص محتوى بث الأخبار من 5% إلى 4%، مع استخدام استطلاعات الرأي لتحديد وسائل الإعلام ذات المصداقية، مما يدفع بتقليل المحتوى الذي لا يحظى بثقة كافية.

وكإجراء احترازي ضد أي تدخلات أجنبية محتملة في السياسة الأمريكية، أطلق الموقع أداة جديدة تحمل اسم “Today In” للتأكد من صحة الأخبار المحلية داخل الولايات المتحدة، وقد لا تكفي كل هذه التدابير لوقف تحريك الجماهير، وربما سيقف العالم عاجزًا أمام ثورات العالم الافتراضي التي أصبحت لا تتوقف، لتطال موجاتها العاتية الجميع.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز