عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

60 عامًا على إعلان الوحدة.. هل انزوّت القومية العربية؟!

60 عامًا على إعلان الوحدة.. هل انزوّت القومية العربية؟!
60 عامًا على إعلان الوحدة.. هل انزوّت القومية العربية؟!

كتب - عبد الحليم حفينة

بإنهيار الخلافة العثمانية عام 1924 ُفتح الباب على مصراعيه أمام صراعات فكرية احتدمت بين التيارات السياسية الموجودة في الدول التي خضعت لسلطة الخلافة وقتذاك؛ فهناك من كان يدعو للقومية العربية، وآخرون رفعوا شعارات الدولة الوطنية، بينما إنبرى البعض في المطالبة بعودة الخلافة الإسلامية من جديد، لكن بعد الحرب العالمية الثانية كانت الكفة تميل نحو الدول القومية التي تعتمد على الهويات المتقاربة في بنية خطابها السياسي، لذا كان تأسيس جامعة الدول العربية خطوة مهمة  في مسيرة القومية العربية، ثم أتت ثورة يوليو لترفع لواء القومية العربية عاليًا، فظهرت في أفق السياسة بوادر وحدوية كانت ستغير في حينها شكل المنطقة العربية، بل وربما خريطة السياسة في العالم.



 

وحدة لم تَدُم

"أيها المواطنون أعضاء مجلس الأمة لقد كان الكفاح من أجل الوحدة هو بنفسه الكفاح من أجل القوة، من أجل الحياة ولقد كان التلازم بين القوة والوحدة أبرز معالم تاريخ أمتنا، فما من مرة تحققت الوحدة إلا وتبعتها القوة"

بهذه الكلمات الحماسية التي خطّها قلم محمد حسنين هيكل، أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الوحدة بين مصر وسوريا في خطاب مجلس الأمة الذي انعقد آنذاك لآخر مرة كمجلس "قطري"؛ ليصبح بعد الوحدة هناك مجلس أمة وحيد مقره القاهرة (عام 1960)، وفي ذات الجلسة التي ألقى فيها عبد الناصر خطابه تقرر استفتاء الشعبين المصري والسوري على الوحدة يوم 21 فبراير 1958؛ لتُعلن النتائج في اليوم التالي (22 فبراير) بالموافقة الشعبية على إعلان الجمهورية العربية المتحدة التي رئيسها جمال عبد الناصر بعد إستقالة الرئيس السوري شكري القوتلي، وعلى أن تلغى كل الوزارات الإقليمية ليكون هناك وزارة موحدة بالقاهرة، لتبدأ القومية العربية بذلك طورًا جديدًا من مراحل تمددها في تلك الآونة.

لم تمض الوحدة في طريقها دون عراقيل، فمشاكل سوريا الداخلية كانت إرثًا ثقيلًا لم يستطع عبد الناصر الذي لم يكن متحمسًا للوحدة أن يحمله، أضف إلى ذلك أن سياسة عبد الناصر لم يتقبلها بعض الساسة والعسكريين بسوريا، وفي 28 سبتمبر 1961 قاد عبد الكريم النحلاوي إنقلابًأ عسكريًا أنهى الوحدة بين مصر وسوريا.

 


 

الوحدة على استحياء

لم تكن تلك هي المحاولة الوحيدة للوحدة في إطار القومية العربية، بل سبقت الوحدة بين مصر وسوريا اتحاد بين المملكة الأردنية والمملكة العراقية، ففي 14 فبراير 1958 أًعلن "الاتحاد العربي الهاشمي"، والذي بدى حينها اتحادًا للملكتين تسعى لمواجهة الاتحاد المصري السوري الذي كان في طور التشكل، والمعروف عنه أنه يعادي الملكية ويطالب بتحرر الشعوب منها، ولم يكن الاتحاد العربي الهاشمي بذات القوة التي كانت للاتحاد المصري السوري فيما بعد، ففي 16  يوليو من العام ذاته أطاح به الإنقلاب الذي أسقط الملكية وأعلن الجمهورية في العراق، ليتم حل الاتحاد العربي الههاشمي بهذا الأمر.

لم تنتهِ محاولات الاندماج في تلك الحقبة بنهاية الوحدة المصرية السورية، ففي 2 ديسمبر 1969 التقى الرئيس جمال عبد الناصر، وجعفر النميري رئيس مجلس قيادة الثورة السورية، والعقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبيبة، في طرابلس، ووقعوا ميثاقًا لاتحاد الجمهوريات الثلاثة، وبوفاة جمال عبد الناصر خرجت السودان من الاتفاق، لتدخل سوريا الاتفاق بديلًا عنها، ويعلن ما عرف حينها "باتحاد الجمهوريات العربية" بين مصر وسوريا والعراق، ليكون الاتحاد تحت حكم دستور واحد، وعلم واحد، إجراء ثلاث استفتاءات متزامنة بشأن اتحاد الجمهوريات العربية يوم 1 سبتمبر 1971 في مصر، وليبيا، وسوريا. واعتمد الاقتراح باستفتتاء في مصر بنسبة 99.9%، وفي الاستفتاء الليبي وافق على المقترح 98.6% من المصوتين، بينما صوت في سوريا 96.4% لصالح الاتحاد، ولم يطبق الاتحاد بشكل عملي حتى سقوطه النهائي بسعي الرئيس السادات لعقد سلام مع إسرائيل.

وحدوية "حبرعلى ورق"

كان هناك مساعِ عديدة لعقد تحالفات وتجارب إندماجية جديدة أخرى لكن أغلبهها لم  يرَ النور بعد الإعلان عنها، كالوحدة الاندماجية التي سعى السادات والقذافي لاتمامها بين مصر وليبيا، لكن الاتفاق لم ينفذ بسبب توجس السادات في الأغلب من نوايا القذافي، وبقي الاتحاد حلمًا لم يخرج لأرض الواقع.

جرى اتفاق آخر في يناير من عام 1974 بين ليبيا وتونس والذي سمي "الجمهورية العربية الإسلامية" بعد اتفاق تم توقيعه بين القذافي والحبيب بورقيبة، ليتم بموجبه تنصيب بورقيبه رئيسًا للجمهورية والقذافي نائبًا له، على أن يكون عبد السلام جلمود رئيسًا للوزراء، ومحمد الصمودي نائبًا له، لكن الاتفاق لم يتم بعد تراجع بورقيبة عنه بعد يوم واحد من الإعلان عنه؛ خشية إنقلاب القذافي عليه، بسبب كونه المخول بالسيطرة على الجيش.

وعلى هذه الوتيرة فشلت محاولات أخرى متكررة مثل "الوحدة السورية العراقية" "والوحدة السورية الليبية" ولم ينجح بشكلٍ نسبي سوى "الاتحاد العربي الإفريقي" الذي ضم ليبيا والمغرب في بدايته عام 1984، ثم انضمت له تونس والجزائر وموريتانيا في عام 1989، ولا يزال الاتحاد قائمًا حتى الآن، وبموجبه يتم التنسيق بين هذه البلدان في كافة المجالات.

 

 

العولمة والقومية.. صراع لم ينتهِ

في عصر يبدو فيه الصراع محتدمًا بين العولمة والقومية، ففي الوقت الذي ذابت فيه الحدود أمام طوفان المعلومات، تحللت دول عديدة، وبدى تحلل القوميات يلوح في الأفق، ولم يقتصر الامر على العالم العربي وحده، فحتى الاتحاد الأوروبي بدأ يواجه هذا التحدي، فبريطانيا تخرج الآن من الاتحاد الأوروبي، حتى أن هناك نعرات إنفصالية داخل بريطانيا نفسها متمثلة في رغبة اسكوتلندا في الإنفصال، وكاتالونيا تطالب بالإستقلال عن إسبانيا إلى جانب إقليم "الباسك"، وفي الجانب الآخر أصبحنا نرى شعارات قومية في أمريكا بنجاح ترامب، وروسيا التي ضمت إقليم القرم تحت لواء نفس الشعارات.

 أما عالمنا العربي، فهو الأسوأ حالًا، فالقومية العربية لم تتتحلل وحدها، بل أن الدول الوطنية تتعرض للتفكك، فليست سوريا اليوم ببعيد عن هذا الخطر، والعراق مهددة بإنفصال الأكراد، والسودان سبقت الجميع بإنفصال الجنوب عنها، وليبيا الآن واقعة في ذات الفخ، وما تزال مساعي الدولة المصرية قائمة لانتشالها منه، ويبدو أن الحفاظ على وحدة واستقلال الدول الوطنية ضد شبح الإنقسام وخطر التشرذم بات الهدف الأسمى للدول العربية، بل لأغلب دول العالم.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز