عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

رسائل الأزهر للمشاركين في "حوار السلام"

رسائل الأزهر للمشاركين في "حوار السلام"
رسائل الأزهر للمشاركين في "حوار السلام"

كتب - السيد علي

وكيل الأزهر من فيينا:



التعددية الدينية والمذهبية إرادة إلهية وسنة كونية ولا ينبغي أن تكون سببًا للعداء أو الصراع

 القوى الداعمة للشر ستكتوي بنيرانه يومًا ما

 ما ينفق على الخراب والدمار والسلاح كفيل بحل مشاكل الجوع والفقر والمرض والجهل في العالم

منطقة الشرق الأوسط تحولت بفعل فاعل وخطط ممنهجة لمسرح كبير للصراعات والنزاعات وحقل تجارب وسوق رائجة للأسلحة المستحدثة

من الخطأ الشديد أن تعتقد دولة ما أنها يمكن أن تحيا بسلام على أنقاض دول أخرى وجثث متناثرة هنا وهناك

ألقى الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، الكلمة الافتتاحية في اليوم الثاني لمؤتمر "حوار السلام"، الذي بدأت فعالياته في العاصمة النمساوية "فيينا، بدعوة من مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار (كايسيد)، وبمشاركة قيادات دينية رفيعة المستوى في المنطقة العربية، حيث حملت كلمة وكيل الأزهر، والتي جاءت تحت عنوان (تعزيز التعايش السلمي والمواطنة المشتركة) عدة رسائل.

وفى بداية كلمته قال شومان، انقل لحضراتكم جميعًا تحيات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، وتمنياته لكم بالتوفيق والسداد لتحقيق ما تنشدونه من وراء هذا المؤتمر الموقر، والخروج بتوصيات عملية قابلة للتطبيق على الأرض، تدعم التعايش السلمي والمواطنة المشتركة، وتخفف من وطأة الاقتتال، بل تنهي النزاعات والحروب وما تخلفه من خراب ودمار في كثير من بلاد العالم، ولا سيما في منطقتنا العربية المنكوبة التي تحولت بفعل فاعلين لم يعودوا مجهولين إلى مسرح كبير للصراعات والنزاعات الدولية، وحقل تجارب وسوق رائجة لكل أنواع الأسلحة المستحدثة.

وأضاف وكيل الأزهر، إننا نحن أتباع الديانات الإبراهيمية نتفق جميعًا على أهمية السلام بين البشر، ونجرم كل صور الاعتداء على الإنسان مهما كان دينه أو موطنه، فما من جرم أعظم من قتل النفس البشرية التي هي بنيان الرب وصنعته، وديننا الإسلامي الحنيف يجعل قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعًا، يقول الله تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، وقد أرسل ربنا عز وجل رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - لمهمة سامية، تتجلى في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، وحدد له وسيلة دعوة الناس وهدايتهم، وهي الإقناع باللطف واللين، يقول عز وجل: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، ويقول سبحانه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).

وأشار شومان، أننا نحن المسلمين نؤمن أن التعدد الديني والاختلاف المذهبي إرادة إلهية وسنة كونية؛ حيث يقول ربنا عز وجل: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ). ولذا، فإن الاختلاف الديني لا ينبغي أن يكون سببًا للعداء أو الصراع بين أتباع الأديان، كما أن التعدد المذهبي بين أتباع الدين الواحد هو باب للتيسير على الناس وليس لإيقاع الشقاق والعداء، أو مدخلًا للنزاع والاقتتال في محاولة لفرض مذهب بعينه على الناس فرضًا.

وأكد وكيل الأزهر الشريف، إن الأزهر الشريف يؤمن إيمانًا تامًّا بأحقية كافة البشر في العيش بسلام وأمان مهما اختلفت ديانتهم وتعددت أعراقهم، وهو على يقين بإمكانية العمل المشترك في ظل اختلاف العقائد وتنوع الثقافات، انطلاقا من القيم الإنسانية المشتركة التي لا تختلف بين أتباع الديانات والثقافات. ولذا، فقد أنشأ الأزهر الشريف في عام ٢٠١١م (بيت العائلة المصرية) الذي يجمع الكنائس المصرية والأزهر الشريف في كيان وطني واحد يقع مقره في قلب مشيخة الأزهر، ويتناوب على رئاسته شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسية، وتتفرع عنه لجان للتعليم والإعلام والمرأة والشباب وغيرها. ونظرًا للنجاح الكبير الذي حققه (بيت العائلة المصرية) أنشأنا له عددًا من الفروع في كثير من محافظات الجمهورية، وندرس الآن إنشاء فروع أخرى في عدة دول ترغب في الاستفادة من تجربة (بيت العائلة المصرية) الذي تجاوزت إنجازاته المجتمع المصري بفضل الله وتوفيقه؛ حيث شارك في عدة أنشطة مهمة خارج الحدود المصرية، كان من أبرزها إرسال وفد إلى أفريقيا الوسطى تلبية لطلب من رئيستها السابقة، وقد وفق الله الوفد في إحداث مصالحة تاريخية بين الفرقاء هناك.

وأوضح شومان، أنه إيمانًا من الأزهر الشريف بإمكانية العمل المشترك بين أتباع الديانات المختلفة، بل أتباع الحضارات الإنسانية جميعًا، يقود شيخ الأزهر الشريف بنفسه حوارات فكرية راقية مع الكنائس الغربية والشرقية على السواء، ولا يخفى على متابع جولاته الخارجية التاريخية وزياراته لكنيسة كانتربري ومجلس الكنائس العالمي وحاضرة الفاتيكان وغيرها من الجولات والزيارات المثمرة، كما استقبل الأزهر الشريف وفودًا تمثل مختلف الديانات والثقافات، ونظم كثيرًا من الملتقيات وورش العمل دعا لها مركز الأزهر لحوار الأديان، ولعل أبرز هذه الزيارات هي زيارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان واستقبال شيخ الأزهر له في قلب مشيخة الأزهر، ومشاركته بكلمة مهمة في مؤتمر الأزهر للسلام الذي نظمه الأزهر الشريف العام الماضي، كل ذلك في إطار حرص الأزهر الشريف على إرساء مبادئ العيش المشترك وقبول الآخر، وتعزيز ثقافة الحوار، وترسيخ قيم المواطنة والتعايش السلمي والتعددية الفكرية، ولعل المتابع لمؤتمرات الأزهر الشريف المحلية والعالمية يلحظ حضورًا مكثفًا للإخوة المسيحيين من مختلف الكنائس الشرقية والغربية.

وتابع وكيل الأزهر، إن ما أنفق وينفق على شراء السلاح وإعداد الخطط الممنهجة للخراب والدمار في منطقتنا العربية فقط - وليس في كل أرجاء المعمورة - لكفيل بحل مشاكل الجوع والفقر والمرض والجهل، تلك المشاكل التي يعاني منها ما لا يحصى من البشر، فضلًا عن حاجة عالمنا إلى أضعاف ما ينفق على التدمير والخراب لإعادة البناء والإعمار إن هي توقفت آلات التدمير تلك.

ولفت وكيل الأزهر، أنه من العجب أن تعتقد قوة ما أو دولة ما أنها يمكن أن تحيا بسلام على أنقاض دول أخرى، وعلى جثث الأطفال والشيوخ والنساء المتناثرة هنا وهناك، غير مدركة أن الأجيال الناشئة ستشب محملة بكراهية كافية للنيل من أعتى القوى، ومغذاة بروح الثأر وشهوة الانتقام الكفيلة بتنغيص حياة ظنت هذه القوى يومًا أنها ستكون هادئة.

واختتم شومان كلمته بتوجيه بعض الرسائل المهمة لتعزيز التعايش السلمي والمواطنة المشتركة، منها:

أولًا: ضرورة الإيمان بالتعددية الفكرية، والبعد عن سياسة إقصاء الآخر أو التضييق عليه، ولعل وثيقة الأزهر الشريف للحريات العامة الصادرة عام 2012م، ومنها حرية المعتقد، تكون نموذجًا يحتذى به في هذا الإطار.

ثانيًا، ضرورة توقف القوى الساعية للهيمنة والسيطرة عن استغلال التنوع الديني والمذهبي والعرقي كسلاح فكري داعم بل موازٍ لأسلحتها العسكرية المدمرة، ولتعلم هذه القوى أن القهر والظلم وفرض الوصاية على الدول والشعوب لا يولد سلامًا ولا استقرارًا، ولتدرك القوى المتغطرسة في العالم أنها ستكوى بنيران ما صنعت يومًا.

ثالثًا،  من المهم أن يطلع الباحثون عن تعزيز السلم ودعم العيش المشترك على تجربة (بيت العائلة المصرية)، والاستفادة من أنشطته وبرامجه، ولا سيما في الدول متعددة الديانات والثقافات.

رابعًا، على الدول الكبرى أن تثبت بأفعالها أنها كذلك حقًّا، فتكون أداة لإطفاء نيران الإرهاب والاقتتال والخراب والدمار وخاصة في منطقتنا العربية المنكوبة، وليس داعمة - ولو بسكوتها وتجاهلها على الأقل - لما يمكنها القضاء عليه في ساعات إن هي أرادت!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز