عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

الدماء الطاهرة التي روّت أرض الفيروز

الدماء الطاهرة التي روّت أرض الفيروز
الدماء الطاهرة التي روّت أرض الفيروز

كتب - عبد الحليم حفينة

لو يُقَتلون مثلما قتلت



لو يعرفون أن يموتوا.. مثلما فعلت

لو مدمنوا الكلام فى بلادنا

قد بذلوا نصف الذى بذلت

لو أنهم من خلف طاولاتهم

قد خرجوا.. كما خرجت أنت..

واحترقوا فى لهب المجد، كما احترقت

لم يسقط المسيح مذبوحاً على تراب الناصرة

ولا استُبيحت تغلبٌ

وانكسرَ المناذرةُ..

لو قرأوا - يا سيدى القائد - ما كتبت

لكنَّ من عرفتهم

ظلوا على الحال الذى عرفت

 

 

 

بهذه الأبيات سجل نزار قباني بطولة المحارب الفذّ عبد المنعم رياض، قيم النبل والتضحية والفداء التي جسدها عبد المنعم رياض وامثاله من الشهداء وما اكثرهم واعظمهم تستحق أكثر من كل ما قيل وسيقال.

عبدالمنعم رياض وقف في مقدمة جنوده؛ داعمًا لكل معاني الشجاعة والبطولة؛ فهو من قال يومًا "كن دائما بين جنودك فى السلم ومعهم فى الصفوف الأمامية فى الحرب"، فصار يوم استشهاده على أرض سيناء عيدًا للشهداء، وفوق هذه الأرض التي طبع الأنبياء أقدامهم في رحلتهم المقدسة نحو الحق والعدل والحرية، يستكمل  اليوم الشهيد المنسي ورفاق جيله مسيرة قائدهم على درب الحق من أجل تطهير أرض الفيروز من كل يدٍ تعبث بأمن الوطن. 

 

 

 

وسام الجدارة الذهبي

عرفت مصر قادة عسكريين عظام عبر تاريخها الممتد من بداية التاريخ حتى عصرنا هذا، ويعد عبد المنعم رياض أحد أهم هؤلاء القادة العظام، الذي جاء من عمق دلتا مصر؛ حيث ولد بقرية سبرباي بضواحي مدينة طنطا، محافظة بالغربية في 22 أكتوبر 1919، ودرس في كتاب القرية، تدرج في مراحل التعليم، وبعد حصوله على الثانوية التحق بكلية الطب بناء على رغبة أسرته، وبعد عامين فضل الالتحاق بالكلية الحربية، ليتخرج منها في 1938.

في  1941 ُعين في سلاح المدفعية، وألحق بإحدى البطاريات المضادة للطائرات في المنطقة الغربية؛ حيث اشترك في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا وإيطاليا، وقد وال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية في 1944، ثم أتم دراسته بامتياز في إنجلترا كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بين عامى 1945 و1946 وشارك في الحرب العالمية الثانية، وخلال عامي  1947 - 1948 عمل في إدارة العمليات والخطط في القاهرة، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين، وُمنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية التي ظهرت آنذاك ومن 1954 إلى 1958 تولى قيادة الدفاع المضاد للطائرات في سلاح المدفعية، ول يترقى في مناصبه إلى أن تم تعيينه في عام 1964عين رئيسا لأركان القيادة العربية الموحدة، ورقي في عام 1966  إلى رتبة فريقوفي مايو 1967 ُعين الفريق قائدًا لمركز القيادة المتقدم في عمان.

 

بطولات الاستنزاف

 

 

عد هزيمة يونيو المؤلمة، تم إعادة ترتيب صفوف الجيش المصري، ليتم تعيين الفريق عبد المنعم رياض رئيسًا لأركان القوات المسلحة المصريى في 11 يونيو 1967، فبدأ مع الفريق محمد فوزي وزير الحربية حينها والقائد العام للقوات المسلحة، إعادة بناء وترتيب الجيش، والتجهيز لمعركة الإستنزاف، حقق الفريق انتصارات عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف مثل معركة رأس العش التي منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بور فؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس وذلك في آخر يونيو 1967 ، وتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامي 1967  و 1968 وتدمير 60% من تحصينات خط برليف الذي تحول من خط دفاعي إلى مجرد إنذار مبكر

ومن أهم إنجازات الفريق عبدد المنعم رياض، تصميم الخطة (200) الحربية التي كانت الأصل في الخطة (جرانيت) التي ُطُورت بعد ذلك لتصبح خطة العمليات في حرب أكتوبر تحت مسمى (بدر).

 

يوم الاستشهاد 

 

 

"لا تسرع في قرارتك وحينما تقرر لا تتراجع أو تتردد، وكن بين جنودك في أحلك الظروف ولايرون منك علامات القلق والارتباك" .

قول مأثور للفريق عبد المنعم رياض ، وصدقً في كل ما قاله، والمصادفة التي توافق كلماته المأثورة عن ضرورة أن يكون القائد بين جنود في الحرب والسلم، أنه كان يوم استشهاد على الجبهة بين جنوده، وكان يوم السبت 8 مارس  موعد تنفيذ خطة تدمير خط بارليف التي وضعها الفريق عبد المنعم رياض، وفي التوقيت المحدد فتح القوات المصرية نيرانهاعلى العدو لتكبده خسائر كبيرة، وكان تنفيذ العملية تحت إشراف الفريق.

 

 

 في اليوم التالي قرر أن يذهب للجبهة لحضور العملية بنفسه، وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدمًا من خطوط العدو، والتي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترًا، ووقع اختياره على الموقع رقم 6 وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو في اليوم السابق، وشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة الفريق، حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده، واستمرت المعركة التي كان يقودها الفريق بنفسه حوالي ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التي كان يقود المعركة منها، ونتيجة للشظايا القاتلة توفي عبد المنعم رياض بعد 32 عاما قضاها  ضابطًا عاملًا في الجيش الجيش المصري؛ ليخلد باستشهاده ذكرى مفعمة بالنبل والشجاعة، والإنتصار حتى بعد أن أسره الموت، وقد وصف نزار قباني المشهد الأخير في نهاية قصيدته، فقال:

يا أشرفَ القتلى، على أجفاننا أزهرت

الخطوة الأولى إلى تحريرنا

أنتَ بها بدأت..

يا أيها الغارق فى دمائه

جميعهم قد كذبوا.. وأنت قد صدقت..

جميعهم قد هُزموا

ووحدكَ انتَصَرت

 

ورتة البطولة 

 

 

يخطئ  من يظن أن البطولة إنطفأت في صدور أبناء مصر، فالأزمات والمحن دائمًا ما تبرهن على معدن هذه الأمة وجلدها، ولنا في بطولات أبناءنا في سيناء البرهان، فعلى أرض الفيروز ُيبرز جنود مصر إرث قادتهم العظام، فهم رجالٌ عاهدوا الله على تطهير أرض سيناء من المجرمين الذين يتاجرون بالدين، ويقتلون الأبرياء.. وفي ظل الحرب المستعرة تجد هؤلاء الرجال أصحاب البأس والشدة مع المجرمين لهم من المآثر في حياتهم التي تطفي عليهم صفات ملائكية، وليس الشهيد العقيد أحمد المنسي قائد الكتيبة 103 صاعقة عنا ببعيد، أو المجند الشهيد محمد أيمن الذي احتضن إرهابي يحمل حزام ناسف فأنقذ 8 من زملائه، و الشهيد المقدم شريف محمد عمر الذي رفض أن يطلق النار على سيدتين كانتا تراقبا المداهمة ففجروا عبوة ناسفة فور دخوله المنزل، ويستكمل الشهيد العقيد أحمد الدرديري البطولات، فقد طلب نقله للمشاركة في العمليات بسيناء رغم عمله بالكلية الحربية، وإستشهد وهو يحمي ظهر جنوده عند اقتحام الإرهابيين لأحد الكمائن الشيخ زويد.

وحتى كتابة هذه السطور يواجه رجال مصر عصابات إرهابية خسيسة، لم تتورع يومًا عن  الغدر والخيانة وإنتهاك كل المقدسات، لكن هيهات هيهات فأبناء مصر الأوفياء لا يهابون الموت، وكل مبتغاهم الاستشهاد في سبيل الوطن وحفظ أمنه وسلامته.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز