عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

قرن من العداء الروسي البريطاني.. من راسبوتين إلى سكريبال

قرن من العداء الروسي البريطاني.. من راسبوتين إلى سكريبال
قرن من العداء الروسي البريطاني.. من راسبوتين إلى سكريبال

كتب - عبد الحليم حفينة

في ظهر يوم الأحد الموافق  4 مارس من الشهر الجاري، وعلى مقعد في مركز ماليتنجز بمدينة ساليسبري بمقاطعة ويلتشير غرب بريطانيا عُثر على رجل في الستينيات من عمره وبجواره امرأة ثلاثينية، وهما فاقدان للوعي، تم نقلهما على الفور إلى مستشفى المدينة وهما في حالة حرجة، لم يكن هذا الرجل سوى الجاسوس الروسي سيرجي سكريبال وابنته يوليا.



 

سكريبال صاحب الـ 66 عامًا، والذي يعيش في بريطانيا منذ عام 2010، كان جزء من صفقة تبادل  للجواسيس بين بريطانيا وروسيا؛ حيث تم محاكمته في عام 2006، وُحكم عليه بالسجن لمدة 13 عامًا لإدانته بالخيانة بسبب تسليم المخابرات البريطانية  ( MI6) وحصوله على 100 ألف دولار في المقابل، حين كان يعمل ضابطًا برتبة عقيد بالجيش الروسي.

 

 

العداء يشتعل

 

أعادت محاولة إغتيال سكريبال قضية العداء الروسي البريطاني إلى واجهة الملفات المشتعلة في العالم؛ خاصةً وكل أصابع الإتهام تشير إلى الدور الروسي في محاولة الإغتيال التي ُأستخدم فيها مادة الفنتانيل وهي مادة أفيونية صناعية أقوى من الهيروين، وتكفي جرعات غيرة منها للقتل، الأمر الذي اعتبرته بريطانيا تعدي على سيادتها، واتخذتت إجراءات تصعيدية غير مسبوقة.

 

وبحسب (إذاعة بي بي سي)، فقد طردت بريطانيا 23 دبلوماسيًا روسيًا، كما قامت بتعليق الاتصالات الثنائية عالية المستوى، وأعلنت مقاطعة الوزراء والأسرة المالكة لحضور مباريات كأس العالم، إضافة إلى تجميد بعض  أصول الدولة الروسي، في المقابل نفى الروس  تورط بلادهم في الحادث، واتهم مسؤولون روس بريطانيا بمحاولة استفزاز روسيا قُبيل انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها يوم 18 مارس القادم.

 

 

 

اغتيال ليتفينينكو

 

ولم يكن هذا هو الحادث الأول من نوعه في تاريخ العلاقات الروسية البريطانية، ففي عام 2006 قُتل ليتفينينكو الضابط السابق لدى الاستخبارات الروسية في لندن،  عندما شرب شاي به مادة البولونيوم المشع, وتسبب هذا الحادث في فضيحة دولية كبيرة، أحدثت قطيعة بين بريطانيا وروسيا، وبحسب الجارديان، فقد أثبتت تحقيقات في بريطانيا خلال عامي 2015 و2016 تورط روسيا في عملية إغتيال ليتفينينكو، وتوجهت الاتهامات إلى ضابطين روسيين هما إندري لوجوفوي، وديمتري كوفتون؛ حيث يشتبه بقيامهما بهذه العملية، وأشارت لجنة التحقيق أيضًا إلى إحتمالية موافقة الرئيس بوتين على العملية، إلى جانب موافقة رئيس جهاز الأمن الفيدرالي آنذاك نيكولاي باتروشيف.

 

وفي ذات السياق قال أليكس جولدفارب، صديق ليتفننكو الذي ساعده على الهروب من روسيا عام 2000 ، "إن قضية سكريبال توحي بوجود مؤامرة روسية"، وأضاف جولدفارب: "روسيا دولة قومية؛ حيث تصور الدعاية التي تبثها الدولة بريطانيا على أنها العدو ، وتصور أمثال سكريبال على أنهم خونة".

 

ماضٍ بريطاني مُلوث

 

قد تُمثل هذه القصص إدانة واضحة للروس، إن صدقت صحة اتهامات البريطانيين، لكن في عالم السياسية وفي أزمنة الحروب والصراعات، الجميع يتورط في أعمال قد تخالف القيم الأخلاقية قبل الأعراف الدبلوماسية، وهذا ما سنتدعيه من أرشيف الحرب العالمية الأولى، حين كانت بريطانيا ُمتحالفة مع روسيا القيصرية وفرنسا في مواجهة الأمبراطورية الألمانية، والدولة العثمانية والمملكة النمساوية المجرية ومملكة بلغاريا، وبرغم التحالف الذي جمع المملكة المتحدة مع الإمبراطورية الروسية، إلا أن الروس لم يسلموا من تآمر حلفائهم الإنجليز.

 

فمؤخرًا نُشرت تقارير تدعم الرواية التي تحدثت عن مساعي بريطانية نحو إجهاض أي محاولة لعقد إتفاق  سلام قد يلوح في الأفق  بين روسيا القيصرية والإمبراطورية الألمانية، وبالطبع كان الهدف من وراء هذا المسعى إستمرار التحالف مع روسيا الذي يضمن إنخراط الألمان في القتال بالجبهة الشرقية وبالتالي تخفيف وطأة الحرب على الجبهة الغربية، وربما يكون هذا هو الدافع الأكثر منطقية نحو إقدام الاستخبارات البريطانية (MI6) على تصفية أقوى شخصية نافذة في روسيا القيصرية آنذاك.

 

 

راسبوتين داعية سلام

 

ارتبط اسم الراهب السيبيري جريجوري راسبوتين بأساطير وقصص  مثيرة، كانت في أغلبها تدور حول فسقه وعلاقاته النسائية، وأصبحت سحابة الشائعات ُترافقه أكثر من أي وقتٍ مضى، مع صعوده إلى هرم النخبة الروسية، بقربه من القيصر نيقولا الثاني وزوجته ألكساندرا، بعد أن تمكَّن من علاج ابنهما الوحيد "أليكسيس".

 

 وبتطور الحرب العالمية الأولى ومع هزيمة الجيوش الروسية واجتياح وارسو قام القيصر بتنحية عمه نيقولا الأكبر من قيادة الجيش وتولى بنفسه قيادة المعارك؛ وتوجّه إلى الخطوط الأمامية وترك السلطة بيد الامبراطور، وأوكل  إدارة الإمبراطورية لزوجته ألكساندرا، التي كانت قد عينت راسبوتين مستشارًا لها، الأمر الذي جعل السلطة في روسيا القيصرية أقرب إلى يد راسبوتين الذي توسع نفوذه شكل غير مسبوق.

 

 كان راسبوتين يميل إلى عدم تورط روسيا القيصرية في الحرب، وظل يتشفع لدى القيصر كي لا يتورّط في صراع عام 1913م مع العثمانيين في البلقان، أما الأمراء الأرستقراطيون المتعصّبون فقد ظلّوا يلحّون على قيام روسيا بمساعدة الأرثوذكس، وقد نصح راسبوتين القيصر بأن الدخول في الحرب سوف يعني نهاية حكم أسرة رومانوف، وأن روسيا سوف تعاني منها، ولكن بالطبع الضغوط الداخلية لم تترك للقيصر أي خيار سوى الحرب.

 

لم ييأس راسبوتين من نصيحة القيصر بالإنسحاب من الحرب، ففي صيف سنة 1914م، كتب راسبوتين رسالة إلى القيصر نيقولا الثاني جاء فيها :

 

"مرة أخرى أقول: هناك غمامة عاصفة مريعة تسري في سماء روسيا، أرى كارثة، ظلاماً، حزناًً، ولا ضياء، إنه بحر من الدموع والدماء، ماذا أقول ؟! لا أجد كلمات تصف ذلك الرعب، جميعهم يريدون منك الاندفاع نحو الحرب، لكنهم لا يعلمون أن الدمار ينتظر".

 

اغتيال راسبوتين

 

بالطبع إرادة راسبوتين نحو إنهاء الحرب كانت تواجهها معارضة شرسة من بعض الأمراء الذين دفعوا القيصر إلى القتال، لكن لم يكن الأمراء وحدهم من يعارضون إنسحاب روسيا من الحرب، بل كان على الجبهة الغربية الإنجليز الذين يخشون خروج الروس من الحرب، وكان يقف راسبوتين يقف أمام إرادة الروس والإنجليز منفردًا.

 

قالت صحيفة التايمز البريطانية في تقرير لها في السابع من يناير العام الماضي، أن لغز مقتل راسبوتين لن يتم حله مطلقًا إلا إذا فتح (MI6) ملفاته، وسبق هذه الرواية التي ساقتها التايمز عن مقتل راسبوتين عدة تقارير أخرى وأفلام وثائقية أشارت إلى تورط بريطانية في عملية الاغتيال.

 

ووفقًا للرواية التي تدعم قصة إغتيال الإنجليز للراهب السيبيري، فإن الأمير  الأرستقراطي فيليكس يوسوبوف، والذي تلقى تعليمه في أكسفورد وتزوج ابنة أخت القيصر، قد ساعد في إغتيال المخابرات البريطانية لراسبوتين من أجل إبقاء روسيا في ساحات القتال.

 

وُتشير التايمز إلى أن المشتبه به الرئيسي في جريمة القتل هو الملازم أوزوالد رينر، وهو ضابط (MI6) كان يبلغ من العمر 28 عامًا وصديقًا ُمقربًا من "فيليكس يوسوبوف"، وتشير رسالة أخرى لضابط آخر من (MI6) هو ستيفن آلي، إلى مشاركة بريطانية في عملية الإغتيال، وقد قال في راسالته على الرغمن من أن الأمور لم تنته بالكامل أن هدفنا تحقق بوضوح، وقد كان هناك رد فعل قوي على مقتل "قوى الظلام" (في إشارة إلى راسبوتين).

 

وفي ليلة السادس عشر من ديسمبر عام 1916م دعا يوسوبوف راسبوتين إلى قصر مويكا بحجة أن إيرينا التي يشاع عنها أنها أجمل امرأة في سان بطرسبرج تريد مقابلته، وقبل راسبوتين الدعوة، وأثناء السهرة أطلق النار على راسبوتين بعد أن فشلت عملية تسميمه، وبعد أن ُقتل ُحملت جثته وُألقي بها في نهر نيفيا المتجمد، وقد أثبتت الأدلة الجنائية أن الطلقة الأخيرة لرأس راسبوتين أتت من مسدس أطلق رصاصة غير مغلفة من مسافة قريبة، وهو  من نوع ويبلي 455 البريطاني، وهو النوع الذي يفضله على الأرجح راينر ضابط (MI6).

 

كان لمقتل الراهب الروسي  الشهير جريجوي راسبوتين أثر بالغ على ما آلت إليه الاوضاع السياسية في الفترة التي تبعت وفاته، من إندلاع الثورة البلشفية إلى هزيمة روسيا، لكن يبقى التساؤال الأهم، هل تناسى الروس جريمة الإنجليز، أما أنا تصاعد العداء الذي نراه الآن وإغتيال الروس لجواسيس (MI6) يكمن خلفه ثأر تاريخي؟!

 
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز