عاجل
الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

عهدة رئاسية أخيرة لـ"بوتين".. وأجواء الحرب الباردة

عهدة رئاسية أخيرة لـ"بوتين".. وأجواء الحرب الباردة
عهدة رئاسية أخيرة لـ"بوتين".. وأجواء الحرب الباردة

كتب - عبد الحليم حفينة

تستمر قبضة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الإحكام على مقاليد السلطة في الدولة الأكبر مساحة في العالم، والتي تتنامى أيضًا قوة نفوذها الخارجي، فقد حقق بوتين فوزًا ساحقًا في الانتخابات الرئاسية الروسية الأخيرة؛ حيث تفوق بنسبة 76.6%، وبنسبة مشاركة وصلت إلى 67.47% ممن لهم حق التوصيت.



في حين حصل بافيل جرودينين مرشح الحزب الشيوعي على 11.8%، وهو الرقم الأكبر من بين نسب التصويت  للمنافسين السبعة لـ"بوتين".

وفي خطاب ألقاه في وقت متأخر من ليل الأحد قرب الميدان الأحمر وسط هتافات التأييد، قال الرئيس بوتين "إنه يفسر الفوز على أنه تصويت بالثقة فيما حققه في السنوات القليلة الماضية في ظل ظروف عصيبة وقاسية". مشددا أمام أنصاره على ضرورة التمسك بهذه الوحدة.

 وبهذا الفوز تصل هيمنة بوتين على السلطة في روسيا إلى ما يقرب من ربع قرن؛ حيث بدأ حكمه لروسيا بتقلده منصب رئيس الوزراء عام 1999، وتنتهي العهدة الرئاسية الجديدة عام 2024، وهي أطول فترة حكم منذ عهد الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، وقد تعهد بوتين بأن يعزز من الإجراءات الدفاعية تجاه عداء الغرب خلال الفترة الرئاسية الجديدة، بالإضافة إلى رفع مستوى المعيشة.

وبينما يغرق أعداء بوتين في الأضطرابات، وعلى رأسها أزمة خروج بريطانيا من الأتحاد الأوروبي، والتصدعات التي تصيب إدارة ترامب، يستعد الرئيس الروسي لمجابهة التحديدات التي تواجه بلاده خلال ولايته الجديدة، ومن أهمها ملف صراعه مع الغرب، وحماية المصالح  الروسية في الشرق الأوسط، إضافة إلى ترويض دول الإتحاد السوفيتي السابق وإعادتهم إلى الحظيرة الروسية، ناهيك عن نظرته للداخل الروسي، ورؤيته الغامضة لمستقبل روسيا ما بعد بوتين.

 

حرب باردة جديدة

وصلت العلاقات بين روسيا والغرب إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق منذ إنهيار الاتحاد السوفيتي قبل 26 عامًا، ومع رغبة أوروبا وأمريكا للتمدد شرقًًا بضم أوكرانيا وجورجيا لحلف الناتو في ظل معارضة روسية قوية؛ بدأ التوتر يتصاعد في هذه النقطة من العالم، بداية من التدخل الروسي في جورجيا عام 2008، وصولًا لحرب السيطرة على أوكرانيا التي دائمًا ما تكون واجهة الصراع بين القوتين، ولايزال الصراع دائر في أوكرانيا بين حكومة يدعمها الغرب، ومعارضة تمنحها روسيا القوة والنفوذ.

 وتعتبر السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم أكبر إنتصار يحققه الروس على الغرب منذ زمن الحرب الباردة، وربما تكون هذه خطوة من الروس نحو إختراق الكتلة السوفيتية داخل الاتحاد الأوروبي من المجر وبولندا إلى الجمهورية التشيكية وسلوفاكيا؛ حيث تبدي هذه الدول توجهًا نحو موسكو أكثر علانية عن ذي قبل.

في الآونة الأخيرة شهدت العلاقات الدبلوماسية الروسية البريطانية توترًا كبيرًا، في أعقاب محاولة إغتيال الجاسوس الروسي سيرجي سكريبال ببريطانيا، الأمر الذي اعتبرته لندن تعديًا على سيادتها، وقامت بإجراءات عقابية تجاه موسكو شملت طرد 23 دبلومسيًا روسيًا، وتجميد  بعض أصول الدولة الروسية، ما أستدعى موسكو لطرد 23 دبلوماسيا بريطانيا أيضًا، وتمثل هذه الأزمة الجديدة وجهًا من أوجه الصراع الذي يشبه بعض المحللين أجواءه بأجواء الحرب الباردة.

وبرغم العلاقة الودية التي تجمع ترامب وبوتين، إلا أن العلاقات بين البلدين تشهد توترًا ملحوظًا، خاصةً بعد التحقيقات في مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016؛ الأمر الذي يقلل من فرص ظهور بوادر تفاهم بين واشنطن وموسكو خلال ولاية بوتين الرئاسية الجديدة.

ويعتمد بوتين في شعبيته داخل المجتمع الروسي الذي تحرك مشاعره الوطنية بواعث قومية متأصلة فيه، على الخطاب المعادي  للغرب العدو التقليدي للروس؛ وقد إدعى بوتين قبل عدة أسابيع وأثناء حملته الدعائية أن بلاده قامت بتطوير أسلحة نووية جديدة، يمكنه أن تتهرب من الدفاعات الصاروخية، ما يمثل رسالة لشعبه وللغرب، بأنه الرجل القوي الذي يحكم روسيا، ويقودها في حربها مع الغرب.

 

بوتين والشرق الأوسط

يسعى الرئيس الروسى لإستعادة إرث نفوذ الإتحاد السوفيتي بالشرق الأوسط، بعد أعوام من تقلص الدور الروسي، ومثل العام 2005 بداية عودة توجه الروس  نحو  الشرق الأوسط، فقد قام بوتين في هذا العام بزيارة مصر وسوريا والسعودية وإسرائيل والأردن وقطر وتركيا وإيران والامارات العربية المتحدة، كما حصدت روسيا دور المراقب في مجلس التعاون الاسلامي، وقد تزامنت تلك الزيارات مع تزايد النفوذ الروسي في المفاوضات الاقليمية، بما في ذلك عملية السلام بالشرق الأوسط، ومفاوضات مجموعة 5+1 مع إيران، والسعي لتحقيق المصالح الاقتصادية والتجارية الروسية.

ويمثل التدخل العسكري الروسي الأخير في الصراع الدائر على الأراضى السورية رسالة قوية إلى الغرب، بان الدور الروسي أصبح أقوى من أي وقت مضى في المنطقة، وأنه يجب على الجميع إحترام هذا الواقع الجديد، وبمساعدة الروس إستطاع النظام السوري على دحر العديد من التنظيمات الإرهابية بما فيها بعض التنظيمات التي يشتبه بتمويل الغرب لها.

و بإمكان بوتين أن يلعب دورًا جديدًا قد يعمق من نفوذه في الشرق الاوسط، ويجعل من قوته العسكرية أداة لإنهاء الصراعات بالتدخل العسكري في ليبيا التي أنهكها الصراع بعد تدخل الغرب فيها، وتركها في فوضى تديرها التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى وجود مصالح نفطية لروسيا بليبيا.

 

الداخل الروسي ومستقبل بوتين

لطالما كانت روسيا بحاجة إلى إصلاحات اقتصادية ترفع من مستوى المعيشة، وربما هذا ما يأمله الروس في ظل عهدة رئاسية هي الاخيرة للرئيس بوتين، لكن بوتين قال لناخبيه أن التغيير الجذري أمر خطير، وأن حماية البلاد من التهديدات لها الأسبقية على تحسين مستوى المعيشة اليومي.

وفي ذات السياق يتوقع خبراء أن يقود بوتين بعض الإصلاحات التي ستؤدي إلى إنخفاض أسعار الإسكان ومحاربة الفساد في الداخل، لكنهم أشاروا إلى  أن من غير المرجح إصلاح نظام التقاعد الذي لا يحظى بشعبية بين كتلة بوتين التصويتية، بالإضافة إلى خفض الإنفاق العسكري.

وبحسب أسوشيتد بريس فإن روسيا قد تمكنت من الإفلات من ركود اقتصادي استمر لعامين، وأنخفض مؤشرا التضخم والعجز، لكن في نفس الوقت معدل الدخل منخفض، والخدمة الصحية في تدهور، بالإضافة إلى إنتشار الفساد.

وعندما سأل أحد الصحفيين بوتين في مؤتمر صحفي عقب إعلان فوزه أمس الأحد، إذا ما كان يسعى للاستمرار في السلطة حتى عام 2030، فأجاب بوتين الذي يبلغ من العمر 65 عامًا "إنه أمر سخيف، هل تظن أنني سأجلس هنا حتى أصل إلى 100 عام"

وبرغم إجابة بوتين التي تنفي ضمنيًا الإستمرار في السلطة، يبقى مسقبل الرجل هو الأمر الأكثر غموضًا؛ حيث من المفترض أن تنتهي عهدته الرئاسية عام 2024، ولا أحد يعلم هل سيختفي الرجل القوي لينزوي في  الظل بهذه البساطة، أم أنه سيعيد إنتاج نموذج ديميتري ميدفيديف، أو  يلجأ للاحتمال الأكثر خطورة بإجراء تعديلًا دستوريًا يلغي شرط المدد الرئاسية، ما يسمح له بالبقاء  في السلطة مدى الحياة!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز