عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

عميدة روزاليوسف تتحدث في يوم عزائها

عميدة روزاليوسف تتحدث في يوم عزائها
عميدة روزاليوسف تتحدث في يوم عزائها

حوار: اسلام عبد الوهاب



الحوار مع الكاتبة المهمة مديحة عزت بمثابة حوار للتاريخ، فشهرزاد الصحافة كما أطلق عليها الراحلان إحسان عبدالقدوس وعبدالرحمن الشرقاوى لديها من الحواديت ما يزيد على عدة كتب، وفى هذا الحوار الذى تحول لجلسة «فضفضة» تغوص معنا الصحفية الكبيرة مديحة عزت فى أسرار الرئيسين الراحلين عبدالناصر والسادات وتحكى لنا قصصا تحمل بعدا مختلفا لمن حكما مصر فى فترات حرجة وتكشف لنا عن الإنسان جمال عبدالناصر والمواطن أنور السادات بعيدا عن المناصب السيادية لهما ضمن ملف «الرئيس..
 
مواطن أم نصف إله» على أن نقدم سلسلة حوارات تباعا لشخصيات عديدة أثرت فى تاريخ مصر وعاصرتهم وتعاملت معهم وكتبت عنهم فى بابها الشهير فى «روزاليوسف» «تحياتى إلى زوجك العزيز».
 
ومن هذه الذكريات تقول كانت الست «روزاليوسف» عندما تريد أن تحكى مع عبدالناصر كانت تكتب له خطابا أسلمه أنا له يدا بيد وبعد يوم يرسل الرد ويطلب منها نشر خطابها.. ورده.. وهذه بعض فقرات وعناوين خطاب مفتوح من «روزاليوسف» إلى جمال عبدالناصر، العناوين:

 
الحرية هى الرئة الوحيدة التى يتنفس بها الشعب.. إنك فى حاجة إلى الخلاف.. تماماً كحاجتك إلى الاتحاد تحية أزكى بها شبابك الذى عرضته للخطر وجهدك الذى تنفقه من أجل هذا الوطن.
 
تحية من سيدة عاصرت الحوادث واعتصرتها التجربة فلا يسعدها اليوم شىء كما يسعدها أن ترى الوجوه الجديدة تزحف وتنال فرصتها الكافية لتحاول أن تسير بهذا الوطن بأسرع مما كان يسير!! وكان رد جمال عبدالناصر هكذا.. الذى سلمه لى وطلب نشر خطاب الست وخطاب رده عليها وكانت العناوين.
 
جمال عبدالناصر يرد:
 
لا نريد أن يشترى الحرية أعداء الوطن.. حاجتنا إلى الخلاف من أسس النظام.
 
أما تحيتك فإنى أشكرك عليها.. وأما تجربتك فإنى واثق أنها تستند على دروس الحياة.. أما تقديرك لما أبذله من جهد فإنى أشعر بالعرفان لإحساسك به.
 
أما رأيك فى أنى لا أستطيع أن أفعل وحدى كل شىء، فإن هذا رأيى أيضا ورأى زملائى من الضباط الأحرار.. وختم الخطاب الطويل بهذه الكلمات:
 
وبعد فإنى أملك أن أضع رأسى على كفى ولكنى لا أملك أن أضع مصالح الوطن ومقدساته هذا الوضع.

 «جمال عبدالناصر»

 وتتحدث مديحة عن قصة الصحفى المصرى إبراهيم عزت - شقيق مديحة عزت - وتقول «قصة الصحفى المصرى إبراهيم عزت مبعوث عبدالناصر لـ«بن جوريون» الذى زار إسرائيل من أجل السلام عام 1956 بالتنسيق مع صلاح نصر وموافقة جمال عبدالناصر وقد أفشل المحاولة الكاتب الصحفى حسنين هيكل وكان مقربا من عبدالناصر فأفشى أسرار مهمة إبراهيم عزت إلى السفارة الأمريكية وصحافة لبنان، فأجهض فكرة القمة ومشروع السلام المبكر بين مصر وإسرائيل، ولم يكن يعلم أحد بتلك الزيارة غير الأستاذ إحسان وأنا ولكنى أبلغت السيدة «روزاليوسف» التى قالت إن هذه مغامرة كبيرة فإذا نجح إبراهيم فى مهمته حيقولوا إنهم أرسلوه ولو فشل حيقولوا إنه جاسوس ويحاكموه.. وانفطر قلبى على شقيقى إبراهيم واتصلت بالسيد يسرى الجزار عليه رحمة الله نائب رئيس المخابرات وقابلته وقلت له بالحرف الواحد لو حدث أى مكروه لإبراهيم وأمى ماتت أنا اللى حأقتل عبدالناصر.. وثانى يوم وأنا داخلة المجلة قال لى البواب الأستاذ إحسان عايزك حالا.. ودخلت على إحسان زعق فىَّ وقال عملتى إيه تانى.. استعدى فيه عربية جايه حالا اركبى ولا تتحدثى مع السائق والمرافق بأى كلمة حتى يوصلوك للرئيس، وفعلا ركبت وذهبت معهم إلى مكتب الرئيس جمال عبدالناصر استقبلنى مبتسما حتى يمتص خوفى وقال لى أنا عارف مين قالك الكلام ده عارفها وعارف رأيها فىَّ.. يابنتى إبراهيم واحد من ولادى المصريين يؤدى عملا وطنيا فهو ابنى لو نجح أو فشل ، حينها لم أقاوم دموعى وحاولت أعتذر، وكان حنانه وإنسانيته أكبر من العتاب والاعتذار.. هكذا كان عبدالناصر الأب والقائد والإنسان رحمه الله.

ثم تنتقل الكاتبة إلى حياة عبدالناصر داخل منزله وتقول «على فكرة كلما سمعت وقرأت عن النهب والقصور والفيلات والمليارات تذكرت أن جمال عبدالناصر بجلالة قدره وعزته وعزة نفسه عاش شريفا عفيفا وأشهد على أنه كان يعيش وفرش بيته عهدة.. والحكاية عندما أعلنت الجمهورية وعزل أول رئيس جمهورية محمد نجيب وبعد أحداث «1954» أعلن تولى عبدالناصر رئيسًا للجمهورية عام «1956» وكان لابد أن تتغير بعض أمور حياته مجاراة للمنصب وتقرر أن ينتقل للإقامة فى الفيللا فى منشية البكرى، وكان لابد من فرش يليق برئاسة الجمهورية وكان المرحوم عبدالحميد أمين الذى كان رئيسا لشركة بيوت الأزياء الراقية التى تضم محلات «بونتر يمولى» أشهر محلات الموبيليا فى هذا العصر وطلب منه أن يبعث بمهندس الديكور الخاص بالمحل لفرش بيت عبدالناصر من أثاث قصر القبة.. وهنا وجد عبدالحميد أمين أن مهندس الديكور اشانتى فانتيب يهودى أبا وأما وأجدادا وخاف على عبدالناصر، وكان عبدالحميد أمين يعرفنى ويعرف أننى ضمن هواياتى دراسة الديكور، فاقترح أن أتولى أنا اختيار ما يلزم بيت عبدالناصر فعلا بعدما عرف الرئيس الحبيب بأنى سأقوم بهذه المهمة وكان يعرفنى تماما منذ قيام الثورة وتردده على «روزاليوسف» وافق وأشهد أنه كان يمضى على كشف بجميع قطع الأثاث التى نختارها من قصر القبة حتى إنه جاء كرسى كبير كان يستعمله الملك لجلسة راحة عائلية ووضعوه للمكتب لما رأيته قلت ده مش كرسى المكتب وماينفعش المكتب له كرسى، فقال عبدالناصر للسيد محمد أحمد اسمع كلام مديحة، وفعلا جاء كرسى المكتب وقبل أن يجلس عليه قال لمحمد أحمد أضفت الكرسى على الكشف قال أيوه قال الزعيم الشريف هاته ومضى عليه.. ثم فى الصالون طلب منى تغيير قماش تنجيد الصالون بألوان غامقة هذا لأنه يستضيف المسئولين السودانيين وطريقة جلوسهم يضعون أرجلهم على الكراسى.. فقلت له يا ريس الصالون «ستيل الوى كنز» ولا يمكن تغيير الألوان لأنه لا يكمل الأستيل إلا الألوان الفاتحة البنى فاتح أو بمبى فاتح.. أو «رمادى فاتح» وعلى العموم اللى تأمر بيه يا ريس ابتسم وقال آمر بإيه اعمل اللى تقول عليه مديحة.. هكذا كان جمال عبدالناصر يعيش على عفش عهدة واعتبر حياته عهدة للوطن الذى كما كان يقول دائما فى سبيل مصر والوطن «أضع رأسى على كفى»!!
 
وتأكيدا على إنسانيته ووفائه للصداقة حتى ولو كانت فى اختلافاته فى الرأى تذكر مديحة أنه بعد أحداث عام (1954) واختلافه فى الرأى مع إحسان عبدالقدوس وأحمد أبوالفتح وخالد محيى الدين واعتقل إحسان عبدالقدوس مدة ثلاثة أشهر ثم أفرج عنه وكانت حدوتة سياسية الكل يعرفها، وخرج إحسان غاضبا منه طبعا وبعد أسبوعين من الإفراج عنه طلب عبدالناصر إحسان وقال لى إحسان ردى مش عايز أكلم حد، وكان عبدالناصر، قال إحسان قولى له مش هنا.. وطلب بعد ذلك مرتين وكان إحسان رافضا، وقلت للست فاطمة اليوسف فزعقت لإحسان وقالت رُد.. الاختلاف شىء وقلة الذوق شىء وفعلا رد إحسان وكان عبدالناصر يعزم إحسان على الغداء معه فى برج العرب ويشاهد معه فيلم «زوربا اليونانى» وصالح إحسان.

وتختتم كلامها عن عبدالناصر قائلة: هكذا كان عبدالناصر قائدا عظيما أبا حنونا زعيما إنسانا وطنياً وعلمنا الوطنية، ثورياً من أجل مصر وعلمنا الثورة على كل ما يهز مكانة وأمن مصر، ياريت يحاول ثوار اليوم الاقتداء بتصرفات الزعيم الحبيب جمال عبدالناصر قدوة لهم وطريقا صحيحا يمشون إليه لعودة الأمن والأمان وإعلاء شأن مصر بين الدول.
فى حواديتها عن السادات تحكى السيدة مديحة عزت حكاية مضحكة وتقول: «فى عام 1951 طلبت منى السيدة فاطمة اليوسف أن أحضر يوميا بعد المدرسة الثانوية لأتولى مهمة سكرتيرة لأستاذنا الكبير إحسان عبدالقدوس .. هذا لأنه سيستقبل أصدقاء مهمين له ولايريد أن يراهم أو يعرفهم «نجيب» سكرتير إحسان فى ذلك الوقت، وقد استأذنت السيدة فاطمة اليوسف والدى وكان يعزها جدا ويحترمها فلم يرفض لها الطلب وبدأت عمل السكرتارية وأنا سعيدة جدا، فقد كانت تتسلمنى السيدة فاطمة اليوسف من بيتنا بالدقى بعد المدرسة ثم يعود بى إبراهيم السائق الخاص بها بعد انتهاء جلسة الأصدقاء.


 
ثم تحكى الكاتبة «أنا فى بادئ الأمر لم استغرب ضيوف إحسان وهم جمال عبدالناصر ومصطفى لطفى - رئيس إدارة الأسلحة والذخيرة الذى أمد جمال بمستندات الأسلحة الفاسدة - وثروت عكاشة وأحمد أبوالفتح وكنت أعرفهم جميعا لأنهم من العباسية وجيران لبيت جدى لذلك كانوا يعرفوننى ، وكان الجميع يحضر بالملابس المدنية ثم كان من لم أتعرف عليه مسبقا يحضر بعدهم، تحكى عنه السيدة مديحة كان فى منتهى «الآلاطة» والشياكة رغم ملابسه البسيطة يادوب بنطلون بنى وقميص بيج وحزام جلد يجمع بين اللونين البنى والبيج وفى قدميه «شبشب» رومانى كما كانوا يطلقون عليه لونه بنى ويدخل بلا استئذان ولا حتى سلام، فقط يرفع يده بالتحية ولا ينطق وكان اسمه فى الكشف الذى أعطاه لى الأستاذ إحسان والذى طلب ألا يدخل عليه غيرهم.. كان اسمه الأسطى محمد ويوم والتانى وجاء يدخل فمنعته.. سأل وقال: خبر إيه يا آنسة؟ قلت له: نفسى أعرف إنت مش شايفنى.. مش عجباك.. مش تستأذن السكرتيرة إللى هى أنا. ضحك رحمة الله ضحكته الرائعة قائلا: أولا إنتى تعجبى الباشا، ثانيا أنا عارف إنك عارفة أنا مين، ثالثا ممكن أدخل بقى «وقبل أن أنطق كانت السيدة فاطمة اليوسف سمعت صوتى جاءت تضحك وقالت لى بعد أن دخل «بكرة حتضحكى لما تعرفى ده مين» كان هذا أنور السادات الذى أخذنى بعد قيام الثورة لزيارة مجلس الثورة وقال لى قبل أن أدخل «ادخلى برجلك اليمين يا مديحة.. ادخلى برجلك اليمين ودخلت برجلى اليمين»
 
ومن الطرائف التى أتذكرها حين قابلت السادات فى شارع عبدالخالق ثروت فى طريقه إلى سويلم الترزى الخاص به، وكان وقتها رئيس جمهورية وأحيانا يحب أن يتمشى بنفسه وسألنى على فين؟ وأخبرته أننى أبحث عن هدية أشتريها لإحسان فى عيد ميلاده، فقال السادات: سأرسل لك هدية جميلة، وأرسل لى كوفية وكرافت وأخبرنى أنهما من فرنسا، وذهبت إلى إحسان فى عيد ميلاده وتقدمت إليه لأعطيه هديتى، وكان السادات يقف بجواره وحين فتح هديتى وشاهدها أبدى دهشته وقال إن هذه هديتى للرئيس السادات قد أهديتها إليه من قبل، وضحك السادات وضحك إحسان، واتضح أن السادات قد نسى أن هذه هدايا إحسان وأعطاهما لى دون قصد لأهديهما لإحسان مرة أخرى!
 
وبمناسبة السياسة.. أذكر أننى كلما التقيت بالرئيس السادات فى أى مناسبة يسألنى.. إيه أخبار السياسة فى البلد يامديحة.. أقول له. أنا ليس لى فى السياسة يا ريس.. كان يقول لى: إزاى ده إنت كل اللى بتكتيبه سياسة.
 
مديحة عزت اختارها الكاتب الراحل إحسان عبدالقدوس مديرة لمكتبه بعد حوار أدبى معه وهى فى المرحلة الثانوية عام 1952 قبل الثورة فالتقت مع معظم أعضاء قيادة الثورة قبل قيامها أثناء ترددهم على إحسان عبدالقدوس.. دعاها الرئيس الراحل أنور السادت لزيارة مقر قيادة الثورة بعد قيامها لتصبح أول صحفية تدخله وأول محررة تجرى حوارات مع كل رجال الثورة أولهم عبدالناصر والسادات وباقى رجال الثورة ، كما كان لها أنجح الحوارات عن كبار الأدباء والكتاب ولعل أشهرها كان مع الكاتب الكبير عباس محمود العقاد الذى نشر على ثلاث حلقات متتالية، وهى أول فتاه تعين كمحررة فى مجلة روز اليوسف عام 1935 وكانت تعمل بباب إعلانات زواج».
 
كرمها عبدالناصر فى عيد الثورة العاشر بوسام الفنون والآداب من الدرجة الأولى وكرمها السادات فى أول عيد للإعلاميين بوسام الفنون والآداب أيضا كما كرمها مبارك فى عيد الإعلاميين عام 1999 بوسام الفنون والآداب وكرمها وزير الإعلام حينها صفوت الشريف فى العيد الفضى للتلفزيون بالميدالية الذهبية، وتعد أول من كشفت عن جمعية سرية تعمل فى القاهرة لحساب إسرائيل وهى جمعية «شهود يهوا» وأول صحفية ينشر لها مقال فى مجلة القوات المسلحة.
 
تمتاز بالأسلوب الساخر والعبارة المرحة وابتكرت أبوابا جديدة فى الصحافة المصرية مثل باب «تحياتى إلى زوجك العزيز» الذى بدأت تنشره منذ 55 عاما ولا تزال تكتبه أسبوعيا على صفحات مجلة روزاليوسف، كما استطاعت من خلال باب «إعلانات زواج» أن توفق آلاف الرءوس فى الحلال!

 

انه نشر بتاريخ 5 أبريل 2014 في المجلة ونعيد نشره في يوم عزائها

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز