عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

نشوي سلامة تكتب: تنمية غير بشرية

نشوي سلامة تكتب: تنمية غير بشرية
نشوي سلامة تكتب: تنمية غير بشرية

زى ما دخل علينا أشكال منعرفهاش وقالو لنا عليها (نخبة) دخلت علينا مصطلحات متعلمنهاش، وقالوا عليها (تنمية بشرية)، اللي زمان كان اسمه نصايح ومعلومات، إرشادات مهمة، حاجة كده من الكلام الوقور بتاع نهارك سعيد واقعدوا بالعافية، بس زمان كان كل هم الإرشادات دي اللي بتتلخص في نقاط بأرقام، ١-،٢-، انك تهتم ببلدك، بنضافتك، بديانتك، بمعاملة الغير،



ومكناش نعرف مين بيقولها لدرجة اني كنت فاكرة ان (الشمرلي) هو اللي بيألفها اصلي كنت مدمنة على قراءتها وبحاول أكون مثالية وأنفذ النصايح بالترتيب اللي عليها.

دلوقتي بقى كل واحد أو واحدة أو مؤسسة أو- جمعية- عندها تنمية بشرية ومحاضرات وندوات وتوصيات ومتطوعون مشتغلون ومنشغلون بالأمر، ويمسكولك الشوية شباب من دول متقسمين حسب أعمارهم، ما هو اللي بتقولوه لبتاع ابتدائي غير بتاع جامعة، غير ستات البيوت، غير المتزوجات حديثا وعندها فراغ مثلا، غير القواعد من النساء وعندها نفس الفراغ وزيادة عليه بقى إحساس الـ"ولا حاجة خالص"، كل واحد له قصة ورواية ومدخل مختلف تماما تقدر تخليه يسمعك بعد كده ويدور عليك بنفسه ويمكن كمان يحفظ كلامك ويردده، تقولش قرآن يا أخي! وتلاقي الواحد من دول هيمان كده في عالم لوحده، وماشي يهذي بشوية عبارات حفظها، مسجوعة كده ومتلحنة، وفيها كلمتين تلاتة من اللي بيخشوا القلب ويقشعر البدن.

بس الموضوع بيفضل عند مرحله الكلام، لأن الموضوع كله فلسفي موش عملي، يعني مينفعش أقولك مثلا: أمك في قلبك وأبيك قابع في وجدانك، فتنسجم أنت قوي من الكلمتين، وتغنيهم كمان، فتروح أنت بقى تفتح قلبك متلاقيش أمك، وتضيع النهار كله بتدور على الوجدان ده يطلع فين، علشان ترسمهم وتقعد تبص عليهم وهما قابعين وراء باب الوجدان، على السلمة التالتة مثلا، لكن متروحش لأمك أو لأبوك تشوفهم وتتكلم معاهم في مسألة إزاي انت حاسسهم وإزاي هما فاهمينك، اصل الحاجات دي مبتتعلمش يا أخواننا، ولا بتتباع ولا بتشترى، دي بنكتسبها من تربيتنا في بيوتنا وسط اهالينا.

لكن شغل التنمية البشرية، واللايف كوتش، والعلاقات الأسرية، وبناء النفس، والحاجات الكتير اللي هجمت علينا دي هجمة شرسة، بتتباع بقى، آه والله زي ما بقول كده، بتتباع وتشترى وتعمل فلوس زي الفل، اصلها موش نصايح عامة مكتوبة على اللافتات ولا على الدفاتر ولا مداخل الشركات والمؤسسات ولا أماكن الانتظار ومحطات القطارات، زي زمان كده وببلاش، لا ده بقى اسمع علم وله كتب ومحاضرين وليلة كبيرة قوي منعرفش اخرها فين.

بس ده موش وحش ولا عيب ولا حرام على فكره، اللى هو ايه ده؟! اقصد يعنى ان كل حاجة بنعملها في حياتنا تكون على أساس علمى وتدريس ونظام ومنهج، محدش يكره طبعا، حتى منبقاش عشوائيين الفكر ولا متخبطين في المشاعر، اصل حكاية الوجدان دى شاغلانى قوى وفعلا عايزة دراسة وورقة وقلم واحتمال مثلث ودفتر رسم بياني، ايون، علشان كل ما نشعر شعور نسجل قصاده علامة، فنعرف احنا طالعين والا هيتخسف بينا الأرض، يا نهار موش فايت، هنبقى زي الروبوت، آلالات؟!

طيب الكلام اللي فات ده كله عن المحتوى، اللي اغلبه مشابه لأغلبه، موش هقول اصلها موش كيمياء، لا، اصل الكيميا فعلا كلها بتعتمد على بعضها، بس الشاطر اللى يعرف يضيف ايه على ايه والذكي اللى يعرف ايه العامل المساعد المظبوط جداااا اللى هيخلى الاضافات والتفاعلات دى تدينا النتيجة المطلوبة بالظبط وتبقى عملية معملية ونضيفه كمان، ما هو كله بالعلم، وهو ده اللى بيتعمل بالظبط، علشان التفاعل يمشى زى التجربة بالظبط ويدينا النتايج المستهدفه بالظبط، فمحدش يستهون بالعوامل المساعدة إطلاقا.

مين بقى اللي بيعرفنا المحتوى الجامد جدا ده، اللي هيطلع نتايج جبارة هتشقلب الكون وهتخلى الإنسان إنسان ونص؟ مين ابو لسان حلو ونفس هادى وابتسامة من الودن للودن اللى كفاية تشوفه تقبل عليه هو والدنيا وتقوله شبيك لبيك انا موش همشى الا وانا ماسك ف ايديك؟، اصلى بقالى فترة موش قليلة بتعرض لكتابات ومجموعات بتتكلم في الامور دى، بس بتطرح نقاط ومشاكل وبتسيبها مفتوحه، ولو اقترحت حلولا بتكون فقط للقراءة وليس للتطبيق العملى، تمام زى العبارات الحلوة بتاعة الوجدان، بس كمان الناس دى انت عمرك ما سمعت عنهم ولا عما يقرءون أو عن توجههم واعجابهم مثلا بشخصيات تؤثر في حياتهم وتكون شخصيات بالفعل ممن تبنى المجتمعات وساهمت في اعداد كوادر ناجحة، بما اننا نتحدث عن علم التنمية البشرية، وليس علم الاستقطاب البشري، وهو العنوان الوحيد الذي يروق لى عندما استمع لمن يقول رايح محاضرة أو هحضر ندوه خصوصا بعد ما بتعرف على المحتوى.

أصلنا للأسف خلاص اتشلينا، بقينا لازم حد يعرفنا نصحى ازاى ونعدي الشارع ازاى، مبقاش عندنا اسرة في البيت بناخد منها وبيفضل  كلامها في ذاكرتنا نستدعيه لما يقابلنا أي موقف فنقدر نتصرف بناء على ما تربيتا عليه، وبقى اسهل ما عند الآباء يبعتوا ولادهم لحد يعلمهم يعملوا ايه في حياتهم من طأطأ لسلاموعليكو، طيب وانت يا أستاذ والد مبتعلمش ولادك ليه، وانت يا ست والده، دورك ايه، طيب اتجوزتوا ليه لما انتو هترموا عيالكم لغيركم يشكلهم على كيفه، وبعد كده ترجعوا تشتكوا انكم موش عارفين تتعاملوا مع ولادكم وانهم اصبحوا غرباء عنكم، شوفتوا التنمية وصلت لفين، معلش اعذرونى اصلى بحاول جاهدة من غير ما اعتمد على غيرى افهم ليه أمور الناس والاولاد بتسوء وليه بننهار كمجتمع في بشريتنا وإنسانيتنا ومكناش زمان كده ابدا مع ان الأدوات والمعطيات زمان كانت على الاد، فهل كل ما نتقدم هنسوء بالشكل ده والا اللى بيسوقوا لموضوع التقدم وادواته الحديثة كان هو ده هدفهم من البداية واحنا برضه حالفين ما نسيب ايدهم الا لما يوصلونا للنهاية.

وأخيرا، انتبهوا لما يغزوا مجتمعاتنا وثقافتنا وهويتنا، انتبهوا لما ينمونه بيننا وما نحن الا راعٍ له ليلتهمنا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز