عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

ننشر وثيقة الزواج الأصلية للجنرال الفرنسي من زبيدة البواب

ننشر وثيقة الزواج الأصلية للجنرال الفرنسي من زبيدة البواب
ننشر وثيقة الزواج الأصلية للجنرال الفرنسي من زبيدة البواب

كتب - محمد البربرى

غادة رشيد.. المحسبة المنسبة ذات الحسن والطالع عيونها فجر وشعرها ليل ولسانها وريحها عنبر 



 

ألف عنها الشاعر علي الجارم كتابا قال فيه إنها غادة رشيد المحسبة المنسبة ذات الحسن والطالع عيونها فجر وشعرها ليل وجيدها نيل ولسانها سكر وريحها عنبر‏.

وكتب الجنرال الفرنسى جاك مينو القائد الثالث للحملة الفرنسية على مصر، فى رسالة إلى أحد جنرالات الحملة، ردا على سؤاله من زواجه من مصرية.. زوجتى طويلة القامة مبسوطة الجسم حسنة الصورة من جميع الوجوه، لها عينان رائعتان ولون بشرتها مصري مألوف، شعرها طويل فاحم لطيفة الطبع، وجدتها تتقبل كثيرا من العادات الفرنسية بنفور أقل مما توقعت، إنها زبيدة ابنة محمد عبد الرحمن البواب الميزوني، أحد أعيان رشيد.

 

 

الجنرال الفرنسي يتقرب من أهالي رشيد بزواجه زبيدة

"زبيدة البواب" هى إحدى القصص التاريخية التى امتزج بها الغرام بالسياسة، لأن جاك مينو القائد الثالث للحملة الفرنسية لم يكن يقصد اختيار "زبيدة" بعينها ، انما كان يرمى إليه أن يصاهر عائلة رشيدية فكان يرغب فى مصاهرة الشيخ الجارم عميد أسرة الجارم العريقة فى الشرف والعلم ، ولكن الشيخ تورع عن هذه المصاهرة وأراد أن يسد الطريق أمام الجنرال، فلم يكد يسمع بهذه الرغبة حتى بادر بتزويج كريمتيه إلى اثنين من تلاميذه ليتخلص من مصاهرة الجنرال.

وطلب مينو التزوج بسيدة أخرى فكانت ملكة الحسن والجمال زبيدة كريمة محمد عبد الرحمن البواب الميزوني، أحد أعيان رشيد، وكانت مُطلّقة سليم أغا نعمة الله وقبلت هى ووالدها الزواج من الجنرال الفرنسي وتم عقد زواجهما في وثيقة بمحكمة رشيد الشرعية فى 25 رمضان 1213هجرية الموافق 2 مارس 1799 ميلادية وتضمنت الوثيقة أيضًا اعتناقه للإسلام، وتسمى فى الوثيقة باسم "عبدالله مينو".

وكانت "زبيدة" جميلة الجميلات تملك من المال والجمال والأصل المصري العريق ما يؤهلها لروعة النبوءة كما أبلغتها قارئة الفنجان، فهى ابنة أحد أعيان رشيد التاجر الثرى محمد البواب متزوجة من الجنرال جاك مينو حاكم رشيد، وثالث قادة الحملة الفرنسية الذى يبحث عن زوجة مصرية، من أجل كسب ود المصريين حتى يكونوا فى صفه ضد الإنجليز والقوات العثمانية التى كانت تسعى لاسترداد مصر من يد المحتل الفرنسي.

ويحكى الكثيرون أن قصة زبيدة  لها بُعد رومانسي وبُعد سياسي وأن الحاكم الفرنسي قصد من زواجه التقرب من أهل رشيد والذى أتم زواجه منها بكل شروط أسرتها المسلمة حتى إنه اعتنق الإسلام.

 

 

حكاية "زبيدة" التي أحبها "مينو"

حصلت "بوابة روزاليوسف" على نسخة طبق الأصل من وثيقة زواج "الجنرال مينو" من "زبيدة البواب" بعد إشهار إسلامه ، حيث إن الوثيقة الأصلية نفسها التي تعد كنزا تاريخيا محفوظة في دار الوثائق القومية ، وحسب ما جاء بالوثيقة التي اكتشفها العلامة علي بك بهجت في دفتر خانة محكمة رشيد الشرعية ، كان صداق زبيدة الذي قدمه لها مينو" 100 محبوب كل واحد منها بمائة وثمانين نصفها فضة" كما تضمنت في أحد شروطها أن يدفع لها مينو 2000 ريال نظير فراقه لها في حالة الطلاق وإن مات وكانت لا تزال في عصمته تأخذ من ماله الألفي ريال.

 

 

وثيقة زواج مينو الفرنسي تؤكد إسلامه

 كما تضمنت الوثيقة تأكيدا على صدق إسلام مينو ونطقه للشهادتين وأنه أظهر الحب للمسلمين وبعد إسلامه سمى نفسه عبد الله كما أن الزواج تم في حضور مولانا العلامة السيد أحمد الخضري المفتي الشافعي، ومولانا الشيخ محمد صديق المفتي الحنبلي ، ومولانا السيد محمد المفتي المالكي".

 

أهالي رشيد: زواج زبيدة لم يدم طويلا

ويروى إبراهيم علي، من شيوخ مدينة رشيد، أن زواج القائد الفرنسي من زبيدة البواب، كان قاصدا منه التقرب إلى أهالي رشيد، فاعتزم التزوج من سيدة مصرية شريفة المجد ذات الحسب والنسب ليجمع بين شرف أسرته وشرف مصاهرته عائلة مصرية عريقة فى النسب.

ويضيف الشيخ إبراهيم أن هذا الزواج لم يشهد سوى فترة قصيرة من السعادة بعدما تم حصار الجنرال مينو فى الإسكندرية ، والأسطول الإنجليزى أجبر الفرنسيين على الرحيل وهو ما جعل زبيدة تتخذ قرارا بالهروب بصحبة أخيها علي وطفلها سليمان من رشيد حتى الرحمانية، ومنها إلى القاهرة، حيث أقامت فى بيت الألفي فى الأزبكية، قبل أن تصعد إلى القلعة لتختبئ فيها.

وبعد انتهاء المفاوضات بين قائد الأسطول الإنجليزي وقائد الحملة بالإنابة ديزيه، رفضت زبيدة مغادرة مصر بغير زوجها، الذى رحلت معه بالفعل إلى فلورنسا، ولكن قصة الحب التى جمعت الزوجين بدأت فى الخفوت بعد وصولهما إلى هناك حيث أصبح مينو حاكما لإقليم فلورنسا، وتركها مع ولدها الصغير فى مارسيليا.

 

 

 

الرشايدة: لا يوجد جيل لاحق من سلالة زبيدة

ونفى أهالى مدينة رشيد وجود أى جيل لاحق من سلالة زبيدة ، لكن منزلها مازال شامخًا بعد أعمال الترميم وتجميله فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسيى الذى وجه بتشكيل لجنة عليا برئاسة رئيس الوزراء لتنمية وتطوير مدينة رشيد ووضعها على الخريطة السياحية.

 

 

روزاليوسف داخل منزل زبيدة البواب

التقتت عدسة "بوابة روزاليوسف" عده صورا وفيديوهات للمنزل الشامخ فهو شاهدًا على واحدة من قصص التاريخ التى يمتزج فيها المتاجرة بالدين والسياسة والحلم بالعبث تمامًا، كما هو تاريخ زبيدة نفسه خاصة أيامها الأخيرة التى تختلط فيها الشائعات بالوقائع.

وغير منزل الميزوني يوجد نحو 20 منزلاً أثريا يعود تاريخها الى القرن الثامن عشر، وتتميز جميعها بنماذج الإبداع المعماري المملوكي.

ويعد منزل الميزوني الذي شيده محمد عبد الرحمن البواب الميزونى، واحدا من أهم تلك المنازل ، حيث يتكون من أربعة طوابق، وتتميز الواجهة بوجود بلاطات من القيشانى ولوح رخامى مثبت عليه تاريخ الإنشاء.

وقد كانت زبيدة واحدة من أجمل فتيات رشيد، وكان قد سبق لها الزواج وهي في الثامنة عشرة من عمرها، فى حفل كبير من سليم أغا نعمة الله أحد أثرياء المماليك، إلا أن هذه الزيجة لم تستمر، حيث وقع الطلاق بعد عام واحد فقط.

وفيما كانت تفكر فى مصيرها بعد الطلاق، كان الجنرال مينو مبعوث نابليون بونابرت يتسلم مفتاح مدينة رشيد من كبار أعيانها فى يوليو من عام 1798 و كان مينو المثقل بالديون التى تركها فى باريس يحلم بتكوين مجد شخصى له فى رشيد يكمل به حلم الإمبراطورية الفرنسية التى يحلم بها نابليون رفيق دربه، فحرص على احترام الإسلام والاحتفال مع المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم حتى فى صوم رمضان ورغم ما كان لديه من جوارى من جنسيات مختلفة، إلا أن نفسه تاقت إلى زوجة شرقية تؤنس وحدته، ولكنه كان يعلم أن أحداً لن يزوجه ابنته من دون اعتناقه للإسلام، فأشهر إسلامه وسمى نفسه عبد الله كما أثبتت وثيقة الزواج من زبيدة التى تصغرة ب 30 عاما فيما بعد.

وقد حكى التاريخ الكثير عن افتتان مينو بزوجته شرقية الملامح حتى إن إجازة زواجه منها امتدت لأكثر من شهرين.

وبعدما قرر بونابرت العودة إلى فرنسا اتجه مينو إلى العريش للقاء قائده وتلقى الأوامر منه بشأن بقاء الحملة فى مصر، وتعيين الجنرال جين كليبر قائدا عاما على مصر فى أغسطس 1799.

كان خروج نابليون إيذاناً بانقسام الحملة الفرنسية الى معسكرين، أولهما: بقيادة الجنرال كليبر، وكان يؤمن بعدم جدوى البقاء فى مصر، مفضلاً الانسحاب المشرف من مصر، والثانى بقيادة مينو، الذى رأى ضرورة توطيد الوجود الفرنسى على أرض مصر واستمرار الوجود الفرنسي فيها.

واستمر الخلاف بين الجنرالين حتى مقتل كليبر على يد سليمان الحلبى فى 14 يونيو من عام 1800وبعدها تولى مينو قيادة الحملة الفرنسية فى القاهرة، تاركا زبيدة فى منزل الميزوني، وهى حامل بطفلهما الأول، والذى وضعته فى 27 نوفمبر من عام 1800 وتم تسميته سليمان مراد جاك.

واعتقد مينو أن الأمور قد استقرت له فى مصر، إلا أن تحالف الإنجليز والأتراك لم يسمح له بذلك، حيث تم الاتفاق بينهما على طرد الفرنسيين من مصر، وبدأ ذلك حينما هاجم الأسطول الإنجليزى الإسكندرية عام 1801، فخرج مينو إلى الإسكندرية لمواجهة الإنجليز، ولكنه فشل فى تحقيق أى انتصار عليهم، وليتواصل زحفهم حتى رشيد، فكان قرار زبيدة هو الهروب مع رضيعها خارج المدينة، ولتتنقل من مكان الى آخر حتى وصلت القاهرة حيث استضافها الضابط الفرنسى ألفران أحد أعوان زوجها مينو، الذى أقنعها بالرحيل هى وطفلها إلى فرنسا مع القوات المنسحبة فى التاسع من أغسطس عام 1801، ثم لحق بها مينو، وظلت فى عصمته، لكنه تنكر لها وهجرها وتركها وحيده مع طفلها.

 

 

التهامي: منزل الميزوني أحد أهم منازل رشيد الأثرية

وقال محمد التهامي مدير عام آثار رشيد فى تصريح خاص أن منزل الميزونى التى كانت تقطنة زبيدة محمد البواب الميزوني والتي عرفت بأنها أجمل بنات رشيد، يتكون من 5 أدوار، وواجهته بها خمسة أبواب بالدور الأرضي ، ويؤدي أولهما الشرقي لمنزل الميزوني والثاني يؤدي إلي حجرة السبيل، والثالث إلى المخزن والرابع يؤدي لسلم منزل جلال الملاصق له ، والخامس إلى مخزن منزل جلال ، ويعلو كل من هذه الأبواب منور بالحديد ، أما الباب المؤدي إلى حجرة السبيل فتعلوه بلاطات قاشانى زخارفها من الأوراق والفروع وزهور اللا اللا والزنبق والرمان بالأصفر والأحمر والأخضر، وعلى يسار الباب يوجد شباك السبيل وأسفله حوض رخامي ولوح رخامي عليه النص الخاص بالإنشاء.

وأضاف مدير أثار رشيد أن الجنرال مينو تلقى هزيمة على يد الإنجليز في الإسكندرية عام1801م حتى وصلوا إلى رشيد، وما كان من مينو وزوجته زبيدة وابنهما إلا الرحيل إلى فرنسا حيث كانت إقامتهم في مدينة تورينو، وبعدها عاشا لفترة في مدينة البندقية الإيطالية، وفي عام 1810 مات مينو مما دعا زبيدة للعودة إلي مارسيليا الفرنسية، حيث عاشت بها لفترة حتى وفاة ابنها سليمان.

 

 

 

نهاية غير متوقعة لملكة جمال رشيد زبيدة البواب

والثابت من التاريخ أن "زبيدة" ملكة مصر غير المتوجة جمالا وعرشا قد عاشت أياما صعبة غابت شمسها وانحسر ظلها‏ وليالي أشد سوادا على أرض الغربة بين ناس يرطنون بلسان أعجمي‏ ولكن ظل بيت أبيها محمد البواب شامخا يروي قصة الحسناء التى تزوجت الجنرال الفرنسي.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز