عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

يوسف صديق.. الباحث عن الكمال

يوسف صديق.. الباحث عن الكمال
يوسف صديق.. الباحث عن الكمال

كتب - عادل عبدالمحسن

لعب الدور الحاسم في ثورة 23 يوليو 1952 وربما لولاه لكان قادة هذه الثورة يلعنون في كتب تاريخ مصر العلوية حتى اليوم، حيث كان قد ألقى القبض على رئيس أركان الجيش الذي كان يعكف على وضع خطة لاعتقال الضباط الأحرار ليلة 23 يوليو.



وهذا‏ ‏الدور‏ ‏أكده‏ ‏جمال عبد الناصر في العيد العاشر للثورة، حينما تحدث في خطابه بهذه المناسبة عن دور يوسف صديق في الثورة وقصة اعتقاله بواسطة قوات الثورة وسعادته لرؤية يوسف صديق الذي فك أسره على الفور.

البكباشى يوسف منصور صديق من مواليد 3 يناير سنة 1910 بقرية المصلوب التابعة لمركز الواسطى في محافظة بني سويف.

ووالده اليوزباشي منصور صديق شارك بحرب استرداد السودان وقضى جل خدمته بالسودان وتوفي سنة 1911م. وجده يوسف صديق الأزهري كان حاكم كردفان إبان الثورة المهدية، قتل خلالها وكل أسرته ولم ينجُ سوى ولديه منصور وأحمد، أتم‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏ ‏دراسته‏ ‏الأولية‏ ‏بمدرسة‏ ‏الواسطى‏ ‏الابتدائية‏ ‏ثم‏ ‏مدرسة‏ ‏بني‏ ‏سويف‏ ‏الثانوية.

التحق‏‏ ‏بالكلية‏ ‏الحربية‏، ‏وتخرج‏ فيها‏ سنة 1933، ‏‏تخصص‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏في‏ ‏التاريخ‏ ‏العسكري‏ ‏وحصل‏ ‏علي‏ ‏شهادة‏ ‏أركان‏ ‏الحرب‏ ‏سنة 1945 ‏وبمجرد‏ ‏أن‏ ‏تخرج‏ ‏يوسف‏ ‏في‏ ‏منتصف‏ ‏الثلاثينيات،‏ ‏التحق‏ ‏بإحدى ‏الكتائب بالسلوم ‏وأخذ‏ ‏يمارس‏ ‏نشاطه‏ ‏السياسي‏ ‏في‏ ‏بعض‏ ‏الأحزاب،‏ ‏خاصةً اليسار‏ ‏المصري. قرأ‏ ‏كثيرًا‏ ‏في‏ ‏الاقتصاد‏ ‏والتاريخ، وشارك في الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين.

‏كانت علاقة ‏يوسف‏ ‏صديق‏ قد بدأت‏ بتنظيم ‏الضباط الأحرار ‏عندما‏ ‏تعرف‏ ‏على النقيب وحيد‏ جودة‏ ‏رمضان‏ ‏إبان حرب فلسطين. ‏وبعدها‏ ‏بثلاث‏ ‏سنوات‏ ‏عرض‏ ‏عليه‏ ‏وحيد‏ ‏رمضان‏ ‏الانضمام‏ ‏لتنظيم‏ ‏الضباط‏ ‏الأحرار‏ ‏فلم‏ ‏يتردد‏ ‏لحظة‏ ‏واحدة‏ ‏في‏ ‏الموافقة. ‏‏وقبل قيام الثورة بأيام‏ ‏زاره عبد الناصر وعبد الحكيم ‏في‏ ‏منزله‏ ‏للتنسيق‏ ‏من‏ ‏أجل الثورة، حيث أسندت إليه من قبل تنظيم الثورة قيادة الكتيبة الأولى مدافع ماكينة، وقبل الموعد المحدد بقليل ‏تحرك‏ ‏البكباشي‏ ‏يوسف‏ صديق ‏مع‏ ‏مقدمة‏ ‏كتيبته‏ مدافع الماكينة‏ ‏من العريش ‏إلى‏ ‏مقر الكتيبة الجديد في معسكر "هايكستب" قرب‏ ‏مدينة‏ ‏العبور‏ ‏ومعه‏ ‏معاونه‏ عبد‏ ‏المجيد‏ ‏شديد‏. ‏

 

 

 

لعبة القدر في نجاح ثورة يوليو

ويروي‏ أحمد حمروش ‏في‏ ‏كتابه "قصة‏ ‏ثورة‏ ‏يوليو"، فيقول‏: ‏اجتمعت‏ ‏اللجنة‏ ‏القيادية‏ ‏للثورة‏ ‏وقررت‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏ليلة‏ 22-23 ‏يوليو 1952هي ليلة التحرك‏ ‏وأعطيت‏ ‏الخطة‏ اسمًا‏ ‏كوديًا (نصر) وتحددت‏ ‏ساعة‏ ‏الصفر‏ ‏في‏ الثانية عشرة مساء، إلا أن جمال عبد الناصر عاد وعدل هذ الموعد إلى ‏الواحدة صباحًا وأبلغ جميع ضباط الحركة عدا يوسف صديق لكون معسكره في الهايكستب بعيدًا جدًا عن مدى تحركه ذلك اليوم فآثر انتظاره بالطريق العام ليقوم برده إلى الثكنات، وكان لهذا الخطأ البسيط على العكس أعظم ‏الأثر في نجاح الثورة‏. ‏فقد‏ كان تم إبلاغ ‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏ (بواسطة رسول قيادة الحركة الضابط زغلول عبد الرحمن) كما ورد على لسان يوسف صديق نفسه في مذكراته التي نشرها الدكتور عبد العظيم رمضان باسم أوراق يوسف صديق عن الهيئة المصرية للكتاب عام 1999م، ووفقا لذلك فقد ‏تم إبلاغ يوسف صديق أن‏ ‏ساعة‏ ‏الصفر‏ ‏هي‏ 2400 ‏أي‏ ‏منتصف‏ ‏الليل‏ وليست الواحدة صباحا، وهو الموعد الذي تم التعديل له (دون إمكانية تبليغ يوسف بالتعديل)، ‏وكان‏ ‏يوسف‏ ‏قائدًا ‏ثانيًا‏ ‏للكتيبة‏ ‏مدافع‏ ‏الماكينة‏ ‏ولم‏ ‏يخف‏ ‏الموقف‏ ‏على ‏ضباطه‏ ‏و‏جنوده‏، ‏وخطب‏ ‏فيهم‏ ‏قبل‏ ‏التحرك‏ ‏وقال‏ ‏لهم‏ ‏إنهم مقدمون هذه الليلة على عمل من أجلّ الأعمال في التاريخ المصري وسيظلون يفتخرون بما سيقومون به تلك الليلة هم وأبناؤهم وأحفادهم ‏وأحفاد أحفادهم.

تحركت‏ ‏القوة‏ ‏من‏ معسكر "الهايكستب" دون‏ ‏أن‏ ‏تدري‏ ‏ما‏ ‏يدبر‏ ‏في‏ ‏مركز‏ ‏القيادة‏، ‏وكان‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏ ‏راكبًا‏ ‏عربة‏ ‏جيب‏ ‏في‏ ‏مقدمة‏ ‏طابور‏ ‏عربات‏ ‏الكتيبة‏ ‏المليء‏ ‏بالجنود،‏ ‏وما إن خرجت القوة من المعسكر حتى‏ ‏فوجئت‏ ‏باللواء عبد الرحمن النمكي ‏قائد‏ ‏الفرقة‏، ‏يقترب‏ ‏من‏ ‏المعسكر‏ ‏فاعتقلته القوة بأوامر من يوسف صديق،‏ وتم اقتياده بصحبة طابور القوة بسيارته التي يرفرف عليها علم القيادة محصورا بين عربة الجيب التي يركب بها يوسف في المقدمة والطابور، ‏وعند‏ ‏اقتراب القوة‏ ‏من‏ ‏مصر‏ ‏الجديدة صادفت‏ ‏أيضا‏ ‏الأميرالاي‏ عبد‏ ‏الرؤوف‏ ‏عابدين، ‏ ‏قائد‏ ‏ثاني‏ ‏الفرقة‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏يسرع‏ ‏بدوره‏ ‏للسيطرة‏ ‏علي‏ ‏معسكر‏ ‏هايكستب، فأمر يوسف صديق أيضا باعتقاله وأركبه إلى جانب اللواء المعتقل من قبل بنفس سيارة اللواء، وساروا مع القوة ‏والمدافع‏ ‏موجهة‏ ‏عليهما‏ ‏من‏ ‏العربات‏ ‏الأخرى‏‏.‏ ولم‏ ‏تقف‏ ‏الاعتقالات‏ ‏عند‏ ‏هذا‏ ‏الحد‏، ‏فقد‏ ‏فوجئ‏ ‏يوسف‏ ‏ببعض‏ جنوده ‏يلتفون‏ ‏حول‏ رجلين‏ ‏تبين‏ ‏أنهما‏ ‏جمال‏ ‏عبد‏ ‏الناصر ‏وعبد الحكيم عامر، ‏وكانا-‏ ‏حسبما‏ ‏روى‏ ‏يوسف-‏ ‏في‏ ‏ملابس‏ ‏مدنية‏، ‏ولما‏ ‏استفسر‏ ‏يوسف‏ ‏عن‏ ‏سر‏ ‏وجودهما‏ حدث جدل بين جمال عبد الناصر ويوسف صديق، حيث رأى جمال خطورة تحرك يوسف قبل الموعد المحدد ضمن الخطة الموضوعة سابقا للثورة على أمن ضباط الحركة الأحرار وعلى إمكانية نجاح الثورة، ورأى رجوعه إلى الثكنات، لكن يوسف صرح له بأنه لم يعد يستطيع العودة مرة ثانية دون إتمام المهمة، وأن الثورة قد بدأت بالفعل حينما قامت قوة يوسف بالقبض على قائده اللواء عبد الرحمن النمكي ثم الأميرالاي عبد الرؤوف عابدين قائده الثاني، وقرر أنه مستمر في طريقه إلى مبنى قيادة الجيش لاحتلاله، ولم يكن أحد يعلم على وجه اليقين ما يتم ‏ ‏فـي‏ ‏رئاسة‏ ‏الجيش، حيث كان خبر الثورة قد تسرب إلى الملك الذي أبلغ الأمر للقيادة لاتخاذ إجراء مضاد على وجه السرعة.

وكانت قيادة الجيش- التابع للملك- مجتمعة في ساعته وتاريخه تمهيدا لسحق الثورة بقيادة الفريق حسين فريد قائد الجيش قبل الثورة، وقد حسم يوسف صديق الجدل بينه وبين عبد الناصر حينما أصر على مواصلة طريقه لاحتلال القيادة، وأغلب الظن اتفاق الرجلين على ذلك لأن عبد الناصر الذي استمر يراقب التحركات عن كثب وجه بعد ذلك بقليل بإرسال تعزيزات من أول الأجنحة التابعة للثورة التي تحركت في الموعد الأصلي اللاحق لمساندة يوسف بعد أن قام يوسف صديق مع جنوده باقتحام مبنى القيادة العامة للجيش والسيطرة عليه .

 

اشتباكات في مقر القيادة

بعد هذا اللقاء وفي الطريق ‏أعد‏ ‏يوسف‏ ‏خطة‏ ‏بسيطة‏ ‏تقضي‏ ‏بمهاجمة‏ مبنى قيادة الجيش، وبالفعل وصل يوسف إلى المبنى وقام ‏يوسف‏ ‏صديق‏ ‏وجنوده‏ باقتحام ‏مبنى ‏القيادة‏ بعد معركة قصيرة مع الحرس سقط خلالها اثنان من جنود الثورة واثنان من قوات الحرس، ثم استسلم بقية الحرس فدخل يوسف مع جنوده مبنى القيادة ‏وفتشوا‏ ‏الدور‏ ‏الأرضي‏ ‏وكان‏ ‏خاليا‏، ‏وعندما‏ ‏أراد‏ ‏الصعود‏ ‏إلى‏ ‏الطابق‏ ‏الأعلى‏ اعترض‏ ‏طريقهم‏ ‏شاويش‏ ‏حذره‏ ‏يوسف‏ ‏لكنه ‏أصر‏ ‏على‏ ‏موقفه‏ ‏فأطلق‏ ‏عليه‏ ‏طلقة‏ أصابته‏ ‏في‏ ‏قدمه،‏ ‏وعندما‏ ‏حاول‏ ‏فتح‏ ‏غرفة‏ ‏القادة‏ ‏وجد‏ ‏خلف‏ ‏بابها‏ ‏مقاومة‏ ‏فأطلق‏ ‏جنوده‏ ‏الرصاص‏ ‏على‏ ‏الباب‏ ‏ثم‏ ‏اقتحموا‏ ‏الغرفة، ‏وهناك‏ ‏كان‏ ‏يقف‏ ‏الفريق‏ حسين‏ ‏فريد‏ ‏قائد ‏الجيش‏، ‏والأميرالاي‏ ‏حمدي‏ ‏هيبة‏ ‏وضباط ‏آخرون أحدهم برتبة عقيد وآخر غير معروف ‏رافعين‏ ‏منديلًا ‏أبيض، فتم القبض عليهما ‏حيث‏ ‏سلمهما‏ ‏لليوزباشي‏ ‏عبد‏ ‏المجيد‏ ‏شديد‏ ‏ليذهب‏ ‏بهم‏ ‏إلى‏ ‏معسكر‏ ‏الاعتقال‏ ‏المعد‏ ‏حسب‏ ‏الخطة‏ ‏في‏ ‏مبنى‏ ‏الكلية‏ ‏الحربية‏.‏ وبذلك أنقذ يوسف صديق ثورة يوليو من الفشل في اللحظة الأخيرة.

و‏كان‏ ‏طبيعيا‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏يوسف صديق عضوًا‏ ‏في‏ ‏مجلس‏ ‏قيادة‏ ‏الثورة،‏ ‏وبقي‏ ‏كذلك‏ ‏حتى‏ ‏أعلنت‏ ‏الثورة‏ ‏أنها‏ ‏ستجري‏ ‏الانتخابات‏ ‏في‏ ‏فبراير‏ 1953‏ ‏وحسب روايته في مذكراته أن مجلس قيادة الثورة بدأ‏  ‏يتجاهل‏ ‏أهدافها،‏ ‏فحاول صديق‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏مرة‏ ‏أن‏ ‏يترك‏ ‏المجلس‏ ‏ويعود‏ ‏للجيش‏ ‏فلم‏ ‏يُسمح‏ ‏له‏ ‏بذلك ‏فاتصل‏ ‏بجمال‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏وأبلغه بأنه‏ ‏لا يمكن‏ ‏أن‏ ‏يبقى‏ ‏عضوًا‏ ‏في‏ ‏مجلس‏ ‏الثورة‏، ‏وطلب ‏منه‏ ‏أن‏ ‏يعتبره ‏مستقيلا‏، ‏فاستدعاه جمال ‏للقاهرة ‏ونصحه‏ ‏بالسفر‏ ‏للعلاج‏ ‏في‏ سويسرا ‏‏سنة 1953 ولما أراد العودة رفض طلبه فذهب إلى لبنان وهناك طلب العودة مرة أخرى فرفضوا وأرسلوا له زوجته علية توفيق وطفليها حسين ونعمت.

وفي قصيدته "من الجنة" يصف إحساسه المرير في الغربة خارج البلاد بعد قيامه بالعمل البطولي في ليلة 23 يوليو 1952حتى وصف نفسه بالشهيد الذي دخل الجنة.

 

يوسف صديق يرثي عبد الناصر بقصيدة "دمعة على البطل"

وعندما‏ ‏وقعت‏ ‏أزمة‏ ‏فبراير‏ ‏ومارس‏ ‏عام‏ 1954 اتخذ‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏ جانب محمد‏ ‏نجيب‏ ‏وتبنى طلبات كانت مصر قد تجاوزتها، فاعتقل‏ ‏هو‏ ‏وأسرته، ‏وأودع‏ ‏في‏ ‏السجن‏ ‏الحربي‏ ‏في‏ ‏إبريل‏ 1954 ‏ثم‏ أُفرج‏ ‏عنه‏ ‏في مايو سنة 1955 وتقرر تحديد إقامته في منزله بحلمية الزيتون إلى أن أفرج عن علية توفيق فذهب ليعيش معها وأولادها حسين ونعمت في عزبة النخل مع استمرار تحديد إقامته إلى أن وقع العدوان الثلاثي سنة 1956 فقاد يوسف صديق المقاومة الشعبية في عزبة النخل، ورفعت بعد ذلك الحراسة عنه.

وفي صيف 1970 أمر الرئيس عبد الناصر بسفر يوسف صديق إلى الاتحاد السوفيتي وكان يعاني من مرض السكر وارتفاع الضغط ولغط في القلب.

وفي أثناء فترة العلاج وفي يوم 28 سبتمبر سنة 1970 توفي الرئيس جمال عبد الناصر وتولى السادات الحكم، فأرسل من موسكو برقية عزاء للرئيس السادات وفي نفس الوقت تأييدًا له في الرئاسة، كما كتب قصيدة رثاء في جمال عبد الناصر بعنوان «دمعة على البطل» نشرت في ذكرى الأربعين للرئيس جمال عبد الناصر.

وفي 1/4/1975 شيعت جنازة البطل يوسف صديق عسكريًا.. وكتب الشاعر الكبير كمال عبد الحليم أبياتًا نُحتت على رخامة قبر يوسف صديق تقول:

ها هنا يرقـد مـن أيقظـنا
وافتدى مصر بصدر ينزف
ها هنا فارسـنا شــاعرنا
رافع الرايات حمرا يوسـف
فإلى يوم حساب صــادق
سيظل الشعب عينًا تـذرف

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز