عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

"الأدب الأفريقي".. الوجه الآبيض للقارة السمراء

"الأدب الأفريقي".. الوجه الآبيض للقارة السمراء
"الأدب الأفريقي".. الوجه الآبيض للقارة السمراء

كتب - عبد الحليم حفينة

جماعات من البشر تعيش حياة بدائية، لا توجد ثمة مظاهر حضارية تميز  حياتهم، غير الإحتلال والإستعباد، ربما تكون هذه هي الصورة الذهنية النمطية التي تشكلت عن الأفارقة في عقول الكثيرين.



في مجاهل أفريقيا؛ حيث الرجل الأسود الذي قاده حظه التعس ليكون أشبه بحدوة حصان الرجل الأبيض، ولسنوات طويلة ُأستعبد الأفارقة السود على يد الغربيين، وُأستخدموا كالحطب في موقد بناء حضارة الغرب، سواء باستعمار بلادهم وإنتزاع ثرواتها، أو باقتيادهم مكدسين أكوامًا في أقبية السفن القافلة نحو العالم الجديد في الأمريكتين.

قد يجانب وجهة النظر هذه الصواب بعض الشئ، لكن فيما يخص الشعوب وإرثها الحضاري لا تطلق الأحكام هكذا على عمومها، ولأن الأدب أحد أهم صور التراكم الحضاري للأمم، ومرآة تعكس التراث الإنساني بتجلياته المختلفة ، اخترنا أن نرى منه الوجه الآخر لأفريقيا.

 

 

"ثمة حقيقة هامة لابد أن نضعها في الذهن هنا هي وحدة الحياة الثقافية الأفريقية الحديثة، إنها وحدة تكشف عن أن الثورة السياسية والاجتماعية هي التي ألهمت الأدب الأفريقي الحديث"

 المستفرق الإنجليزي كلايف ويك

ميلاد جديد 

بإنتهاء الحرب العالمية الثانية ومع تغيُّر خريطة السياسة الدولية واشتعال فتيل الحرب الباردة التي بدت كحلبة صراع للقوى العظمى متمثلة في لاعبين أساسيين، هما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية،  طرأت تغيُّرات جديدة على وجه أفريقيا وامتد تأثير صراع الأقطاب الجديدة إلى داخل القارة لاستقطاب دولها لأي من المعسكرين.

 في ظل سقوط الإستعمار الغربي بصورته التقليدية المباشرة، وبداية المدّ الثوري من "القاهرة" إلى "كيب تاون"، إنطلاقًا من حركة الضباط الأحرار في مصر، إلى أن ُأعلن في عام 1960 وحده عن استقلال 18 دولة أفريقية، الأمر الذي استرعى أن يطلق عليه الباحثون عام أفريقيا، وامتد موج التحرر الهادر لتنال آخر جيوب الاستعمار الغربي استقلالها في ناميبيا عام 1990، بالتزامن مع بداية تحلل نظام الفصل العنصري -أبارتهيد- بجنوب أفريقيا بداية من عام 1990 إلى أن أجريت انتخابات عامة  ديمقراطية 1994.

 

 

"أفريقيا مصطلح جغرافي لا ثقافي، وثمة منطقتان ثقافيتان مختلفتان، لكل منهما تاريخ مختلف وتقاليد مختلفة: فمن ناحية يوجد شمال أفريقيا ومن الناحية الاخرى يوجد ما يسمى "أفريقيا الزنجية" أو "أفريقيا السوداء" أو "أفريقيا جنوب الصحراء"

 المستفرق الألماني يان هاينزيان

 

الإستفراق 

كانت هذه مقدمة مهمة لفهم السياق التاريخي  والسياسي الذي تشكل  فيه الأدب  الأفريقي الحديث، والذي عبر عن آمال القارة المتحررة لتوها بلغات المستعمرين، وقد كان هذه أمرًا لافتًا للباحثين الذي اعتنوا بدراسة هذه الظاهرة الجديدة والتي سميت بالإستفراق على غرار الإستشراق، وبالرغم من أن نشأة المصطلحين متقاربة زمنيًا وتحديدًا خلال القرن الثامن عشر، إلا أن الإستفراق لم يجد العناية ذاتها التي حازها الإستشراق، فلم تنشأ أقسام متخصصة لدراسته بالجامعات والمعاهد الغربية إلا في منتصف القرن العشرين.

وقد أحدث تعريف الإستفراق جدلًا واسعًا بين المتخصصين والدارسين، فبرغم إتفاق  أغلب المعنيين بالإستفراق على حصر نطاقه في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء أي إستقطاع منطقة شمال أفريقيا الناطقة بالعربية من حدود دراسته، إلا أن بعض الكتاب الأفارقة كان لهم وجهة نظر مخالفة وإن لم تغير في الأمر كثير، يقول الكاتب النيجيري الشهير تشينوا أتشيبي: "لا يمكن أن تحشر الأدب الأفريقي في تعريف صغير محكم، فأنا لا أرى الأدب الأفريقي كوحدة واحدة، وإنما أراه كمجموعة من الوحدات المرتبطة، تعني في الحقيقة المجموع الكلي للآداب "القومية" و"العرقية" في أفريقيا".

 ولم يتوقف هذا الجدل حتى وقتنا هذا، ولكن ربما ينقطع عندما يكون إنتاج الأدب  الأفريقي غزيرًا إلى الحد الذي يصبح معه لدى كل دولة أفريقية ملامح خاصة بأدابها تعكس ثقافتها بشكلٍ منفصل.

 

 

"الديكاميرون السوداء"

الأدب الأفريقي ككل آداب الأمم مرَّ بمراحل التكوين الأساسية والتي بدأت بالنقل الشفهي للحكايات والقصص والملاحم الشعبية المحلية، ومن ثم التدوين الذي تتفاوت عملية إتمامه من أمة إلى أخرى وفقًا لما وصلت إليه من حضارة، وقد حاول المستفرقون الأوربيون تتبع الحكي الشفهي في القارة السمراء، فكانت أول محاولة أوروبية جادة لجمع ألوان الأدب الشفهي الأفريقي في عام 1896 أعدّها المستفرق  الألماني أوجست سيدل في صورة كتاب ضخم تحتت عنوان "قصص الأفريقيين وحكاياتهم" ، وقد دعا سيدل القارئ في تقديمه للكتاب إلى رؤية الأفريقي المتوحش وتخيله وهو يفكر ويشعر ويتخيل وينظم الشعر مثل بقية البشر.

وتوالت محاولات نقل الأدب الشفهي الأفريقي من كلام تلوكه الأفواه إلى كلمات محفوظة في كتب، فجاء المستفرق الألماني ليوفروبنيوس، فنشر عددًا من الحكايات والقصص تحت عنوان "الديكاميرون السوداء" وهو عنوان مستوحى من الكتاب الإيطالي "الديكاميرون" أو "الليالي  العشر"، ثم جاء زميله ماينهوف بكتاب "حكايات خيالية أفريقية " نشره عام 1921، وعاد ليوفروبنيوس في عام 1927 لينشر كتابه الضخم "أطلانطيس" أو "القارة المفقودة" والمكون من 12 جزءًا في 4128 صفحة جامعًا بين ضفافه مئات القصص والأساطير والخرافات الشعبية.

وتعتبر محاولات سيدل وماينهوف وفروبنيوس هي التي لفتت الدارسين إلى التراث الأفريقي بشكلٍ واضح، وذلك بالرغم من وجود محاولات أفريقية مبكرة في هذا المضمار بدأت عام 1843، لكن تلك المحاولات لم تنشط ويشتد عودها إلا خلال الحربين العالميتين، ثم ما تلاها من ثورات الحرية والإستقلال.

 

 

4000 عنوان

بتتبع جذور الأدب  الأفريقي، نجد أنها ضاربة في أعماق التاريخ، فهناك كاتبًا مسرحيًا معروفًأ في التراث المسرحي الأوروبي في العصر الروماني هو ترنتيوس أو تيرنس، فقد جاء من أفريقيا عبدًا، ثم أعتقه سيده وخلع عليه لقب أسرته، وقد إحتفظ بكنية "الأفريقي"، وقد كتب تيرنس جميع أعماله المسرحية باللغة اللاتينية، ويقال أنه ولد بقرطاجة في شمال أفريقيا عام 185 ق.م ، بالرغم من أن صوره التي تخيلها المصورون بالإضافة إلى تفاصيل مسرحياته تخبرنا أنه من أصل زنجي، وعلى أي حال يعتبر تيرنس هو أول كاتب أفريقي يكتب أعماله بلغة أوروبية.

وبالحديث عن الأدب الأفريقي المدون لابد أن نستدعي قائمة المستفرق الألماني يان هاينزيان والتي نشرها تحت عنوان "الأدب الأفريقي الجديد: تأريخ للأدب عند السود"، وهي القائمة التي رصدها ابتداءًا من القرن السادس عشر حتى عام 1967، والتي ضمت ما يقرب من 4000 عنوان لكتب مطبوعة في شتى أنواع الأدب، وقد اختار يان أن يبدأ قائمته من القرن السادس عشر لأنه يرى أن أول كاتب من أصل زنجي أفريقي كتب أعمالًا بلغة أوروبية كان راهبًا برتغاليًا يدعى أفونسو الفاريز عاش في القرن السادس عشر، وتشير قائمة الكتب التي نشرها يان في مؤلفه إلى أن عدد الكتاب الأفارقة خلال هذه المدة 805 كاتب، أكثر من نصفهم كتب بلغات أوروبية  (425)، أما الباقون (380) كتبوا بلغات محلية في حين أن المؤلفات المنشورة لهم 900 عمل كتبت بلغات أوروبية، ونحو 560 مؤلف كتب بلغات أفريقية.

وقد شهدت تلك الأعمال إنقسامًا بين اللغات الأوربية واللغات الأفريقية المحلية  كما سبق وأشرنا، ومن أبرز اللغات الأوربية التي كتبت بها المؤلفات الأفريقية في الفترة التي رصدها يان:الإنجليزية، الفرنسية، البرتغالية، اللاتينية، الأفريقانية، الألمانية، الهولندية، والإسبانية، إلى جانب اللغات الأفريقية التي وصلت إلى 700 لغة منها 41 ذات أبجدية مكتوبة، ومن أهمها السوتو، الزوسا، الزولو، نيانجا، بيمبا، تسونجا، الترنسفال، وغيرها الكثير.

لم ينته الحكي عن الأدب  الأفريقي قطعًا بإستدعاء أصوله، وتلمس فروعه، فدروب الأدب الأفريقي تشعبت وبدأت تزداد تعقيدًا بتدفق النور إلى أفريقيا وإنتقال الحداثة إليها، منذ تحررها بداية من منتصف القرن الماضي إلى وضع بعض الدول فيها الأقدام على طريق التنمية والحضارة، وللحديث بقية عن أفريقيا وأدبها وأدباءها.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز