عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

العوائق التي تسهم في تحجيم الفكر التنموي المحلي

العوائق التي تسهم في تحجيم الفكر التنموي المحلي
العوائق التي تسهم في تحجيم الفكر التنموي المحلي

بقلم د. أحمد أبو غنيمة



تثير دراسة الفكر التنموي المحلي بعض التساؤلات منها هل المقصود بدراسة الفكر التنموي دراسة المشكلات المنهجية التي تواجهها التنمية؟ أم دراسة المشكلات العملية والعوائق التي تواجها المحافظات (المحليات)؟

في الواقع أن دراسة الفكر التنموي والتنمية تشمل الاثنين معا وفي إطار ذلك فإننا نبدأ في التعرف على جوهر المشكلة الاقتصادية وعلاقته بالتنمية والفكر التنموي، والتي تتمثل في تعدد الحاجات الإنسانية مع ندرة الموارد ندرة نسبية، حيث يسعى الإنسان إلى إشباع تلك الحاجات من خلال الموارد لكن هذه الحاجات (متعددة ومتجددة) في ذات الوقت الذي تتسم به الموارد (بالمحدودية والندرة) وهنا يظهر جوهر المشكلة في كيفية المواءمة بين تعدد الحاجات الإنسانية والموارد الاقتصادية ذات المحدودية والندرة.

وفي إطار السعي لتحقيق وإحداث تنمية اقتصادية، حيث شهدت السنوات المنقضية من القرن الحادي والعشرين العديد من المستجدات والتطورات ذات الارتباط المباشر أو غير المباشر بموضوع التنمية بشكل عام والتنمية الاقتصادية المحلية بشكل خاص ظهرت أهمية العنصر البشرى في الفكر التنموي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث إنه يعد العملة ذات الوجهين في الفكر التنموي والتنمية بشكل عام حيث يعتبر أهم مكون في الفكر التنموي كونه هو (صانع التنمية) وفي نفس الوقت هو (الهدف المنشود) من التنمية التي تعتبر بمفهومها الشامل هدفًا تسعى لتحقيقه كافة الأمم والشعوب لذا يحتل موضوع الفكر التنموي والتنمية أهمية كبيرة من قبل المتخصصين والمسؤولين والباحثين والمخططين في الحكومات والشعوب والمنظمات المختلفة لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة على كيان المجتمعات من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.. الخ وذلك على جميع مستويات التنمية سواء المحلية أو القومية والإقليمية الدولية.

وتعرف (التنمية) بأنها العملية التي يتم من خلالها التغيير في الجوانب المادية والغير مادية التي تحدث نتيجة فعل منظم يصحبه تغيير هيكلي مع زيادة في معدلات الإنتاج والخدمات وزيادة في متوسط الدخل مصحوبًا بتحسين الظروف المعيشية حيث تشمل التنمية تحسين وتغيير في النظام الاجتماعي والاقتصادي والفكري والتكنولوجي والعلمي وكذلك حماية الموارد المتجددة من التلوث والاستغلال الأمثل للموارد والحفاظ عليها، حيث تقدم التنمية مفهومًا أوسع من النمو والحقيقة أن مفهوم التنمية أوسع من زيادة الناتج المحلي الإجمالي بل إنها تشمل كافة نواحي الحياة.

من هنا يبرز مفهوم التنمية الشاملة والتي تشمل التقدم الاقتصادي والتغيرات الاجتماعية والوعي والثقافة حيث يرى كل من (مالكوم جبلز ﻭﻤﺎﻴﻜل ﺭﻭﻤﺭ) خبراء اقتصاديات التنمية أن هناك ثلاثة تغيرات أساسية في الهيكل الاقتصادي تشملها عملية التنمية الاقتصادية بخلاف ارتفاع نصيب الفرد من الدخل وهي ارتفاع مساهمة الصناعة في (GDP) وتزايد نسبة سكان المدن عن سكان الريف وأن يكون لسكان الدولة النصيب الأكبر في الإسهام في عملية التنمية الاقتصادية المحلية التي ينتج عنها تلك التغيرات الهيكلية بمعنى أنه يجب أن يكون (الفكر التنموي المحلي نابع من وحي المجتمعات بسواعد محلية) مرتكزا على ركائز محورية وهي (الولاء والمشاركة المجتمعية واللامركزية والشفافية والتقييم) التي من شأنها الانطلاق إلى المستقبل في إطار (مؤسسي تشاركي) لجميع أطياف المجتمع لخلق نماذج تنموية صالحة وقادرة على الاستمرارية لتلبية الاحتياجات الحالية والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة من خلال ربط الواقع النظري بالواقع العملي المهني والتجارب الناجحة والاستراتيجيات التي تتلاءم مع طبيعة الاقتصادات المحلية حيث إنه من أهم المشكلات المنهجية التي تواجه التنمية والفكر التنموي المحلي عدم الأخذ في الحسبان الطبيعة المحلية لكل مجتمع محلي إضافة إلى ذلك استخدام منهجيات واستراتيجيات غير متوافقة مع الاقتصادات المحلية المستهدفة وكذلك استخدام سواعد غير محلية في التخطيط.

أم المشكلات العملية والعوائق التي تواجها المحافظات (المحليات) والتي تسهم في تحجيم الفكر التنموي المحلي تتلخص في التالي:

1- محدودية التمكين والمساءلة والفاعلية على مستوى المحافظات حيث تمتلك المحافظات في الوقت الحالي صلاحيات محدودة فيما يتعلق بالتخطيط للأولويات المحلية وتمويلها والتي تتضمن الخدمات الأساسية كالنقل والكهرباء وتوفير المياه والصرف والتي تقوم الوزارات والمديريات الخدمية بالمحافظات والهيئات العامة باتخاذ معظم قرارات الاستثمار المتعلقة بالبنية الأساسية والخدمات في المحافظات والتي تفتقر بكل صراحة وموضوعية لإمكانيات التنبؤ والشفافية في عمليات تخصيص الموارد للمحافظات وعليه فعمليات اتخاذ القرار المتعلقة بالتخطيط للاستثمارات وتمويلها تتم بشكل جزئي وتنسيق محدود في غياب النظرة الشاملة والمتكاملة لأولويات المحافظات نحو التنمية المجتمعية والاقتصادية على الرغم من أن القانون ينص على العلاقة التشاورية بين المحافظات والمواطنين سواء في أولويات التخطيط وكذلك افتقار التعامل مع الشكاوى والتظلمات بفاعلية التي ما زالت محدودة حيث تتفاقم هذه المشكلة بسبب قلة الصلاحيات للقيادات التنفيذية ومحدودية القدرة المؤسسية والتنظيمية للكيانات الخدمية والمسؤولين بالمحافظات على الحل الفوري للشكاوى وتقديم الخدمات بشكل مرضٍ ومستدام وسريع بسبب المركزية الإدارية والمالية بل والمشكلة الأكثر إثارة المساءلة عن التنمية دون (تمكين) في اتخاذ القرارات التخطيطية والتمويلية مع عدم وجود تكليف واضح باللامركزية والتنمية الاقتصادية المحلية.

2- تعدد جهات الولاية والتداخلات والمركزية في نقل الأصول سواء للنفع العام أو للاستثمار.

3- الانخفاض النسبي لمستوى وجودة الخدمات العامة على الرغم من الإنجازات الملحوظة التي تتركز أغلبها في المراكز والقرى الرئيسية وليست بالقرى التابعة والتي لها مردود اقتصادي في توسيع وتنوع الاقتصاد قبل المردود الاجتماعي.

4- ضعف مناخ الاستثمار والأعمال حيث تعاني المشروعات من العقبات الإدارية وطول الفترات اللازمة للحصول على التراخيص والتصاريح والأراضي مثل الحصول على رخص التشغيل أو البناء أو الكهرباء.

5- عدم دمج الاقتصاد غير الرسمي وعدم التكييف والأخذ بالاعتبار للفرص المتاحة والمهدرة بالاقتصاد غير الرسمي.

6- قرصنة التمويلات الخارجية والمعونات من خلال التدخلات والتوجيه الخاص ببنود الإنفاق.

7- تدهور ثقافة المجتمعات المحلية تجاه الفكر التنموي المحلي وثقافة العمل الحر والخاص وكذلك مشاركة قطاع الأعمال.

8- النمو المتسارع للسكان وعدم استغلاله الاستغلال الأمثل من خلال اتباع منهجية ومنظومة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التكاملية وكذلك تنمية الحرف التراثية والقروض طويلة الأجل التي تعتمد على المنزل والأسر المنتجة حيث إن هذه المنظومة تعتبر (قاطرة التنمية الحقيقية) للنمو المتسارع كمثال لعدة مقاطعات في دولة (الصين).

9- إغفال منظومة (الحضانات) من احتضان أغلب الشركات الكبري المملوكة للدولة للمشروعات الصغيرة وتبنيها بالدعم والتمويل والدعاية والتشجيع من حيث مساعدة المشروعات الصغيرة في القدرة على المنافسة في السوق المحلي.

10- عدم تنمية الموارد البشرية والاستثمار في العقول البشرية ومشاركة السواعد المحلية في المجتمعات المحلية، حيث يتم من خلال التشجيع وضخ دماء وأفكار جديدة وكذلك ابتكار أساليب حديثة نابعة من وحي المجتمعات بسواعد محلية في كيفية الاستغلال الأمثل.

11- عدم الاستغلال الأمثل للكفاءات والكوادر ذات القدرات والخبرات المهنية والعملية في مجال التنمية والتخطيط.

12- عدم تفعيل منظومة (المشاركة المجتمعية) على أرض الواقع في تشريع الإجراءات والقوانين للمجتمعات المحلية حيث إنه من أهم قواعد وضمان نجاح واستمرارية الفكر التنموي المحلي هي (المشاركة المجتمعية).

وأخيرًا فإن ضمان عدم تحجيم الفكر التنموي المحلي على المستوى القومي المصري لا يتم إلا من خلال تبني الدولة رؤية واضحة تعمل بالتوازي لحل كل من المشكلات المنهجية، وكذلك تلاشي العوائق العملية لجميع المجتمعات المحلية في مصر لرفع قدرات الفكر التنموي المحلي، وبناء عليه فنحن نقترح أن تتبنى الحكومة الحالية تدشين مبادرة تحت مسمى (التنمية من وحي المجتمعات) لوضع استراتيجيات التنمية الاقتصادية المحلية لكل محافظة من محافظات مصر على حدة، وذلك لضمان الانطلاق إلى المستقبل في إطار (مؤسسي تشاركي) لجميع أطياف المجتمع لخلق نماذج تنموية صالحة وقادرة على الاستمرارية وتلبية الاحتياجات الحالية والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة في إطار عمل مؤسسي.


 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز