عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

هشام شوقي يكتب: قلم رصاص

هشام شوقي يكتب: قلم رصاص
هشام شوقي يكتب: قلم رصاص

بين فرحة أول قلم رصاص التفت حلوله أناملي، وحالة الشغف بأول كمبيوتر أسطر عليه الموضوعات الصحفية؛ رحلة من عقود، شهدت تحولات اجتماعية وسياسية، لكن أبرزها كان ثورة التكنولوجيا والمعلومات التي اصطحبتني إلى عوالم ساحرة، وبينهما أيضا رحلات للولايات المتحدة وأوربا.. احتكاك وتفاعلات مع الغرب الذي ننشد تقدمه بعد فقدان بوصلة العلم، وبزوغ أمل جديد في عصر العلم وأول مصري يحمل نوبل في العلوم.



كان مؤسسة علمية تتحرك على قدمين، تتحول فيها أحلام البشرية إلى واقع ساحر، إنه د. أحمد زويل الذي جعل الأمل يتحرك وسط بحيرة من الظلام الدامس يشق دائرة الظلام بشعاع من نور، رحل العالم الجليل وترك لنا الأفكار والمؤسسة لكنها تظل تجربة عزف منفرد في حاجة لحبل وريد من المجتمع وشباب حالمين متيمين بعشق الاكتشافات والصعود لمنصات التتويج.. ومنظمات الأعمال التي تحتاج لحلول العلم والمساهمات المادية حتى تؤتي ثمارها.

نحن "محلك سر"، رغم التحولات والتفاعلات التي شهدت بلادنا خلال أقل من عقد، ويبقى التعليم هو المعضلة الكبرى، يبقى بناء الإنسان هو الملف الأهم، فبناء الأمم يبدأ دائما من العلم وينتهي إلى التراكم المعرفي الذي تتركه الإنسانية للأجيال القادمة، علينا أن نعزف موسيقى متناغمة تساند في تغيير واقع التعليم، فالجميع ينشد العلم، علينا أن نوفر بيئة حاضنة لبناء العلماء من حق الجميع أن يحلم بتكرار نموذج زويل.

وفي اعتقادي أننا في حاجة ماسة إلى تغيير مؤسسي في بنية التعليم، فلا أميل إلى تعبيرات من قبيل "ثورة التعليم"، لأن الفعل الثوري من وجهة نظري هو فعل يؤدي إلى إهمال التراكم المعرفي، ويقوم على التغيير الجذري السريع دون خطط واضحة ومدققة، بينما العلم في حاجة إلى تغيير مدروس يتم بشكل مرحلي مدروس ويقيم خلال كل مرحلة لمعالجة السلبيات، وتعظيم الإيجابيات.

وعلى الراغبين في تنمية المجتمع وبناء الإنسان، تقديم الرؤية والفكر، ومناقشة ما يطرح، معتمدين على صوت العقل، مترفعين عن الصراخ، وتلك هي الآليات التي تبني الأمم، أكاد أرى بصيصًا من نور ورغبة لدى القيادة السياسية في تغيير الواقع، وأكاد ألمح مقاومة للتغيير ناتجة من الكلفة المادية التي تقع على كاهل الأسرة، وهو أمر دائما ما يحدث مع كل طرح لأفكار تطوير التعليم.

هنا أود أن أشارك الجميع السؤال، ربما نستطيع أن نفتح الباب لحوار قائم على رغبة وإرادة حقيقة للخروج من النفق المظلم إلى عصر العلم.

هل استطاع الإنسان منذ بدء الخليقة أن يصل إلى صناعة الطائرات والصواريخ، وشبكات المعلومات دون التراكم المعرفي وليد التجارب التي يتم بناؤها على نظريات علمية هي نفسها كانت تخضع للتجريب؟ لماذا لا نمنح الفرصة لمجتمعنا (الأفراد– الحكومة– مؤسسات المجتمع المدني) في إعادة النظر في منظومة التعليم، وتغيرها بشكل يتناسب وأبجديات العصر؟ لقد تعجبت كثيرا ممن يرفض آلية استخدام التابلت كبديل للكتاب المطبوع، وكأنها بدعة من عمل الشيطان، ومن يراها ضد الغلابة، وكأنه حالة تمييز ضد المجتمع، علينا أن نبدأ ونخوض التجارب، وتأتي مراحل الفرز والتقييم وتصحيح المسار متتابعة.

علينا أن نبدأ من تغيير ثقافة المجتمع الذي ينظر للعمل اليدوي على أنه أدنى من العمل المكتبي، علينا أن ننشر ثقافة الجودة وآليات العصر في التعليم، فالعامل الماهر أفضل مئات المرات من مهندس يحمل اللقب بحكم شهادة أصبحت مجرد جواز سفر للطبقة المتوسطة.

إن ألمانيا، هي أحد بلدن العالم المتحضر، استطاعت أن تبني اقتصادًا قويًا بسواعد الفنيين، فثقافة المجتمع الألماني تقدر العامل الماهر وتنظر له باعتباره صانعًا لمكانتها وسببًا جوهريًا في رفاهية المجتمع الألماني، يجب أن نقتنع بدور الفنيين الماهرين وأهمية دورهم في بناء المجتمع واقتصاد الدولة، يجب أن ننسى ثقافة (الوظيفة الحكومية).

افتحوا الباب، ساندوا شباب الصناع، لم نعد في حاجة كدولة ومجتمع للتخصصات النظرية بقدر حاجة مصر للصانع الماهر، الذي يمكنه قراءة كتالوج الماكينات بلغاتها، يدرس في المصانع المتقدمة أمام الماكينات، ويحصل على شهادته بناء على اكتساب المهنية والخبرة وليس مجرد الدراسة النظرية المرتبطة بالعملي (الشكلي)، يخرج لا يعلم شيئًا عن المهنة التي ذهب ليتعلمها لمجرد الشهادة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، نحن في حاجة لإعادة النظر في تخصصات المدارس الفنية، وإعدادها من جديد، وفقًا لرؤية رواد الأعمال ودراسة للسوق العالمي، فالعنصر البشري ثروة مصر تملكها بقوة يمكن أن تصدرها للعالم بأسره، وتتحول لقوة تدعم اقتصادها.

إن الثانوية العامة أصبحت مجرد (باب أكل عيش) سواء على مستوى مذكرات المحترفين من أمثال إمبراطور الكيمياء، وملك الفيزياء، شاهدوا ليلة امتحانات الثانوية العامة في سرادقات المراجعة، انظروا لولي الأمر الذي يأتي على ميزانية البيت في الطعام والصحة من أجل مراجعة حصة ليلة الامتحان، لقد تحول العلم لمجرد سلعة تباع داخل تلك السرادقات.

هذا المشهد المقيت لن يتغير بين ليلة وضحاها، فالتغيير يجب أن يكون مدعومًا بإرادة المجتمع والدولة معًا، يجب أن تتغير البنية التشريعية للتعليم، نحن في حاجة ماسة للتوسع في المدارس، وإلغاء مجموعة من التخصصات التي لم تعد مفيدة مثل الفني التجاري، وإحلال التخصصات المنتجة بدلا منه، نحتاج إلى تخصصات فني الأجهزة الإلكترونية المتطورة مثل الهاتف المحمول وأجهزة الكمبيوتر، وهنا لا أتحدث عن مجرد فني الصيانة بل عن صانع المكونات الدقيقة داخل تلك الأجهزة، فلننظر معا إلى المستقبل، وللحديث بقية مع الثانوية العامة. 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز