عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

غادة عبدالمنعم تكتب : قصة قصيرة

غادة عبدالمنعم تكتب : قصة قصيرة
غادة عبدالمنعم تكتب : قصة قصيرة

بدأ ذلك الحب من سن الخامسة، قد ذهبت مع أمي للتقديم في حضانة مجاورة للمنزل ورأيته، أسود اللون، ذا لمعة تخطف الأبصار، اتجهت إليه في لهفة وبدأت أصابعي تتحسسه، اللون الأبيض يحتضن اللون الأسود، وبكل ضغطة ينبع منه صوت يخطف القلوب!



وفي سن الثامنة من عُمرى، زُرت صديقة لي في بيتها ورأيته، فهي أيضًا كانت تعشق العزف، وسرعان ما توجَهت إليه وطلبت منها أن تعلمني أي مقطوعة، وقد كان، بدأت بـ"أهواك" لعبد الحليم حافظ، كانت أمي تراقبني في فرح، وهي ترى ابنتها تتعلم شيئاً جديداً.

خرجت وأنا في فرحة لم يسبق لها مثيل، في ذلك الوقت كنت قد انتقلت لمدرسة جديدة بالقرب من منزلي، وفي عادة الأمر لم أكن تلك الفتاة الاجتماعية التي تريد إنشاء صداقات جديدة، بل كنت أكتفي بنفسي صديقةً لي، وبقيت وحيدة في فترة حتى بدأت مرحلة التأقلم ولكن...

في يوم من الأيام قررت أن أذهب إلى غرفة الموسيقى لأتفحصها ووجدته هناك... يجلس وحيداً أيضا في الظلام دون صديق أو ونيس، دخلت في خفية دون أن يراني أحد، أخذت أنتعل الغُبار ثم بدأت أعزف بصمت، وتوالت الأيام حتى صارت غرفة الموسيقى هي مكاني المفضل، وأصبحت أحب الذهاب إلى المدرسة فقط حتى أُجالسه.

في يوم من الأيام كانت المديرة قريبة من الغرفة حتى سمعت صوتا من الداخل، اتجَهت إلى الغرفة وظلت واقفة في صمت حتى انتهيت من العزف، وبدأ تسألني:

-أنتي ليه مش قاعدة مع صحابك؟

-أنا قاعدة مع صحابي فعلاً

أخذت تنظر للغرفة ولم تجد أي أحد فيها غيري:

-هما فين دول!؟

-البيانو، هو صديقي الوحيد لي في المدرسة دي، بقعد هنا لوحدي كل يوم في وقت الفُسحة وأعزف عليه

أخذت تتأمل وجهي حتى أكمَلت:

- شكراً على انكوا عندكوا بيانو في المدرسة، شكراً أنكوا سابين الأوضة مفتوحة حتى لو مش مقصودة، بس أنا فعلاً لقيت صديق عمري في الأوضة دي!

نظَرت لي مُبتسمة وقالت لي قبل أن ترحل:

-لو في يوم لقيتي الأوضة دي مقفولة، تعالي خدي مفتاحها مني.

وذهَبت، بعد أن تركت كلماتها أثرًا جميلًا في قلبي لا أنساه حتى الآن.

وبعد مرور أيام كنت قد تعرفت على بعض البنات اللاتي يجدن العزف، فبدأن تعليمي أيضا حتى عُرض عليّ أن أشارك في فرقة الموسيقى المدرسية.. كنت في أقصى سعادتي وبدأ الجميع في المدرسة يعرفني بـ"عازفة البيانو."

لا أنكر وجود الأشخاص التي حاولت أن تجعلني أفقد الثقة في نفسي، ولا أنسى وجوههم العابسة التي كانت تنظر لي أثناء عزفي في تحدٍ منتظرة وقوعي في الخطأ، لا أعلم ما الذي سيعود عليهم من استفادة، ولكن أعلم أن الثقة في النفس أهم من وجود مشجعين يهتفون باسمك، فما معنى النجاح دون تحدٍ؟

وبمرور الأيام بدَأت دروس الموسيقى حتى أصبحت من أولوياتي.

والآن وأنا في سنة ١٩ من عُمري، وبعد مرور ١٠ سنوات ما زالت تلك الآلة تحتل مكاناً كبيراً في قلبي، وأصبح البيانو بمثابة طائرتي الخاصة التي أحلق بها إلى مكان بعيد عن همومي.. همومي التي لطالما ارتوت روحي منها.

 

 





 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز