عاجل
الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

ليباركك الرب أيتها الخنازير الصغار

ليباركك الرب أيتها الخنازير الصغار
ليباركك الرب أيتها الخنازير الصغار

كتب - عماد عبد المقصود

هكذا صاح الكاتب هنتر إس طومسون، مودعًا مدينة لاس فيجاس ثقيلة الظل، بعد رحلة صحفية مثيرة لتغطية حدث رتيب ممل، وهو سباق "المنت"، الذي كلفته به جريدة "سبورت الرياضية"، لترفض التقرير في نهاية الأمر، إذ اضطر السيد طومسون إلى ما درج على لسان المحررين "بضرب التقرير"، والخروج به عن سياق الحدث وتهميشه لصالح الانطباعات الذاتية، حول رحلة الوصول لتغطية الحدث، أو "البحث عن الحلم الأمريكي"، بحسب وصفه الساخر بعد أن غفا تحت تأثير جرعة زائدة من مخدر "المسكالين"، ليفوته السباق، ولكن بعد ذلك ولحسن الحظ أعجب به رئيس تحرير مجلة "رولينج ستون"، ونشره تحت عنوان "الخوف والقرف في لاس فيجاس"، في تقرير مطول من 2500 كلمة ابتدع بها نمطًا حداثيًا من الكتابة عُرف وقتها ب"الجونزو"، ثم تحوّل بعدها إلى رواية ثم فيلم سينمائي، يحمل نفس العنوان، بطولة النجم جوني ديب عام 1998.



ديدان العلق وبشر برؤوس سحال يلتهم بعضها بعضًا وديناصورات، تخوض راكضة في برك الدم الطازج، وخفافيش ضخمة وطيور أسطورية تصرخ بشدة وشهوة وعدوانية كبيرة، وأفاعٍ زرقاء تتلوى بداخل اللوحات الإعلانية الكهربائية، ونداء عاجل ليسوع من أجل إنقاذ البشرية، هذا هو العالم المثالي المحيط بالسيد طومسون، ما بعد تعاطي طوابع مخدر الأسيد، والمعروف بعقار الهلوسة "إل إس دي"، ويبدأ يومه عادة بتعاطي تلك المخدرات، ثم يتجول في حديقة منزله، مطلقًا الكثير من الأعيرة النارية من سلاحه الشخصي، فقد كان يعشق اقتناء الأسلحة بشدة.            

 مزيج كبير من المخدرات وحبوب المسكالين والإيثير والماريجوانا والمنشطات والمهدئات والمنومات

ومشروبات التيكيلا والبيرة وقطع الثلج وقيادة ماجنة لسيارة حمراء مكشوفة، لقبت بالقرش الأحمر العظيم، وصوت المسجل العالي، وهتاف "إلهي العظيم!" ما هذه الموسيقى المريعة؟

إضافة لحجز في فندق ومهمة صحفية، هي وسائل ضرورية وأساسية في رحلة البحث عن الحلم الأمريكي، سالف الذكر، لصحفي وصديقه المحامي - اللذين تجاوزا بالكاد عقدهما الثالث - والذي يتساءل بلهفة، "هل نحن هنا للاستمتاع أم لإنجاز مهمة؟".

كان وجود المحامي ضروريًا لتجاوز أية مشاكل مع رجال الشرطة والمرور، الذين كان يخاف منهم، ويحب الاحتكاك بهم بنفس القدر.

يؤرخ طومسون لفترة الستينيات في سان فرانسيسكو، والتي وصفها بالعصر الذهبي لامتطاء موجة ال"إل إس دي"، والشعور الماجن الساحر الناجم عنها، لاعنًا الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، الذي حرمها ومنعها، ثم عادت مرة أخرى بعدها بخمس سنوات، وكيف استقبلها بطل الرواية الصحفية.

الحديث هنا عن الموضوعية - في عالم ساد فيه اللامنطق - بكتابة "الجونزو"، لم يكن مقبولًا عند السيد طومسون، الذي كان يفرض ذاته في القصة الصحفية، معتمدًا على سرد ما رآه، خلال رحلة وصوله إلى الحدث المكلف بتغطيته، وتهميش الحدث نفسه، عبر تخطي الكثير، مما كان يعرف بالحواجز الأخلاقية واللغوية.

وفي ظل الثورة الوجودية المنتشرة بالهواء وقتها، والتي نجمت عن استحلاب طوابع ال"إل إس دي"، خلال فترة الستينيات، التي كانت تعج بالإضرابات العمالية، وتظاهرات الطلبة ضد الحرب على فيتنام ومسيرات المطالبة بالحقوق المدنية، كانت الأجواء متماشية تمامًا مع نمط حياة السيد طومسون الذي أهدى أول فصول كتابه لبوب ديلان، رائد الثورة الثقافية المضادة تحديدًا لأغنية "مستر تامبورين مان"، التي تناولت أثر المخدرات وعقار ال"إل إس دي" على وجه الخصوص. 

الصحافة الموضوعية المحايدة من وجهة نظره، هي ما تسببت بقدر كبير في فساد الوعي الجمعي، والحياة الثقافية بالولايات المتحدة، وربما هي التي تسببت أيضًا بانتحاره عام 2005 معترضًا عليها ورافضًا كارهًا لها. 

وهنتر إس طومسون، المولود في صيف عام 1937 كلف بتلك المهمة المسرود حولها تلك الرواية، التي بين أيدينا، والتي ترجمها للعربية عمار منلا حسن وحررتها إيمان حرزالله، ورسوم الفنان رالف شتيدمان، صدرت عن دار المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات.

 كان منتبهًا نشط الذهن، قضى زمنًا طويلًا تحت تأثير المخدرات - أحب القراءة لمؤلفات كل من أرنست هيمنجواي، وسكوت فيتسجيرالد - أحب أيضًا الكتابة تحت تأثير عقار ال"إل إس دي"، والذي أتاح لخياله عالمًا مغايرًا يحمل القدر الكبير من الدهشة، والرغبة والجموح والاحتمالات الأوفر. 

بعد أن تم تسريحه مبكرًا من الخدمة العسكرية، نظرًا لاعتراضه الدائم على فكرة الانقياد، شغل وظيفة عامل نسخ بمجلة "تايم"، يطبع التقارير الصحفية، وينقلها من مكان لمكان. 

كانت لقناعاته الجامحة الدور الأكبر في عدم استقراره وقتًا أطول بوظيفة ما لشجاراته واعتراضه المتكرر على رؤسائه بالعمل.

 واجه الكثير من المخاطر والتهديدات بالتشرد، بعد أن ترك عمله إلى أن حالفه الحظ بإسناد تغطية صحفية لمجلة "الأمة الأمريكية"، عن بعض راكبي الدراجات النارية المصنفة كجماعة خارجة على القانون، والتي تحوّلت بعد النشر لكتاب بعنوان "ملائكة" الجحيم، إذ قضي قرابة العام معايشًا لتلك الجماعة، ومبدعًا لمنهجه الجديد في الكتابة، راجيًا ألا يغادره مستر تامبورين مان.

 

 

 


 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز