عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

نشوى سلامة تكتب : الأوقات الضائعة

نشوى سلامة تكتب : الأوقات الضائعة
نشوى سلامة تكتب : الأوقات الضائعة

في قضاء الوقت قد يضيع مننا الزمن ويستحيل علينا استعادته، وقد نضيع نحن في الزمن ويُحرم هو علينا استعاده أنفسنا، ويُحرم علينا كل شيء، إلا من عاش في اللازمن خارج حدوده، ولم يعترف به، بل كفر به، فهذا الذى قد عشق ولم يدرك الزمن منه شيئاً، هذا الذى تاه في هواه .



وبعض من الهوى حرامه حلال، فمن ذا الذي يدرك عقله وهو من فرط العشق قد ثمل.

حيث يتوه العاشق وينسى نفسه كشارب الخمر، فلا ذهب في سُبَاتٍ ولا رغب في أن يستفيق من غفلةٍ، فصار كفاقد العقل لا جناح عليه ولا إثم ولا ذنب، يحسبه الناس من فرط الهوى قد أذنب، ذَاكَ الذى لمْ يُطاوعَ القدَرُ هَواهُ، فَأطاعَ قَدَرهُ لِيَحيىَ وأَمَاتَ هَواهُ، وماله ذنب وما للحرام معه مطلب  .

ذَاك الذي ظَلْ يَقاوم ما في نَفسِه حتٰى إذا ما تَحدثَ.. أُفْتُضِحَ.

وهذا حال من ينتوي الشيء بالعقل وهو يعلم أن القلب سيحول دون الأمر، فقد أخطأ حينما ظن أن عقله سيلوى قلبه عن شيء، ولم يدرك أن من يحرك جميع حواسه هو قلبه، وهو أدرى الناس بقلبه وما يختبئ فيه، فكلما اشتد عليه الأمر ترفق به عقله فعزز ما أراده قلبه ولم يغاير هواه.

ذاك الذي إذا ما ذكرها تاه في ماضيه وإذا سلاها فلا حاضر يعيش فيه.

ذلك من لا يستطيع أن يملك وقته ولا يدري بأي زمن يكون، فلا هو رجع إلى ماضٍ واستطاع أن يعيشه أو يستعيده، ولا هو يملك قراراً بطيئا هذا الماضي فعاش في حاضره، هذا الذي لا يستطيع إلا أن يعيش بخياله حتى لو لم يكن الخيال خليله، فيظل بين الزمن واللازمن، لا يذرك أي منهما، فيظل في التيه. 

ذاك الذي لا يستطيع أن يبرأ مِم أصاب قلبه فما حَيي أبدا.

وظل كالدُمى يتقن أدوارا مصطنعةً، علّ الحياة تشفيه مم أصابه أو عله يجد للوعته مطببا، ولكنه في حياته قد أخفق، فكيف لعليل قد أدمن الجوي أن يبرأ، فعاش وما عاش ولكنه ظل محتلا لسنوات برغبته وأبى قلبه أن يتحررا، عشق سجانه وبأسوار محبسه كان مغرما.

مثل هذا كمثل العصفور تركوا له باب القفص مفتوحاً ولكنه ظل حبيس قفصه وآبى أن يتركه فصنع لنفسه أسواراً بلا قضبان، تلاحم بها رغبةً منه أن ينصهر معها ويصبح محبوساً ومتألماً بما انصهر معه في جنباته، يرى الأفق الواسع في البعيد زحاماً ولا يسترح إلا لما يسكنه حتى لو كان قيدا، فقد عاش رُوحِه تُعَانق رَوحِها حتى إذا َنظَرها بعينيهِ لم يجدها، ووجدْ حَاله يُعانق سراباً، فما عَاشَ أبداً.

ذاك الذي لا يستطيع أن يعبر من أمسهِ ولا يطويه، يرى طَرفي الشاطي وآثر أن يغرقَ.

حال ذلك كحال العصفور وقد تحرر من القفص، وقرر إلا يظل حبيساً وأن يذهب لما يتوق له قلبه، لأنه لا يكتفى بأن يظل حبيساً لمن يحب بل يريد أن يتلقاه ويحلقا معاً، ولكنه ينزلق بهذا الحب ليفقد القدرة تماماً على النجاة، لقد أوقع نفسه ولم يستطع أن يتلمس بشاطئ يرسو عليه، فما طالت يداه أي طرف نجاة، ومع التيار تاه.

ذاك الذي ظل محتفظا بالحب في قلبه بينما لم يستطع الاحتفاظ بأكثر من ذلك

وهذا الذي استشعر الحب يملأ كيانه، ولكنه لا يستطيع أن يتعدى لأبعد من ذلك، فمن يحب وجب عليه أن يحيط من أحبهم يظلل عليهم يحميهم يدافع حتى يبقيهم، ولكنه لا يستطيع إلا فقط أن يحب دون أدنى مسؤولية تجاه من يحب، فعادةً يظل كما هو محتفظا بمشاعره بداخله لنفسه ولا يحتفظ بمن يحب، فأخفق، كالَذْي اكتَوى بِعِشْقهاَ و بِناَرَهِ حَرَقها، حتى صَارَ كِلِيهما كَالرَماد، فَتَناثْرا.

ذَاكَ الذي كَان لها النَهار بِنُورِهِ فَأمسىٰ وَغَاَبَ وَلَمْ يَترُك لها إلا ظِلهِ، أُغرِمَ بهاً، وكاَنتْ يوماً له، وأبداً ما كانَ لها، حال هذا كحال العشاق اللذين لم يدركوا الزمن إلا بعد أن أدركوا أنهم ناضاعو من عشقوا. 

 انتهت القصة فقد كانت أوقات ضائعة.


[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز