عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. نبيل بهجت: الأراجوز تجربة حياة

د. نبيل بهجت: الأراجوز تجربة حياة
د. نبيل بهجت: الأراجوز تجربة حياة

حوار - د. عزة بدر

"ما تفهمه أمي هو الثقافة" فهي التي عرفتني على عالم بديع خيري، فقد استمعت في طفولتي إلى أغنية "قوم يا مصري، مصر دايما بتناديك"، فسألت أمي عن كاتب الأغنية فقالت لي: "إنه بديع خيري"، ومن هنا عرفت أن هناك ثقافة حقيقية عند الناس لم نلتفت إليها التفاتا حقيقيا، وعندما استكملت دراستي الأكاديمية كان مشروعي للماجستير عن مسرح بديع خيري شغلتني ثقافة الناس، وما يؤثر فيهم من مؤثرات بشكل حقيقي، لذا كان فن الأراجوز على قائمة اهتمامي منذ طفولتي، وأصبح بالنسبة لي تجربة حياة فاستطعت أن أنقله ليكون على قائمة الصون العاجل للتراث اللامادي لليونسكو 2018.



هكذا تدفقت كلمات د. نبيل بهجت رئيس قسم المسرح بكلية الآداب– جامعة حلوان، وهو يحدثني عن حلمه الذي تحقق بأن يصبح فن الأراجوز على قائمة الصون العاجل لليونسكو، ومن فنوننا الشعبية ما تم وضعه أيضا على قائمة التراث اللامادي الذي لابد من صيانته حسب قائمة اليونسكو، وقد تمثل ذلك في السيرة الهلالية عام 2000، والتحطيب عام 2016 ثم فن الأراجوز 2018، وهو الحلم الذي سعى إليه نبيل بهجت على مدى 18 عاما.

* من شارع سعد زغلول في أبي كبير شرقية

ويقول د. نبيل: "رأيت عرض الأراجوز في طفولتي لأول مرة حيث كنت أسكن في شارع سعد زغلول في أبي كبير شرقية فسُحرت به وأحببته، علمني صاحبه لاعب الأراجوز أول حكمة في حياتي: "إن الفن عطاء"، فقد رأيت العرض مجانا في طفولتي، يقول أبي لأمي ولي تعالوا نتفرج على مسرحية، بينما كان يذهب معنا إلى المولد.

الشوادر والعروض المفتوحة سحرتني، وكل من يقول أن ليس لدينا من قديم الزمان مسرح فقد جانبه الصواب لأن المسرح بدأ عندنا شعبيا متمثلا في عروض خيال الظل والأراجوز، وحلقة الذِكْر فهي عرض أدائي، وزفة المولد وهي عرض مسرحي في الشارع، حبى للمسرح دفعني لدراسة أول مسرح مصري "الأراجوز"، و"خيال الظل"، وكان أن لفيت الموالد باحثا عن لاعبيه، كنت أريد أن أعرفه وأن أتعلمه.                 

                                   

في شارع محمد علي

ارتحل نبيل بهجت باحثا عن بهجته، عن الأراجوز ولاعبيه، منشغلا بهذا السحر الذي ملك عليه أمره، وشكل ملامح العطاء والابتسامة في طفولته، وعندما ارتحل إلى القاهرة لاستكمال دراسته العليا، كان حلمه معه، يقوده إلى خطواته الأولى في مشروعه العلمي الكبير، طرق صيانة الأراجوز كتراث شعبي لا مادي، فذهب إلى شارع محمد علي لمقابلة لاعبي هذا الفن الجميل، وقابل عم صابر المصري شيخ لاعبي الأراجوز، وذهب لمقابلة صلاح المصري وهو من لاعبي الأراجوز المهمين وكان يعمل في مولد فاطمة النبوية، وصابر شيكو الذي كان يعمل في مولد بحدائق المعادي، ومحمد كريمة الذي كان يعمل في مولد في الباطنية، ويقول د. نبيل "في البداية واجهت صعوبات لكن كان أهم قرار اتخذته هو معايشة فناني هذا اللون الساحر من الفن، وبعد ستة أشهر من المعايشة أصبحت مريدا لهذا الفن، وتعلمت مفرداته".

وكما يحمل لاعبي الأراجوز "الأمانة" وهي الجهاز المسؤول عن عمل صوت الأراجوز في فمه، حمل هو أمانة التوثيق لهذا الفن، ولاعبيه في قلبه، وأوثق محفوظاتهم، كان طموحي أن أصنع أرشيفا لهذا الفن، فقابلت العديد من الفنانين ومنهم: علي أبو زيد سليمان، ومصطفى الصباغ، ومحمود سيد حنفي، وصلاح بهجت، وبدأت أفكر في عمل صياغة مسرحية تعتمد على الأراجوز، وخيال الظل، والراوي، ومفردات شعبية أخرى، وبدأت أنتج عروضي بدخل من عملي، كنت أريد تكوين فرقة مسرحية، وأطلقت عليها اسم "ومضة".

شعار فرقة "ومضة"

ويضيف كان شعار الفرقة الذي آمنا به هو "أن لدينا ما نستطيع أن نعبر عنه"، وسافرت إلى دول عديدة بعروضي المسرحية، كان إيماني هو تصديقي أن الأراجوز هو مسرح في حد ذاته، قدمت ثلاثين ليلة عرض في أمريكا بالتعاون مع مسرح بلوم سبرج في بنسلفانيا ومكثت عاما هناك فقدمت 121 عرضا، وقدمنا الحوار بلغتين بنص عربي وآخر بالإنجليزية وقدمت العرض في عشرين ولاية.

وسافرت بالفرقة إلى ثلاثين دولة، وقمت بتنظيم معرض لعرايس الأراجوز التي كنت أشتريها وأجمعها كتراث من كل قرى مصر، وهناك بعض المتاحف في الخارج اقتنت بعض العرائس مما كان معي.

في بيت السحيمي

ويستطرد قائلا: وقد اهتم الفنان فاروق حسني عندما كان وزيرا للثقافة بتجربتي عندما قرأ عنها بعض الأخبار، وعرض علىّ أن أقدم العروض في بيت السحيمي، وبالفعل استمر هذا حتى الآن، نقدم عروضنا هناك كل يوم جمعة في السابعة مساء، وقد طلبت من فاروق حسني حينذاك تعيين لاعبي الأراجوز كفنانين في وزارة الثقافة، ومنهم من تم تعيينه كمشرف فني أو إداري، أو بأجر نظير عمل، وكان هذا أول اعتراف محلى بهذا الفن.

كنوز بشرية

وقد سافرت بالعروض المسرحية إلى بلاد عربية كثيرة، وتم تكريم عم صابر المصري شيخ لاعبي الأراجوز كأحد الكنوز البشرية الحية من خلال الهيئة العربية للمسرح.

ثم بدأت العمل على تقديم ملف "فن الأراجوز" لأقدمه إلى اليونسكو، لتضمه اتفاقية حماية التراث اللامادي فاتصلت بالجمعية المصرية للمأثورات الشعبية التي يرأسها د. أحمد مرسي لتقديم الملف من خلال الجمعية، وقد ضم الملف مجموعة من الأسئلة عن ماهية هذا الفن وطبيعته، وطرق ضمان استمراره، والجهود السابقة للحفاظ عليه، وجهود فرقة "ومضة" والخطة المستقبلية للحفاظ على هذا الفن عن طريق عمل مدرسة للأراجوز، وتم قبول الملف في اجتماع أممي لرعاية الفنون الشعبية، في موريشيوس، وهذا في رأيي يوازي القيمة المعنوية لجائزة نوبل، وتم وضع فن الأراجوز على قائمة الصون العالج لليونسكو.

كانت تلك رحلة وصول فن الأراجوز من شارع سعد زغلول بأبي كبير شرقية إلى اليونسكو حيث بدأ الحلم بفكرة ورعاه اهتمام وصقلته دراسة، وتوّجه طموح فوصل من المحلية، من فنوننا الشعبية في القرى والمراكز والنجوع والأحياء الشعبية إلى العالمية، وهو ما يؤكد دور المثقف العضوي الذي يسهم بحق في خدمة الثقافة، ورعاية الفنون والتراث.

فإذا ما عدنا إلى الكتاب المهم الذي أصدره نبيل بهجت عام 2012، وطبع في المجلس الأعلى للثقافة، وهو بعنوان: "الأراجوز المصري"، الذي أهداه إلى حملة التراث جيلا بعد جيل وإلى الذين آمنوا بأن لدينا ما يعبر عنا، وإلى العالم المثال والنموذج أسعد نديم مرسى لجهود نبيل بهجت، وعن هذا الفن الجميل، فيقول د. مرسى في تقديمه للكتاب أن المجموعة أو الفرقة " ومضة " لن تكون بريقا

خاطفا بل ستتراكم وتتوهج لتصبح نورا ساطعا يملأ الحياة بهجة، ويثري الوجدان والعقل بما ينفع أهل مصر، والإنسان في كل زمان ومكان.

وهذا ما حدث بالفعل، وتحقق بعد عامين من صدور الكتاب.

تجربة حياة

ويقول نبيل بهجت في كتابه: "لم تكن تجربتي مع الأراجوز وخيال الظل مجرد دراسة أتقدم بها لنيل درجة علمية أو أقدمها للقارئ بل كانت تجربة حياة بدأت منذ عشر سنوات، واستمرت حتى هذه اللحظة، أحيا بها ومعها محاولا إعادة هذه الفنون إلى الحياة مرة أخرى لإيماني الشخصي بأن التراث الشعبي أحد مصادر تشكيل الوعي المصري والتأريخ للذاكرة المصرية" مؤكدا إمكانية الاعتماد على التراث الشعبي كمصدر للتاريخ حيث لم يهتم التاريخ الرسمي بأولئك المهمشين الصناع الأصليين للأحداث.

إنها رحلة فن الأراجوز، تجربة حياة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز