عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

نشوى سلامة تكتب: آخر السنة

نشوى سلامة تكتب: آخر السنة
نشوى سلامة تكتب: آخر السنة

وعندما يسألك أحدهم، وماذا عنك وما هي أخبارك نجلس، ونقول كان عامًا ثم نصمت قليلا، لا ندري بماذا نخبر نود أن نحكي كل الجمال والفرح، الذي أدخل السرور إلى قلوبنا، ونحاول أن نخفي كل الألم الذي قد أحل بنا ومنع ضحكة لنا، واحتل جزءا من داخلنا فجعلنا نبهت ونرتبك ولا نستطيع الإجابة، إذا ما سألنا أحدهم، أو تراكمت الأحداث الصعبة في مقدمة رؤوسنا فأحدثت تشوشاً لأي لمحة من لمحات النور، التي مرت بنا فنكتفي بالابتسام، ولكنه ابتسام ينقصه كثير من رتوش السعادة.



وهل لهذه الدرجة من الصعوبة أن نستطيع ذكر حالنا، هل كانت الأيام تمتلئ بالزخم المختلط المؤثرات لكي نحارُ في أمرنا ونسكت عن الإجابة، جميعنا يرد فقط بحمد الله وشكره، ويعلم الله ما بداخلنا، ويعلم أننا بين تسليم كامل لما حل بنا وتسليم كامل أيضا لما سوف يأتينا، ولكن يتملكنا بعض الخوف مما سيكون، ربما نخشى ألا نتحمل كما تحملنا من قبل، وربما نخاف أن نذكر مواجعنا حتى لا نجدد العهد بها وحتى لا نستدعيها مرة أخرى، وحتى لا تحمل إلينا ذكرى وأسباب نخشى عودتها، وألا تكون قد كانت، وأنها لا تزال، وقد آثرنا أن نصمت فقط كغض للطرف.

بالفعل أيامنا مليئة ومتشابكة، ومتشابهة أيضاً ولكنها تمُر نرى منها الكثير،  وتستعرض هي علينا بالكثير، ولكنها تَمُر، نتحمل  بقدر ما تلمس أيادينا منها، وتختلف درجات تحملنا، فما تستطيعه أنت ليس بالضرورة أن يستطيعه غيرك، والعكس صحيح، لو واجهت نفسك كل ليلة، بما صادفت في يومك على مدار عام كامل، وحاولت تقييم حالك ستجد نفسك كل يوم تزداد تحملا ًعما قبل، وتزداد استصغاراً للأمور، وترى أشياء لم تكن تراها من قبل لم يرسلها الله في طريقك ليشقيك ولا لكي يعجزك عن حياتك والاستمتاع بها، بل وضعها الله لك لكي تتعلم وتنضج، لكي تختبر قدرتك على المقاومة والصبر، لكي تعلم من حالك، كيف هو حالك، لكي تستطيع الإجابة في أي وقت دونما حالات الصمت والاختباء.

والآن هل تستطيع أن تحكي لي كيف هو حالك، هل مرت بك ضائقة مالية فعجزت عن شراء أغراض لازمة لك فأثر ذلك في نفسك، وعلى من حولك فحزنوا، وسخطوا على الأيام وزادهم هماً على هم، وانعكس ذلك على وجوههم ببعض من العبوث، فعلا  لك كل الحق أن تعجز عن الإجابة لأنك تحمل هماً، هل مررت بأزمة عاطفية بذلت فيها من مشاعرك وخفقان قلبك، وتشعر بأن جرحك ينزف وأن جذوة الشوق لنصفك الآخر لا تزال تشتعل بداخلك،  وأنت غير قادر، وأن التياعك قد أصابك باعتلال جسدك،  وأنك فقدت شهيتك وفرحتك، وضاعت منك ابتسامتك، وأصبحت كالشريد تجلس وسط الناس،  ولا تراهم  ولا يسيطر عليك غير فكرة واحدة، وهى الاشتياق الذى لا تبرأ منه أبدا، فعلا لك كل الحق أن تعجز عن الإجابة أنت أيضا، لأنك تحمل هماً، هل فقدت عملك مثلا، فأصبحت بلا وظيفة تضمن لك أكل العيش وأنت مسؤول عن نفسك وعن أسرتك ولا سبيل غير وظيفتك إليك، لك أيضاً الحق أن تحمل هماً، هل أنت في نزاع دائم مع المحيطين بك في منزلك أو عملك أو حتى ذويك ولا سبيل أبداً لتهدئة الحال بينكم وتظل نفوسكم دائماً في حالة شقاق وعصبية مزعجة توتر أيامك وترهق نفسك، لك أيضا كل الحق أن تحمل هما، ماذا أيضا يمكن أن أذكر من أمثلة لكي أعطي لك مبررا، لأن تظل تتوارى وتهرب من الإجابة.

هل فقدت أحدهم، هل فقدت عزيزاً لديك الى الأبد، ولن تستطيع ما استطعت أن تعيده، هل ماتت دقات من قلبك مع موت أحدهم، هل تجرحت عيناك بكاء وحزناً حينما ذهبت إلى هناك معهم، ووجدت نفسك تعود وحيداً بدونهم، هل مر عليك ذلك، وكيف مر وهل تعلم ما عزاؤك الآن، عزاؤك أننا حينما نذكره نقول في صيغة الماضي أنه بالفعل مَر فلقد استوعبنا، وأدركنا أنه مرَ، لك أيضا كل الحق أن تحمل هماً، سأكتفي الآن وأطرح عليك آخر أسألتي.

هل لديك مريضاً يتألم وتعرف أن مرضه قد أعجزك وأعجز الأطباء، وتعلم أن آلامه مبرحة، وتعلم أن صمته ليس لهمٍ، ولكن لعدم الاستطاعة، ولا القدرة لأن يتفوه بحرف واحد، هل سقطْت أنت نفسك مريضاً ضعيفاً لا تقوى من حالك على حالك، هل نسيت وقتها كل معاناتك السابقة وهمومك المتكررة، وتوحد كل من فكرك ومشاعرك ورغبتك في شيء واحد، وهو أنك تريد أن تشفي وأن تتخلص من ألم لا َيمُر، من ألمٍ لم يمر من قبل بأحدٍ ولم يعرف أحد كيف السيطرة عليه وإلى متى يستمر ومتى يتوقف، لن أزيد في وصف هذا الألم لأنك بالفعل لن تتحمل مجرد الاستماع، ما بالك الألم، هل ستظل تعجز عن إجابة السؤال عن كيف هو حالك، أم ستستعيد طاقتك من داخلك وتجيبني، هذا المقال لن أكتب له فقرة نهاية، سأترك لك ولكل من يقرأه أن يكتب فقره بما يتناسب مع حالة، وعن نفسي لن أقول إلا الحمد لله على ما جعلني أستصغر أموراً كنت أحسبها جثاماً، وهي في حقيقة الأمر هينة، والحمد لله الذي هون علينا كل صعب مرّ بنا، وأنه قَدرَ لنا أن نستطيعه ونهونه على أنفسنا، وأن الخير كله من عند الله وحكمته  بالغة ونرضى بالأمر كله.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز