عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

نشوى سلامة تكتب: بين التعليم والتعلم

نشوى سلامة تكتب: بين التعليم والتعلم
نشوى سلامة تكتب: بين التعليم والتعلم

كل حاجة في حياتنا لازم تحمل شكل ومعنى الاختلاف، ربنا خلقنا مختلفين لا يجوز لنا أبدًا أننا نضع أنفسنا في قوالب متكررة لأي سبب من الأسباب وإلا هنبقى مسخ لا روح له، من أول اللي بنشوفه في الشارع من موضة الأزياء مثلا حتى خطواتنا تجاه التعليم، ولم أقل التعلم لأن هناك فارقا كبيرا بين التعليم والتعلم، وإذا كان التعليم لدينا في مصر حق مكفول للجميع حسب الدستور، ولا أدرى لماذا، فالناس يزجون بأولادهم في مدارس ويهتمون بانتقالهم عبر مراحل التعليم المختلفة وحتى الجامعة وهم مقتنعون أنهم قد أدوا رسالتهم على أكمل وجه، وهذا بالتأكيد ما في استطاعتهم لأنهم لم يجدوا بديلا  أفضل وأيضا ما يتناسب مع نفقاتهم ولو أن هذه الطرق هي من ترهق نفقاتهم وتراهم يدبرون للأمر وكأنها إعدادات حربية لحرب ضروس لا تحتمل إلا الانتصار أو يصيبهم الانكسار طيلة حياتهم.



يستهدف الأهالي دائمًا أن يصل أبناؤهم إلى أعلى الدرجات العلمية، ومن ثم فلا بد لهم من دخول جامعات ليصبحوا طلبة جامعيين، وتكون سُبة وعارا إذا لم يحصل الطالب على ما يؤهله لهذه المرحلة، لا يهم إطلاقا كيف وصل ولا كيف عانى وأهله حتى يصل، المهم أنه طالب جامعي بمعنى طالب متعلم وليس جاهلا مثلا أو أنه متعلم على قده كما يطلق على هؤلاء الذين لم يحصلوا على تعليم جامعي، ولا أدرى ما العيب في مصطلح (على قده) إذا كانت حياتنا كلها لازم بالفعل تمشى بالقانون ده، قانون (على قده). بمعنى لماذا نرتدي ملابس لا تناسبنا، لماذا نرتاد أماكن لا تناسبنا، لماذا نشتغل بأعمال لا تناسبنا ولنا أن نقيس على ذلك نواحٍ متعددة في حياتنا.

أليس من الأفضل أن نعيش دائما ما يليق لنا وبنا حتى لا يتعدى سقف طموحنا مداه فنصبح مثل من رقصوا على السلالم، ونصاب بالإحباط لأننا وضعنا أنفسنا في قوالب لا تناسبنا أبدًا، وهذا ليس تكسيرا ولا هدم طموح إطلاقا، لكن هو فرز وتجنيب لمن بالفعل يستطيع أن يعمل على نفسه وصولا إلى طموحه، لكن هل يعقل أن يتساوى ويتشابه الطموح لدى الجميع لأن معطياتهم مثلا واحدة، أو لأننا مواطنون لنا حق في الدستور للعيش والتعلم، إذن نرجع لنشأتنا ونسأل لماذا خلقنا الله مختلفين؟

كل ما تحدثت به سابقًا لا يكفي لأن يكن مدخلا للتحدث عن فكرة وطريقة التعليم وتناوله بيننا، سأتحدث مثلا عن فترات مضت كنا فيها جميعنا نستقي نفس المنهج أمام نفس المعلم وتدرجنا في المراحل التعليمية لكن لم نكن نفس المجموعة، لقد تخلف عننا البعض، وسبقنا البعض الآخر، ويبحث الأهالي هنا عن أبعد سبب ويطرحون السؤال العقيم الذي هو سببًا رئيسيًا في إفشال أبنائهم وتحطيم طموحهم من البداية، ألا وهو (وأنت تفرق إيه عن فلان علشان يبقى أحسن منك) وأحسن منك دي كفيلة تخلي الطالب ينتحر حزنًا، ويقتل في طريقه كل ما كان يحلم به لنفسه وليس حلم أهله ولن يحتاج إلى أي وسيلة أخرى للانتحار.

قدرات الطالب تختلف عن آخر حتى لو توافرت له كل السبل، الطالب الذي يعتمد على أن له قدرة الحفظ يمكنه أن ينجو من حرب التعليم وساحاته لكنه سيجد نفسه تائهًا بعد ذلك في ساحة الواقع، الواقع الآن يفرض علينا أن نكن مبتكرين، أن نجد حلولا، بل نصل لأفضل الحلول وهذا الذي يحقق معدلات نجاح عالية تفرق بالفعل بين شركة وأخرى، نفترض مثلا أنهما يتنافسان للحصول على مناقصة عمل، وإلا لماذا تقام المناقصات، وإذا كان قديمًا تدار الأمور هكذا بالتوصيات فقد كان وأتمنى أن يظل ماضيا، أما إذا كنا نهدف للعالمية وللتقدم علينا ترك ذلك تمامًا وأن نعمل على التمايز والتنافس الابتكاري الذي بدوره يختار من المجتمع من هم يستطيعون بالفعل، حتى لو تم وضعهم تحت ضغط وطُلب منهم أن يوجدوا حلولا  بناءً على ما تعلموه سابقًا وعلى ما أمامهم حاليًا.

هذه هي طريقك التعليم التي يتكلم عنها الناس حاليًا كموضوع للنقد، وكأنهم لا يريدون أبدا لأبنائهم سوى موضوع القوالب المتكررة، طريقة الاختبارات الجديدة التي نحن بصدد تطبيقها بل تم تطبيقها بالفعل وهي (الكتاب المفتوح) تتيح للطالب الذي استذكر وفهم أن يعرف جيدًا من أين يستكمل معلومته، من أين يبحث وفي أي موضوع، لن يكون هناك نقلا بالحرف حتى تصبح الإجابة نموذجية ليحصل على الدرجة، بل سيكون هناك تقدير بين من وضع فهمه بشكل متميز ومن وضع فهمه بشكل لا يحمل أي ابتكار أو تميز، من منهم يستحق أن يحصل على الدرجة ويقال عليه بالفعل يستحق النبوغ والتفوق، وأذكر هنا مثلا طلبة الشهادة الإنجليزية (IG)ولن أتحدث عنها داخل مصر لأنني رأيت هنا ملازم مع كل الطلبة للاستذكار يعني قوالب متكررة، بينما خارج مصر وجدت أن الطالب يحصل على كتبًا يختارها بنفسه من المكتبات تتكلم عن الموضوع قيد الدراسة، أما عن الاختبارات فهي تأتي مختلفة من ثلاث نسخ وكل طالب وحظه، وعلى كل طالب أن يفكر في حلول تؤهله لاجتياز الاختبار، وهنا لم تتشابه طرق الحصول على المعلومة، وكذا الأسئلة، وبالتالي الإجابات، وفي النهاية نجد تغايرًا في نتائج هؤلاء الطلبة ونجد أن الجميع قد حصل على حقه تمامًا بنفس قدر مستوى تفكيره وتميزه، فلماذا نرفض هذه الطريقة.

أنا أدعم ما يحاول الدكتور طارق شوقي تطبيقه في التعليم في مصر، صحيح أن أولادي قد أنهو مراحل التعليم، لكنني كنت طيلة السنين لدى أملا في أن يتغير الوضع القائم، لماذا يحفظ الطالب كل هذه الأرقام، والمعادلات والرسومات، لماذا لا نكتفي بأنهم يعرفون كيف تستخدم ومتى، لماذا أكدر ابني لأنه غير بارع في رسم ذلك الجزء بينما هو ممتاز في وصفه الدقيق لأجزاء الرسمة ووظائفها، لماذا أرهق ابنتي في حفظ معادلات وعقلها لا يستوعب تلك الرموز لكنها قادرة على تطبيقها متى وكيف وبكل كفاءة، هذا هو بعينه نظام اختبارات الكتاب المفتوح، أمامك كل شيء الآن ومن قبل، أرني أيها الطالب كيف ستظهر نفسك أمام ما يطرح عليك وكيف ستتميز بفكرك لا بحفظك؟!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز