عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

دينا أبوالوفا يكتب: مواجهة النفس

دينا أبوالوفا يكتب: مواجهة النفس
دينا أبوالوفا يكتب: مواجهة النفس

كنت قد كتبت خاطرة منذ بضعة أيام عن "فن المواجهة"، وكيف لنا أن نواجه شخصًا ما بحرفية وإتقان، وما هي الخطوات التي يجب اتباعها والقواعد التي يجب مراعاتها. ....



فعدت لأقرأ تلك الخاطرة من جديد، لا أدرى ما الذي دعاني لذلك!؟ فقلما أعود لأقرأ خاطرة قد سردتها بقلمي الجريء، فجرأتي تفاجئني في أحيان كثيرة وتتركني أتساءل "من أين أتتني تلك الجرأة.. بل وتلك القوة من أين جاءتني!!".

وبعدما أكملت قراءتها، أدركت أنى قد تناسيت، وربما غاب عنى أمر هام للغاية، لم أنوه عنه ولم أطرحه للنقاش، ففن المواجهة لا يقتصر فقط على مواجهة الغير، بل يتضمن أيضًا "مواجهة الذات"، "مواجهة النفس".

نعم مواجهة النفس، ربما كانت مواجهة الغير شاقة، ولكن مما لا يدع مجالًا للشك أو التفكير، فان مواجهة الذات أشق بآلاف المرات.

أن تقف أمام نفسك تحاورها، تتجاذب معها أطراف الحديث، تناقشها، تجادلها، أن تتفق معها أحيانا، وتعارضها أحيانا أخرى، أن تصارعها وتصارعك، أن تثور عليها وتثور عليك، أن تتصارعا وتتخاصما وربما بالأخير تتصالحا أمر ليس بالهين.

يعود ذلك إلى حقيقة أنكما حين تنتهيا من كل ذلك الشد والجذب، سيتحتم عليكما لا محالة أن تتعايشا مع بعضكما البعض، أن تتأقلما، وتصلا معًا إلى نقطة التقاء في المنتصف، حيث تتصالحا مع بعضكما البعض لتنعما بالراحة والسكينة، أي تصل إلى مرحلة "التصالح مع نفس".

شيء ليس بالضروري عند مواجهة الغير ... فربما كان الفراق بينكما أحد الخيارات المطروحة

أما إذا ما قررتما الخلاف أنت ونفسك... فهنا سيفسد الخلاف للود قضية !! وتتوها معًا في دروب الحيرة والمشقة تمامًا كمن علق في "متاهة" لا يهتدى إلى طريق الخلاص.

وعليه فقد تحتم علينا مهما صعب الأمر وربما أوجعنا وآلمنا، أن نواجه أنفسنا بشجاعة، بكل الحقائق الماثلة أمامنا في الحياة، فالإنكار لا يفيد من اكتملت الدلائل ضده وثبتت عليه التهم المنسوبة إليه.

سنجد أنفسنا وقد تحتم علينا تارة أن نقر بأن بعض أحلامنا لن تتحقق، وعلينا أن نفلت يدنا من يدها، فهي لا تفعل شيئًا سوى أنها تجذبنا إلى الوراء وتعود بنا عشرات الخطوات في طريق لم يكتب لنا، وعلينا أن نستبدلها بأحلام أخرى، ونسير معها على درب مختلف.

علينا أحيانًا أن نعترف أننا أجرمنا في حق أنفسنا وأخطأنا في اختيار بعض رفقاء الدرب والأصدقاء، أننا منحنا حبًا واهتمامًا اصدق بكثير مما منحونا إياه، إننا أسكناهم منزلة أرقي وأسمى بكثير من تلك التى أسكنونا إياها.

إنهم كانوا لنا أمرًا مفروغًا منه لا غنى عنه، وكنا لهم اختيارًا بين قائمة اختيارات لا نهائية.

صدقوني أعلم جيدًا كم هو قاسٍ هذا الاعتراف.. كم هو مؤلم.. كم هو موجع.. يذبحك بسكين بارد.. ولكن ما العمل، ما باليد حيلة، عليك بالتخلي والابتعاد حتى وإن رأيت عالمك يفرغ من حولك بعدما رحلت عنهم.

فالشعور بالفراغ في غيابهم أهون بكثير من الشعور بالفراغ في وجودهم، أن تتخلى عنهم أهون بكثير من أن تتخلى عن نفسك وتفقدها في سبيلهم، ربما ذكرت هذان المثلان بالتحديد لأني ارتشفت سمها طوعًا مرارًا وتكرارًا ظنًا منى أنه شهد وترياق.. فكانا أول الحاضرين إلى ذهني. 

ولكن ستبقى حقيقة أن المواقف الموجعة كثيرة وستظل مواجهتها أمرًا حتميًا وشرسًا، ومواجهة نفسك بها أمر أشرس بكثير.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز