عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

عفوا لستِ "كارمن"!

عفوا لستِ "كارمن"!
عفوا لستِ "كارمن"!

كتب - هند سلامة

"كارمن" الغجرية متقلبة المزاج والعواطف السيدة التي قررت التحرر من قيود الأشياء حتى لو كان العشق ذاته؛ صاحبة الامتياز في إغواء الرجال، قدمتها الممثلة سما إبراهيم في عمل مسرحي بعنوان "أنا كارمن" كنوع من المجاز والاستعارة لبناء رؤية مسرحية حول هذه الشخصية؛ قدمت سما هذا التقلب المزاجي في شخصيات نسائية متنوعة ففي بداية العرض تدخل عاملة نظافة تهيئ المسرح لاستقبال عرض "أنا كارمن" ثم تروي هذه السيدة المشاكل والخلافات التي تواجهها داخل المسرح بعدها تدخل سيدة أخرى وهي نفس الممثلة، المتمثلة في الفنانة صاحبة دور كارمن وبين السخرية والتهكم من وضعها كممثلة تواجه أزمة مع المسرح لخروج هذا العرض إلى النور بسبب البيروقراطية الشديدة، تتحول سما إبراهيم إلى نساء عديدات امرأة فلسطينية تشكو من عذاب فراق زوجها بسبب سجنه على يد الاحتلال، والمرأة التي تبحث عن علاقات حب مشوهة وأخرى تسعى للبحث عن لقمة عيش لأبنائها ثم ضحية شعارات حقوق المرأة، قصص مختلطة لنساء معذبات قتلتهن الوحدة وقسوة الحياة وهن على قيدها، جمعتهن إبراهيم في شخصية واحدة.. لكن السؤال هنا لماذا "كارمن"؟!



 

 

ليس هناك رابط لإطار حكاية كارمن بين هؤلاء النساء أو بمعنى آخر لم تكن كارمن نموذج للتضحية أو التمرد من أجل الحياة بل هي عكس النماذج التي قدمتها سما ضمن عرضها؛ فنساء سما يبحثن عن التخلص من القيد الذي منعهن الحياة، إذن ليست كارمن النموذج الأمثل لإطار تبني عليه رؤيتها الفنية لشخصيات نسائية بعيدة كل البعد عنها فهي امرأة أنانية متسلطة خائنة سعت وراء شهواتها الجسدية، دمرت حبيبها ومحت فيه كل مظاهر الحياة، وباعتبار الحب رمزا للحياة فهي أول من حاربه وتمرد عليه باختيار الموت لأنها من دفعته دفعا نحو القتل، وفي الحقيقة من يستحق الاحتفاء به كنموذج للتمرد هو الحبيب الذي أحبها حد الاحتراق كسر كل الأعراف والقواعد والقوانين وتحرر من قيوده المهنية والحياتية للاحتفاظ بها وبحبها فهو من سعى للحياة وهي من دفعته للموت.

وبالتالي من الصعب اعتبار كارمن نموذجا للنضال من أجل التحرر؛ حتى لو استحضرت روح التمرد فيها وكأنها تمثل لها المرأة القوية والمثل الأعلى في التحرر من القيود الاجتماعية والعاطفية ففي النهاية "كارمن" بالنسبة لها أمنية لم تتحقق أو هي على نقيض ما قدمته من شخصيات نسائية لديهن قضية يسعين لتحقيقها على أرض الواقع الذي رفض منحهن أي شكل من أشكال الحياة.. عفوا سيدتي لست "كارمن"، فهؤلاء النسوة أصحاب قضية بينما "كارمن" صاحبة نزوة!

 

 

يشكل هذا التناقض بين هوائية "كارمن" وهؤلاء النساء المعذبات المقهورات عيبا في بناء فكرة العرض، فنساء سما إبراهيم جمعهن رابط الاضطهاد والوحدة والأمل والبحث عن الخروج من عنق الزجاجة ولم يجمعهن شيء يمت بصلة لشكل حياة عشوائية الهوى، لكن في المقابل تفوقت سما في أداء شخصيات "كارمن" المعذبات وانتقلت من أداء كل شخصية بسلاسة وعذوبة امتلكت جمهورها وتفاعل معها منذ اللحظة الأولى لبدء العرض وفي كل مرة تشعر أنك أمام ممثلة مختلفة وكأنك تراها للمرة الأولى بين الرقص والسخرية والعزف والتقمص والغناء قدمت سما وجوه نسائها المعذبات، وحصلت عن العرض على جائزة أفضل ممثلة مناصفة مع بطل "لقطة من عمري" ضمن فعاليات مهرجان أيام القاهرة للمونودراما، الذي أقيمت فعاليات دورته الثانية الأسبوع الماضي على خشبة مسرح الهناجر وشارك فيه أكثر من عمل مميز، حيث اتخذ المهرجان هذه الدورة برئاسة المخرج أسامة رؤوف قوام مختلف وأقوى من دورته الأولى واعتمد بشكل أكبر على مشاركة عروض مهمة ومميزة لفنانين محترفين.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز