عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

جيهان جمال تكتب: مساء المدينة "١"

جيهان جمال تكتب: مساء المدينة "١"
جيهان جمال تكتب: مساء المدينة "١"

شتاء ٢٠١٨ 



ليل غميق ..

ثمة أشياء لا زالت  تبدو عبر أفق البعاد مُشوشة رغم  الاعتياد  .. وأشياء أخرى قريبة  كٓم ودت أن تخرج من رحم الأيام  مُشرِقة ..  دافئة .. كما تٓمنت  .. لكن هذا لم يحدث لهٓا  أٓبداً .

فما أتى  ذات  لحظة  كان قريب حد التطابق .. مُبهر حد الغرق وسط طوفان مٓشاعر لم تٓكُن تدرك ...
متى ، و كيف ، ولماذا آتىٓ ؟

ومابين رحيل  نجوم  الليالى ،  وبزوغ  ضي نهار الأيام  . . كان ، ومازال  ترحال  سارة  بمدار  فُلك  السنوات  بعين الرضا  فيما مضىٓ  ، و عين  الأمل  فيما سيأتى   . . يُطمئنهٓا  أن شيء طيب ربما يحدث .

مطار برج العرب ..

تخرج  سارة  من المطار بخطىٓ  واثقة .. منطلقة .. وسط  ليل غميق ، و غيمة  سماء  كثيفة  ربما  تنذر  بهبوب  رياح  شديدة  ..  يعقبهٓا  تساقط   أمطار غزيرة   بالأوقات  القادمة .

لذا لم  تبغِ  الأنتظار لدقائق .. و فٓضلت ألآ تطلب "  أوبر  " كما  اعتادت  كُلما  لزم   الأمر .

فبدت  تُسرع  الخُطىٓ  لتستقل سيارة  ليموزين  قديمة  كانت تقف  بجوار  مثيلاتها  من طابور السيارات  المنتظرة  على استحياء  .

الإسكندرية 
بالطريق الطويل  ..

لازالت  لا  تمل  فى  كل  رحلة  ذهاب ، و عودة  أن  تحدق  بين السحاب  كُلما  أستطاعت  من خلف  نافذة  الطائرة  ، وكٓأنها تتمنى الغفو ناعسة بين  أحضان  القمر  ، والصحو متقدة  بكف  الشمس .

و هاهى بالطريق  الطويل  تٓنظر  بمرآة  السيارة .. لتحدق فى الوجوه  القليلة  العابرة   ، والبنايات  الكثيرة  ، والشوارع التى  بٓدت  سلسة  هادئة  .. رغم  ثقل  الغيم   الآتىٓ  .

وكٓأنها فى كل  مرة  تذهب  فيها  ..  ثم   تعود  تلمح بعينيهٓا  السوداء  الحالمة   بكل  وجه  حكاية  ، و تطوف  بروحهٓا  خلف  كل  بناية  .

تاركة  شٓعرها الأسود  المسترسل  على كتفيها  بليل يرسو  كيفما  يشاء  عبر  براح  حكايا الشوارع  ، والبنايات  وسط  ساحات  أيام  مازالت  تحمل صدىٓ  صوت  ضحكات  جلجلت  هنا    ..  أو دمعات أحترقت  هناك .

و ما بين  هنا ، وهناك  تبقىٓ  وشوشات  الروح  لأفٓراح  ، و أحزان  تصدح  معها  عبر حواديت  الطريق .

أحبت  سارة  كثيراً  هذا السفر الطويل  عبر السماء بين السحاب ، و عبر الأرض  بين الناس .
رغم  قلق  أُمها الدائم  عليهٓا من  هذا ، و ذاك  .

فهى  تدرك  حجم  قلق ،  ومعاناة  أُمها  عليهٓا  ، وكثيراً  ماظلت  تطمئنهٓا .

لكن  قلب الأُم   يرى بالبعاد ، وبالقرب  مالا يراه  أحد .

و رغم  ماتبثه  بقلب أُمها  من طمأنينة ، و رغم  ما انتبهت لِمٓا  بما  فى  نفسها من  قوة  .

تجدها  ما أدركت  أن الدنيا غٓالباً  ما سوف تحمل  لهٓا  فى كف  الغيب  مالم  يٓكُن  بخيالهٓا  .

بل  ،  و من الممكن  جِداً أن  يتعدى  هذا  المحال  أفق  أحلام  رسمتهٓا   بعين  الخيال  .

على الرغم  من ظنها ذات يوم  أنهٓا  لا يمكن أن تتخطى  أفق  هذه  الأحلام   .

نسيت سارة  أنهٓا بشر   ..  و بلحظة  ما  ربما تسرقها    الأحلام  من   نفسهٓا    .،  و أن  تلك الأحلام   للأسف  ربما بلحظة  ما  تضرب   بكل  محاذيرها   عرض  الحائط  .. ثم  تباغتها .. لتخطفها     بالفِعل من  نفسهٓا  . 

وهكذا الأنسان  إذ  تجده  ذات لٓحظة  يسافر على متن  براكين  القلق  طائع  خلف  خيالات الأحلام  التى  وضعتها مشاعره  المسروقة  منه   .. ليجدهٓا  رغماً عنه  سلبته  أرادته ،  و ربما صٓارت قٓيد  التحقق .. مهما  بلغت  قوة  نفسه   ، ومهما  توسم  أنه  بلغ  من الرشد ،  والتعقل ..  أو التريث  مايكفي  .

لهذا كيف لها  من بعد سنوات طويت  فيها مع  الأيام  حكاية  واحدة  عنهٓا ،  لم تكتمل ، ورأت فيها بعينيهٓا مارأت ،  وسمعت بحكايات  ،  وحكايات  عن أخرين  غيرهٓا .

أن تسمح  بأن  تتعثر خطوات العُمر من  نظرة  سارقة  .. خاطفة   بين  سُحِب  ضبابية  كثيفة  .



دقات الموبايل  ..

لم تندهش سارة  من  اتصال  كابتن  أدم  بهٓا بهذا  التوقيت ، وبخاصة  أنه  سُرعٓان ما  أكتشف عدم  تواجدها بينهم  أثناء  أستقلالهم  باص المطار الخاص بأن  يقلهم  جٓميعاً  أٓلى منازلهم .

تتردد فى الرد  .. 
ثم تقرر أن ترد عليه  .. 
فٓهى لم تعتاد الهروب .

وبلغة صارمة .. صادمة أعتادت عليهٓا  منه  يتحدث  أليهٓا  أدم . 

قائلاً : 
- انتى فين ياسارة ؟ 
- وازاى تمشي كِده مع حالك فى ميعاد مقلق زى ده  .. من غير حتى ما تعرفينى  ؟ 

ترد بصوتها الرقيق .. فى محاولة  مستميتة  منهٓا أن تتصنع  اللامبالاة  ، وتقول : 

- أٓبداً ، ولا ميعاد مقلق  ،  ولا شيء ..

أنت ناسي  يا كابتن أن  دى طبيعة مواعيدنا ، و انا  خلاص المفروض اتعودت على كِده من زمان ..
ماتشغل بالك .

ثم فى  محاولة ثانية  صادقة منهٓا بأن تنهى المكالمة .. 
تقول  : 
- ميرسي جِداً على قلقك ..
مع السلامة كابتن أدم .

وقبل أن تسمع منه أٓى رٓدة فعل .. أو حتى سلام .. تغلق هاتفها بسُرعة .

تاركة أياه فى حالة غضب مكتوم .. ثم هاهو يستوعب  أنه  يقف خارج  الباص ، ولم يستقله  حتى هذه  الدقائق  الفائتة .. فيسارع  برسم بسمته المُعتادة  التى  تملاء  عٓينيه   من  بعد  أن  صعد  أٓلى  الباص  وسط  زملائه  كٓى  لايتسبب  فى  تأخيرهم  أكثر من ذلك .

تحاول سارة  أيضاً  أن  تخرج نفسهٓا من  عباءة  التفكير بأدم  .

فٓتتصل  بوالدتها  لتخبرها بأنهٓا على  وشك  الوصول .. فهذا موعد أستيقاظها  لصلاة الفٓجر .


 

 

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز