عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

نادر حلاوة يكتب : معركة الوعي والذبذبات المعلوماتية

نادر حلاوة يكتب : معركة الوعي والذبذبات المعلوماتية
نادر حلاوة يكتب : معركة الوعي والذبذبات المعلوماتية

تجلس في غرفة مع بعض الأصدقاء، قرروا أن يتلاعبوا بعقلك من باب المزاح، ادعى كل منهم أنه (يسمع صوتك ولا يراك)، بالطبع لن تأخذ كلامهم على مأخذ الجد مهما أجادوا تمثيل أدوارهم، فالمعلومة التي يسعون لإقناعك بها غير معقولة.



لكن ماذا لو نزلت إلى الشارع، فأجمع البقال ونادل المقهى وسائق التاكسي أنهم جميعا (يسمعون صوتك ولا يرونك)؟، ربما يتسرب الشك إلى نفسك قليلا، وتبدأ في التفكير بجدية في الأمر، وماذا لو ذهبت صباح اليوم التالي إلى عملك ووجدت الجميع يؤكدون (نسمع صوتك ولا نراك)؟، ثم تكرر هذا الموقف في كل مكان تذهب إليه على مدار أسبوع كامل، هنا سينتهي بك الأمر إلى الاقتناع التام بأنك خفي فعلا وفي هذه اللحظة سيكون وعيك قد تغير بعد أن تعرضت لمعلومة محددة (بصورة مكثفة ومن مصادر مختلفة).

بهذه الطريقة التي تعرف "بالذبذبات المعلوماتية"، تعمل الحملات الدعائية الممنهجة والموجهة ضد دول أو أنظمة حكم أو شخصيات عامة، فالمعلومة الزائفة يمكن تصديقها بالتكرار وتعدد المصادر وقد تكون هذه المصادر (قناة تليفزيونية وجريدة أجنبية وتقرير من منظمة دولية وتصريح سياسي إلخ) بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي بالطبع التي تعد ساحة مهمة للمعركة الدعائية غير أنها ليست الساحة الرئيسية، كما يعتقد البعض فهي جزء من منظومة دعائية متكاملة تدار بتنسيق تام بين جهات مختلفة وبالطبع للعمل الاستخباراتي اليد الطولى في هذه الحملات التي تعتمد على معلومات زائفة وموجهة، ورغم أن هذه المعلومات يثبت خطأها لاحقا إلا أن الأسلوب نفسه يتكرر بعد ذلك.

يتم نشر خبر ما.. وبعد قليل يثبت أنه شائعة وتُنشر صورة وبعد ساعات يتضح أنها مفبركة، وينتشر مقطع فيديو فنتبين أنه مجتزأ، وتم اقتطاعه من سياقة فإذا كانت الحقيقة تظهر دائما فلماذا الإصرار على تكرار نشر المعلومة المزيفة؟

السبب يتعلق بسيكولوجية الشائعة أو المعلومة المزيفة، فالتأثير الأولى للمعلومة لا يزول من العقل الباطن للقارئ أو للمشاهد حتى بعد اتضاح الحقيقة، لأن الهدف من هذه الأخبار المزيفة والشائعات هو إحداث تأثير نفسي سلبي جماعي يؤجج المشاعر، وهذا هو التوقيت المثالي لتوالي معلومات أخرى قادرة على تحريك الجموع في الاتجاه المطلوب، فالعواطف المتأججة لا تعرف المنطق، ولا تدقق في المعلومة، ولا تحسب أيضا نتائج ردود أفعالها.

وهذه الحملات الممنهجة التي تعتمد على التحرك بطريقة تبدو "عفوية"، عند وقوع ما يمكن أن يلهب مشاعر الناس، تبدو مكلفة ماديا لكنها بالتأكيد أقل كلفة من الحروب العسكرية التقليدية، رغم أنها قد تحقق أهدافا أكبر وبدون خسائر.

والحملات نوعان أحدهما "قصير الأجل" يرتبط باستغلال حدث معين يقع في مدى زمني محدود وأخرى "متوسطة الأجل" - وهي الأخطر - وتعتمد على بناء صورة ذهنية سلبية ببطء باستخدام نفس أسلوب "الذبذبات المعلوماتية"، أي بكثافة النشر مع تعدد المصادر وهذه الصورة الذهنية السلبية تتعلق عادة بأنظمة الحكم التي يُراد تغيير انطباعات الناس عنها فتتحول صورتها من النجاح إلى الفشل، ومن النزاهة إلى الفساد وهكذا.

وتكمن سُبل مواجهة هذه الحملات، في رسم سيناريوهات استباقية عن طريق التفكير فيما يمكن أن تخطط له هذه الحملات، خاصة في أوقات الأحداث الكبرى التي تشغل الرأي العام، وهي الأحداث التي ترتبط عادة بالمجالات المؤججة للشعور الجمعي وهي في المقام الأول (الموت والدين وكرة القدم)، بالإضافة إلى الأحداث المرتبطة بالإنجازات الفردية أو الحكومية التي قد ترفع معنويات الناس، وتبث فيهم الأمل فالمطلوب دائما تحويل الشعور الإيجابي إلى سلبي.

لذلك على الحملات المضادة أن تحذو حذو هذه الحملات الهجومية الممنهجة أولا بتصحيح النظرة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها أداة الرد الرئيسية وثانيا بالعمل على تشكيل منظومة متكاملة تعمل بتنسيق كبير بين جهات إعلامية وسياسية وأمنية ليصبح بالإمكان وقاية الوعي الشعبي من الاختراق بل ومهاجمة هذه الحملات حتى قبل انطلاقها.

روائي مصري

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز