عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

جيهان جمال تكتب: مساء المدينة "2"

جيهان جمال تكتب: مساء المدينة "2"
جيهان جمال تكتب: مساء المدينة "2"

حى رشدي ..
البناية  العتيقة .. 


تهبط سارة من السيارة الليموزين القديمة أمام البناية العتيقة  التي ما زالت رغم كل هذا العمر الطويل  تقف  لتغازل السنين، و الأيام  بوجه صبوح.

على  الرغم  مِما مٓر  عليهٓا من  أفراح ، و أطراح سواء حملت معهٓا نٓسمات  تتهادىٓ .. أو زوابع  رياح  كٓم  أقلقت  قلوب  الساكنين.

فتجد أن جميع الأشياء ، وضدهٓا  قد  أجتمعت فى  تلك البناية، و كأن هذه  الحجارة  التي غلفت  جوانبها  أعطتها  من صلابة  الحجر  قوة ، ومن  ألوانه  رقة ، و أناقة.

لذا ظٓلت البناية  العتيقة  تغالب  توابع  حكايا  الزمان  المؤلمة  كٓى لا تعتريها  أضطرابات  الأيام   بزوابع  رياح  ربما  لا تقدر على صدها  ..  أو بتوابع  لهيب سنوات  حارقة  غٓالباً  لم  تٓكُن تستطيع  التأقلم  مع  العٓيش  بهٓا .

لتظل  تلك  البناية  صامدة  ، و محتفظة  بالكثير من جمالها  ، و عزتها على  الرغم  من  أنهٓا شيدت  بالعام ١٨٩٠ بالألفية  قبل  الماضية   .. فلربما تكون  هناك  أشياء من عبق  ذاك الماضي مازالت عالقة بوجدان الجدران .. أعانتها على مواصلة المٓسير .

فتجد البناية  مكونة  دور أرضي فسيح  .. يعلوه  ثلاث  طوابق  ..  بكُل  طابق  شقتين  متجاورتين  .. فلازالت  تلك  البناية  تؤمن  بقيمة  جوار الأنسان  لأخيه  الأنسان  مهما  تداول  عليهٓا  من  مختلف  المِلل ، و الديانات .

و هاهي سارة  بداخل  بهو البناية  العتيقة  النائمة  على  مسافة  ليست  ببعيدة  من  رمال الشاطيء  منذ  تلك السنوات  البعيدة  بمُنتهى  الأمان .

تدفع  سارة  ورائهٓا حقيبتها  التى لم  تمل معهٓا  الترحال، ثم  تتهيأ لأن تستقل الأسانسير القديم .

فٓتدخل به ، و تغلق  أبوابه  الزجاجية  عليهٓا بحرص شديد كٓى  لا يتعطل  بهٓا  بهذا  التوقيت  المقلق، فتضغط  بأناملهٓا  الرقيقة  بقوة  على الرقم ٢ ليصعد بهٓا.

حى لوران ..
ڤيلا أدم ..


و ها هو آدم  يودع  زملاءه، بابتسامة عٓينيه  السارقة   للقلوب  بلونها  الليلي الخاطف، وهو  يهبط  من الباص  بخطوات  ثابتة.

ليقف أمام   الڤيلا  التى  يقطن  بهٓا  ، ثم  يحمل حقيبته  ،  وكأنه فارس من فرسان  زمن الأساطير،   وقد هبط  تواً  بحلبة  سباق  من فوق  حصانه  الجامح  بهذا الجسم الممشوق  ،  وهذه الطلة  التى يصعب على الكثيرين  سواء  بدائرة  عمله  .. أو بدائرة  أصدقائه  أن  ينافسوه  فيها .

إذ أنك قٓلما تجد  رجل شرقي فعلت به الحٓياة ما تفعل  بالكثيرين ، و مازال يلقاك بتِلك النٓظرة  القوية  الآسِرة .

حتى أنك ربما يختلط عليك  الأمر لو تقابلتما يوم  ما بطريق عابر .

فلربما تراك  تعرفه  عن  قرب  من فرط  احتوائه لك بتِلك النٓظرة  الضحوكة  التى  رغماً عٓنك ستقع عينيكِ بهٓا .. على الرغم  من  أنه  لا يتعمدها على  الأطلاق  .. فتحسبه صديق مقرب .. أو ربما يكون  قريب عزيز .

البناية  العتيقة  .. 

يتوقف الأسانسير  بالطابق  الثاني  .. لتٓخرج  منه  سٓارة  على  مٓهل  كما أعتادت لو أنهٓا عادت من عٓملها بهذا الميقات .. فتجدهٓا  تفتح  باب شقتها برفق   .

كٓى لاتزعج  جارهم  الكاتب  بهاء  سعيد  الذي  يجاورهم  بالسكن كما  كانت  عائلته  بذات  الجوار  منذ السنوات البعيدة  جِداً   .. حتى  كاد هذا  الجوار من فرط  طيب  وصله  يقرب بين  باب  شقته  ، وباب عائلة سارة  حد الالتصاق   .

إذ تعتبر  سارة  الكاتب  بهٓاء سعيد  هو العوض الحقيقي  عن الأب الذي  رحٓل ، و الأخ  الذي هٓجر .

فٓهو غٓالباً  مايكون  نومه  خفيف  جِداً .، و   تخشىٓ سارة  أن  توقظه  قبل موعده  الذي  سيتآتى لاحقاً  .

وهاهى تدخل  بخطوات رشيقة  ..  حانية  أٓلى منزلهم  الهادئ.. الأنيق .

ڤيلا  آدم .. 

يتجه  أدم  مُسرعاً بخطوات  رشيقة  نحو  باب   الدور الأول .. بينما  الدور الأرضي  له باب مغلق  دائماً  بذات الڤيلا  القديمة  الفاخرة  القاطنة  بحي  لوران.

والتي كان ورثها عن والده .، وكٓم  أتاه من مشتريين  كُثر .. لكنه كان دوماً يرفض بيعهٓا .

تٓطُل  معظم  واجهات الڤيلا على البحر مباشرة، و تٓطُل  أيضاً  بعض   من  الحجرات الشاغرة   بالدور الأسفل على  البحر.

كتلك الغرفتين المفتوحتين على بعضهما  لصالونين  من الأبيسون ، و غرفة أخرى للسفرة  ذات طراز أيطالي  قديم .

ألى  جانب  الحُجرة  الكبيرة  الخاصة  بالليڤنج  روم  ، و التى تجاور حجرة  أخرى لأعداد الطعام  .. لتطلان   على  الحديقة  الكبيرة  بالبيز منت   .. وهكذا كان ، و مازال  هذا هو حٓال  جميع  هذه  الحجرات  منذ  وجود  والديه .. فٓلم يغير أدم شيء سوىٓ بالطابق العلوى .. ليبقىٓ هذا العبق الذي يؤثره ، و العالق  دوماً  بدهاليز  الروح .  

و من  الناحية  الأخرى تٓطُل شُرفة  حُجرة  نومه ، و شرفات حجرات نوم  ابنتيه  الشاغرتين  بالدور  العلوى  على البحر مباشرة  .

منزل   عائلة  سارة ..

الساعة الرابعة صباحاً ..


تلقى سارة  نظرة  على أُمها .. لتجدها بحجرة  الصالون الحريري ذو اللون  البيچ  ، و الذي تعشق سارة  تناغم  ، و هدوء  ألوانه  ،  كما تعشق السير  فوق  السجاد  الشينواه  النائم   بين  أحضان  الباركيه  فيعطيها  هذا الدفء  شعور  بالأمان   فى تلك  الليالي  الباردة    .

كما تشعرها الستائر  الحريرية  بالأنطلاق حين  تداعب نٓسمات  الهواء   ، وتهفو  عند  أطراف قدميهٓا بالسلام  كُلما تنسم  عليهٓا الصباح  بنسمات صٓيفية  فتحت  معهٓا  النوافذ    .

لذا  لا تٓشعُر سارة  بالراحة سوى هُنا .. ببيتهم  ذو الطراز الكلاسيك القديم ، و القاطن  بهذه  البناية  العتيقة .. على الرغم  من ميلها للحداثة فى الكثير من الأشياء .
و  كٓعادة   أُمها  أطالت سجدتها   مابين الفٓجر ، و أذانه  .

فٓترى  سارة  بعيون  قلبهٓا .. أُمها  ، وعيونها المُلونة  بألوان  البحر تسجد  فى  خشوع ، و كأنها  تذرف دمع  فٓرحة  القبول على سجادة  الصلاة .

وهى  تدعوا لهٓا ،  ولأخيها ساهر الذي  يعيش منذ سنوات  بالقاهرة  .
حيث يعمل  رئيس مباحث  لقسم  شرطة  التجمع   الخامس  .
متزوج  منذ سبع  سنوات  من الطبيبة  الصيدلانية   نُهى  الأبنة  الوحيدة  لمساعد الوزير  ، ولديهم  أبنة  واحدة .

تبتسم  سارة  باطمئنان ،  و هى  تاركة والدتهٓا . ، و تجرجر من ورائهٓا حقيبتها .

تحاول سارة  أن تمضي  دون  أنهزام   عبر  كريدور  شقتهم  الطويل .، و كأن  ألوان  حوائط  بيتهم  الهادئة  تناديهٓا ، و تحثها على الأسترخاء . 

ثم  راحت تغلق  الأباليك  الخافتة  المعلقة على الحوائط  .

وكٓأن  تلك الأباليك  ظٓلت هى  الأخرى  بانتظار مجيئها مفتوحة  العيون  منذ ليل  الأمس .

حتى آتت  سارة  فاطمئنت ، وأغمضت  مع  عيون  الليل  جفونها  منذ  قليل .

لتفتح  بالقلب من بعد لٓحظات  أشراقة نهار بٓدت  لتوها بازغة  .

بعد  أن  كانت  تحاكى  ذاك الليل  قبل أن يرحل  ، و يطوى مٓعه همس حديث  كل ليلة  ، ليُبقىٓ  بالقلوب  سره  الموشوم  على  جِدار الروح  .

الكاتبة جيهان جمال تخص "بوابة روزاليوسف" بنشر قصتها الجديدة ..على حلقات قبل الطبع 
 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز