عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

أحمد المرشد يكتب : من الأقصر إلى أسوان..مع "الخان"

أحمد المرشد يكتب : من الأقصر إلى أسوان..مع "الخان"
أحمد المرشد يكتب : من الأقصر إلى أسوان..مع "الخان"

في رحلة تحكي ما صنعه الأجداد في مصر، زادها روعة وألفة صديق عمري المبدع عبد الله الخان صاحب أغلي عدسة كاميرا في التاريخ أو هكذا أري فيه المصور الفنان الذي يتعامل مع الأمكنة والأزمنة بطريقته الخاصة، ففي لحظة أو أقل من ثانية يكون قد حقق سردًا مصورًا ليخلد به واقعة أو جملة من الوقائع والأحداث ليدشن وثيقة تاريخية تعتمد عليها الأجيال الجديدة.. إنه الفنان الذي رافقته في رحلتي الأخيرة إلى جذور أرض الفراعنة، حيث الأقصر الخالدة بآثارها ونحوتها ومعابدها الشاخصة حتى يومنا هذا لتنقل لنا تاريخ مصر المجيد، التي ترفرف في ماضٍ عريق وتعيش حاضرًا زاهرًا بالاستقرار والمحبة والوئام والأمن، الذي يعكسه هذا العدد الضخم من السياح الأجانب في كل من الأقصر وأسوان في أقصى جنوب مصر، ليسجل هؤلاء السياح بأعدادهم الوفيرة عنوانًا كبيرًا هو "أمن مصر واستقرارها"، فالسائح لا يذهب سوي للأماكن الآمنة العامرة بالاستقرار والهدوء، وهو ما تشهده الأقصر وأسوان في الوقت الراهن، حيث استعادت مصر مكانتها المعهودة من السياحة العالمية..



قضيت في مصر أياما جميلة على مدى الأسبوع الماضي في مدينتي الأقصر وأسوان بصحبة صديقي عبد الله الخان، وصديقه الفنان حسين المحروس الذي يعد المواد النصية لمؤلفاته المصورة الأخ العزيز عبدالله حلم كثيرا بزيارة المدينتين ليشاهد آثار مصر العريقة التي تحكي لنا تاريخًا عظيمًا بناه الفراعنة، فالمصريون حقًا هم بناة التاريخ والحضارة، ليس حضارة فرعونية فقط وإنما حضارة إنسانية عندما أبدع المصري القديم في تشييد كل هذه التماثيل والنحوت التي تعيش حتى يومنا هذا، شاهدة على أصالة وعراقة مصر والأقصر وأسوان، لقد حلم عبد الله الخان بزيارة السد العالي وقد تحقق حلمه الأيام الماضية، ليضيف إلى إبداعاته مجموعة جديدة من صور السد العالي الذي يشخص عظمة الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر عندما فكر في تشييد هذا السد في بدايات ثورة يوليو المجيدة، لتنجو مصر بفضل حسن تفكيره من الكثير من المخاطر المهلكة، حيث فيضانات النيل التي قضت على مدن كثيرة على طول امتداده من أوسط إفريقيا.

 

لكم كنت سعيدًا بما تحقق للخان عندما سرنا سويًا في ربوع الأقصر، تلك المدينة التي تضم نحو خمس آثار العالم، فهي عبارة عن متحف مفتوح ولا تضاهيها مدينة أخري في العالم، فالرحلة بصحبة صديق غالٍ خاصة لو كان مصورًا ومبدعًا تعد إضافة لأي إنسان، فالخان عاش أيامًا رائعة مع صديقته – الكاميرا – التي لا تفارقه في أي مكان يزوره فهي تظل معه كظله، يحملها على كتفه، ولكم حمل الكثير من ماركات الكاميرات الشهيرة، ولكن المهم في أنامل الفنان الذي يوجه العدسة ويضبط الظلال والزوايا ليلتقط أحسن الصور، لقد عرفت الخان منذ بداية الثمانينيات عندما كنت مسؤولًا عن قسم الأخبار والتصوير بوزارة الإعلام، وقد استفدت من خبراته كمصور حيث يبدع في التقاط الصور والمشاهد الجميلة.. فعبد الله الخان الفنان عاصر وصور على مدى سنين عمره عشرات بل المئات من الأشخاص والملوك والأمراء والرؤساء والمشاهير والفنانين، وأتذكر رحلتي معه التي لن أنساها ما حييت، عندما ذهبنا إلى الكويت بعد تحريرها عام 1991 ومكثنا هناك ثلاثة أيام ونقلنا ما لحق بهذه الدولة الشقيقة من خراب ودمار، في هذه الرحلة استفدت من خبراته الطويلة كمصور ومن أحاديثه الشيقة، فهو ليس مؤرخًا مصورًا فقط وإنما هو فنان عاصر الكثير من الأحداث في البحرين والخليج والوطن العربي، بدأ التصوير مع والده منذ أن كان عمره عشر سنوات، إذ عمل في التحميض والتصوير معا، وكما بدأ حرفته ومهنته طفلًا فهو رقيق كالطفل يخلص لمهنته التي يعشقها، ومن خلال معشوقته – الكاميرا – ترجم إخلاصه للبحرين بإقامة معارض متخصصة ليبرز اسم بلاده عاليًا خفاقًا، فهو ذاكرة متنقلة للبحرين، ذاكرة مصورة لما يملكه من مخزون ضخم من الذكريات والصور تؤرخ لبلادنا العظيمة، فكاميرته أو لنقل –ساحرته وهو المسحور بها دوما- لا تغادر كتفه وتلازمه في كل مكان تطأه قدماه.

 

أعود إلى الأقصر، تلك الرحلة الشيقة التي شاهدت فيها بعيني وبعدسة الخان عبقرية فريدة من نوعها، عبقرية شهدت لها كل عوالم الكون وليس عالمنا الحاضر فقط، عبقرية قدماء المصريين في بناء المعابد وصناعة التاريخ بجوار نهر النيل الخالد الذي حمل فوق مياهه الأحجار والمعدات اللازمة لبناء تلك الحضارة قبل آلاف السنين، فتعانعقت المعابد مع النيل، الأولى تغذي العين والروح، والنيل يروي أرض مصر الطاهرة وشعبها الطيب.

 

لقد زرنا بداية التاريخ لنري حضارة الفراعنة شاهدة على هذا التاريخ، تلك الحضارة التي علمت الإنسانية فنون النحت والعمارة والبناء، ومنها نقل العالم الطب والعلوم والتحنيط، ولم تتوقف أنامل الخان لحظة عن سرد ما يري بعدسته لتكون هي الأخري شاهدة على حضارة المصريين ليتوغل فيها ويقلب ما بين صفحاتها ويداعب آثارها ومعابدها ونيلها.

في مصر التي اعشقها قضينا أيامًا رائعة على ضفاف نيلها الخالد، امتدادًا من الأقصر وحتي أسوان، ليخلد صديقي عبدالله ذكريات تلك الرحلة بعدسته التي لا تري إلا كل ما هو جميل، وحتي وإن لم يكن جميلا، فتجمله عدسة المبدع صاحب الأنامل السحرية في التقاط الصور، فعينه غير أعين بقية البشر وليس كل من حمل كاميرا مصورًا، فعينه مختلفة عن الآخرين ينقل السير الشخصية ليس بالأحرف ولكن صورا، فعينه غنية بالذكريات تبقي على الصورة كتاريخ وسيرة ووثيقة، المكان عنده وثيقة خالدة، يغوص فيه بعمق حتى يخرج بصورة تسرد الواقع الذي سرعان ما يتحول إلى تاريخ، ولهذا تراه عاشقًا للمكان والزمان معا فهما متلازمان لا يفترقان مثل كاميرته التي لا تفارقه، ويتعامل معها كخبير الجواهر الذي يقلبها يمنًا ويسارا ولا يجرحها بل يجيد تثمينها، فالكاميرا لديه ليس مجرد آلة صماء يلتقط بها الصور، وإنما هي عينه وعقله التي يري بها ويخزن بها الذكريات لتتحول مع مرور الوقت إلى كونها مثل نبضه يستخدمها كلما نبض قلبه.. وما زلنا في الأقصر الخالدة كما سماها العرب نظرا لقصورها ومعابدها، أو "طيبة" و"الشمس" و"النور" و"الصولجان" كما أطلق عليها الأقدمون، إنها أرض العراقة والأصالة والقديمة ذات الطابع الفريد الذي يميزها عن بقية مدن العالم، فهي لا تزال أرضًا تاريخية، إذ لا يوجد بها قدم بدون أثر فرعوني يدل على ما بناها قديمًا لينطق هذا الأثر بعظمة القدماء المصريين قبل الميلاد بآلاف السنين.

تعددت جولاتنا في الأقصر التي تعد أهم مشتى سياحي في مصر بجانب مدن وسواحل البحر الأحمر، ولكنها تتميز بأنها قبلة العاشقين للحضارة الفرعونية بمعبدها الشهير ومجمع معبد الكرنك، معبد الدير البحري أو معبد حتشبسوت، تمثالا ممنون، معبد دير المدينة، مدينة هابو، معبد الرمسيوم، معبد سيتي الأول بالقرنة، مقابر وادي الملوك، وعلي رأسهم الملك توت عنخ آمون، سيتي الاول، رمسيس الثالث، رمسيس السادس وحور محب، ولم يفتنا زيارة مقابر وادي الملكات بغربي الأقصر لتسجل عدسة الخان ما بها من مقابر.

لقد جذبتنا طيبة عاصمة مصر القديمة، فهي مركز الحضارة المصرية القديمة وتضم أكثر من 800 منطقة ومزار أثري، وتضم أروع ما ورثته مصر من تراث إنساني، إذ تمثل تاريخ صنعه القدماء وزاد من بهائه أحفادهم اليوم.. وتتواصل الرحلة إلى أسوان الساحرة، التي يرسم فيها النيل لوحة جميلة يصعب على أي رسام نقش معالمها، فالنخيل الأخضر مع المزارع المترامية الأطراف وصفحة المياه الهادئة التي تعكس أشعة الشمس تمنح لزائر المدينة دفئا على دفئها، لننتقل بين معابد فيلة حتى نصل إلى السد العالي الذي ذكرته في البداية حيث انبهر به الفنان عبد الله الخان وهو الذي حلم برؤيته وتصويره وقد تحقق حلمه كما أسلفت، ولم يكن ليل أسوان بأقل من نهارها بهجة فالحياة بالمدينة متواصلة تكاد لا تنام والحركة فيها دائمة يميزها أهلها الطيبون ببشرتهم السمراء النقية، فهم يعشقون زوارهم ويعتبرونهم ضيوفًا نزلوا بخيمتهم، يستقبلون زوارهم بوجه بشوش وروح طيبة.

وإذا كانت مصر هبة النيل، فأسوان هبة مصر بموقعها المتميز وتاريخها العريق، وقلب الجنوب النابض بالحياة والوصال، فأهل أسوان الذين جسدتهم عدسة الخان هم عنوان البساطة والود وحسن الضيافة مثل بقية أهل مصر الطيبين، أو كما يقولون عن أنفسهم " أهل أم الدنيا" التي يختزن كل شبر على أرضها حكاية أو قصة أو أسطورة تاريخية على مر العصور، ولم لا؟ فالإنسانية ولدت هنا والحضارة تأسست هنا من جنوب مصر ليترك المصريين القدماء آثارهم وبصماتهم ليصيغوا بها الحضارة الإنسانية في أروع فصولها، فكانت مصر دوما مصدرا للعلوم، ولتجد الأديان السماوية في رحابها واحة آمنة وحضنا دافئا من عقيدة التوحيد حتى استقرت جذورها وعمت العالم بنور الإيمان.

رحلتي كانت إلى قلب مصر لأشاهد الحضارة وأقرأ التاريخ، ومعي عدسة الفنان عبدالله الخان الذي قلب بين القصور والمعابد والآثار ليجمع صور ليضيفها إلى موسوعته الضخمة، فعدسته تنقل لنا أحداث الماضي بموضوعية ويربط ما انقضي وفات بالحاضر لنستلهم منه المستقبل، هكذا هي عدسته التي تختزن ملايين الصور على مدى عمره المهني منذ أن سحرته الكاميرا طفلا ليهوي التصوير مثل أبيه، ونحن في انتظار مولوده الجديد الذي سيضم مجموعة صوره الرائعة في الأقصر وأسوان ليضم إليها ما التقطته عدسته من صور لمناطق متعددة من مصر منها الحسين وخان الخليلي والإسكندرية والأسواق الشعبية والقلاع والحصون

وبرج القاهرة الشهير الذي شيده عبد الناصر ليكون شاهدًا على تحدي الغرب الذي حاول تقييده وحجب تمويل بناء السد العالي.

كاتب ومحلل سياسي بحريني

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز