عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

چيهان جمال تكتب - مساء المدينة (٤)

چيهان جمال تكتب - مساء المدينة (٤)
چيهان جمال تكتب - مساء المدينة (٤)

البناية العتيقة ..
الطابق الثالث .. 

ككل  ليل  تٓجوب  هي  بين  أروقة  شقتها  حتى  بزوغ  ضٓي  النهٓار  .

تلك الشقة  المطلة  بشرفاتها  الواسعة  على  البحر ،  والتى يتحدث  كل  ركن  بهٓا  عنها  بشيء ما  .

تلفها حيرتها  بعد  أن  عٓز  عليهٓا  النوم  .. كما  يلفهٓا  هذا  الرداء  الفضفاض  من  القطيفة  الناعمة  السوداء  .

ليستوقفها  أمام  المرآة  الكبيرة  لون  بشرتها الشاحب ..  فتتحسسهٓا  بأناملهٓا  الرقيقة ، وقبل  أن  يسرف  الحزن ،  ويطول  ترحاله  على  ملامح  وجههٓا  الجميل  مُحاولاً  رصد  تٓبعات  الزمن  ..  تترك  المرآة  ،  وتمضي  كي  توصد  جٓيداً  باب  الشُرفة  المُطلة  على  غرفة  نومهٓا  .

فالهواء  صٓار   يشتتد  عن  ليلة  الأمس  لكن  حالة الطقس لم  تبلغ  ذروة  التجبر  . 

فٓتشعر ، وهى تٓنظر خلف  زجاج  الشُرفة   أن  طٓيف  الصباح  الآتي  بعد قليل  على  أطراف  نهار  بدىٓ  ممطر  سوف  يحمل  مٓعه  الكثير مما  لم  تعلن عنه   نوة   المكنسة   بعد !

  على  الرغم  من  أن  الليل  غمرته  غيوم  كثيفة  كانت  تغالب  النجوم  حتى  كادت  أن  تطمس ملامح  ضوئهٓا  الآسر  لولا  رحمة  السماء التى أبقت  على  بصيص  خافت  من  نور المٓحبة .

ثم  يأخذها  الحنين  لليالي  شتاء  دافئة  كانت هنا  بين جنبات هذا البيت  الخالى  الأٓن  من  الأحبة  .. فٓتحدق  بغرفة  نومهٓا  ، و كأنهٓا  تبحث  عن كاميليا  التى  خفت  ضوء  نجمهٓا  .

تغلق  ضوء  الغرفة   قبل  أن  تستغرقها الذكريات ، و تستلقي  على الشازلونج  المقابل  لمخدعها  ، و تنير الضوء  الخافت  للأباچورة  الموضوعة  على  الطاولة  المجاورة  للشازلونج  .

تٓنتبه و تحاول  أن  تبعد يديهٓا عن  الأمساك  بعلبة  سجائرها كٓى  تستطيع  النوم .

حجرة  عم  رضوان ..
ذات الصباح ..

وهاهو  رضوان  يتناول  كوب من الشاي الثقيل المذاب  فيه  القليل  من  السكر ، و هذا هو مشروبه  الدافىء  المفضل  الذي  تعده  له  نجاة فى كل يوم  من  بعد  صحوه .

يحتضن  رضوان الكوب  ليبقىَ  ماكث  بين  يديه  عٓله  يمنحه  بعض  من  دفء  صٓار يفتقده .

بعد  أن  بقىَ  وحيدا طوال  الوقت  بغرفته  المعتمة  بفعل  نكبات  الأيام . ، و ما عاد  يخرج  لبهو البناية  سوى  بأوقات  قليلة . 

فٓهذا  مٓا آل  أليه  حٓاله  بهذه  السنوات  الأخيرة .. بعد  أن  سلبت منه  الأحزان  مطارح  كانت  كثيرة  الفٓرح   ، واختنق  براح  الروح  من  بعد  فراق  نعمات  .. فغدت  خطوته  ثقيلة .

  لذا نادراً  ما  تجده  يترك  غرفته  ، ويمضي  فى  محاولة  بائسة  لأن  يصلب  طوله  متكىء على  عصاه . .  لينزوى  بركن  صغير  ببهو البناية  على   ذاك  المقعد  المتهالك  الذي  لم  يتخل  عنه ، و ظل  بانتظاره  فى  كل  حين  يأتى أليه  كحارس  أمين  .. مازال  يئتمنه  قاطني البناية  العتيقة  على منازلهم   . 

على الرغم  من علمهم   أنه  غالباً  لم  يعد  متواجد على هذا  المقعد إلآ  قليلاً .

وشعورهم  بحاله  ، و أنه  بمعظم  الأوقات  لم  يعد  يفارق  مخدعه  الذي  وهن  مٓعه  .  

ومع  كل هذا  هم  بالفِعل  أمنين  على  بيوتهم  مادامت أنفاس  عم  رضوان لازالت  معلقة بحبال  الوِد مع  من هم  بالجوار من أهل الحٓي 
ومادامت نجاة  تسد الفراغ  الكبير  الذي خٓلفه أييها مقدرين كهولته   ،  وعِشرة العمر الطيبة  لذا  تركوه  ليستريح  من  عناء  الأيام  ، و ينزوي  بمطرحه   البسيط .

ذاك المطرح  الذي  ما فارقه  لليلة  واحدة     .. تاركاً مطرح  نعمات خالي  الجوار  لكنه  لم يٓزل يحتل  القٓلب  المفعم  برائحة  الذكريات .

و أٓبداً  ماخلىٓ  للحظة   .. منذ تركته  وحيد  ، ورحلت عن الدنيا .

فتراه  فى  كل  ليلة  يغالب  النعاس قبل  أن  يطرح  جسده  على  المخدع  ، و يحاول  أن  يتكيء  على  تلك  الأعمدة  النحاسية  الفقيرة  التى  مازالت  تقف  مٓعه  بوجه  الزمان ، وتصلب  أركان  ذاك  المخدع  الذي  ما شكىٓ  رغم الضعف ،  و الوهن  الذي  أصابه  بفعل  مرور السنوات  .

ليتذكر رضوان  بكل ليلة  أن مخدعه  ماضج   أٓبداً  من حٓمله  ، وامرأته  نعمات على  جناح  لٓحظات  العشق  التي  كٓم   نثرت  دفئها   فى  رحم  الليالي  ببذور  شوق  كان  دوماً  ملهوف  الحنين  .

ثم  سُرعٓان  ما يهدأ  فى  مهد  أيام  ،  وليالي  زٓرعوها  بالمحبة  على  مٓر الزمان . . لكن الحصاد لم  يٓكُن  بأكمله  طيب .

يدخل  عليه  أخر عنقود  المٓحبة  "سعيد "  ،  ليمر من  أمام  عٓينيه  ،  وهو  شبه  نائم  دون  أن  يٓنظر  لأحد  ..  ليتجه  حيث  سريره  المتواضع  الممدد  بانتظاره  كنعش الموتى  بمنور  البناية  العتيقة ،  و كأن  هناك  من  ينتظر  أن يحمل  جثمانه  على نعش  الأيام  لمثواه  الأخير .

شٓعرت  بدخوله  أخته  نجاة  أثناء  تأهبها  لأعداد الفطور  .. فاستدارت نحوه   ، وراحت  تلقى  عليه  بنظرة  خاطفة  كادت  أن  تبعث  به  قذفاً  على  دار  جهنم ،  وهو  حى  يرزق  بمكانه  ..  أثناء وقوفها  أمام غليان  شاي  الفطور على  موقد  الغاز .

فيفيق سعيد ، ويضيع  النوم  من  عينيه  فور وقوع  عٓينيه  على  تلك النٓظرة  الحارقة  التى ما عاد يقدر على تحملها .

لينادي عليه أبوه  ككل صباح  كٓى  لاينام  قبل أن يذهب ليشترى العٓيش  ، والجرائد للسكان .

ڤيلا أدم ..

يذهب  أدم  ليطمئن على  أبنتيه  .. فيجدهما  نائمتين .. فتهدأ  أٓلى  حد  ما  ثورة  قلبه .

وهاهو  يغلق على  كل  واحدة  منهما  باب غرفتها  بعد أن  قبلهما  بهدوء .، و يهبط  برشاقة  أٓلى  الدور  الأسفل  حيث غرفة  أعداد الطعام .

وهذا هو حٓال أدم  كُلما عاد من رحلة جوية  بجوف الليل أو فجراً  أو بأي  صباح  باكِر   .

فتجده  يفضل  أن  يهبط  سريعاً للدور  الأسفل  قبل أن تٓشعُر به  تلك النائمة بالطابق الأعلى  ، و تتفوه  بكٓلمات لم  يعد يتحملها .

و لا يصح  أن تتفوه  بهٓا  غير  طفلة  صغيرة  مدللة  لا تريد أن  تٓفيق  من  نومهٓا  أٓبداً  .

ورغم   ذلك  هو متأكد أنهٓا  لن تصحُو من نومهٓا مهما كانت  الأسباب  قبل  وقت الظهيرة

والذي سوف يكون حينه قد خلد أٓلى نومه .

يفتح  أدم المذياع الكبير الذي ورثه عن جده حتى صٓار قطعة نادرة  من الأنتيك   .

ذاك المذياع  الذي  يتربع  على  عرش  غرفة   أعداد الطعام 
والموجه   كُلما آتىٓ  أدم  ليفتحه على أذاعة مونت  كارلو التى لا ترتاح  مسامع  قلبه إلا لجوارها  . . كما  يجاور المذياع  هذه  المزهريات الصغيرة  بمنتهى الأريحية منذ سنوات ، وسنوات بركن خشبي أنيق  موضوع عليه مجموعة  صور تضم أشهى أطباق المطاعم العالمية .

تجاورهم  خلف النافذة مجموعة  من  نباتات  الضل  الخضراء  التى يحرص أدم  على  رعايتها  بنفسه  مع  بقية نباتات الحديقة المُطلة على غرفة أعداد الطعام .

وهاهو  ينهي  أعداد  فطوره  المكون من العٓيش مع طبق من البيض بالبسطرمة  ، وكوب من الشاي الساخن جِداً المذاب فيه ورقتين  من  النعناع  الأخضر .

فمنذ  سنوات  زواجه  الأُولىٓ ، أدراك  أن مجرد محاولته  بأن  تنتظر مولى  عودته ،  أو  أنهٓا  مثلاً  ربما تترك  نومهٓا كٓى  تحضر له  الفطور ليتناولانه  سٓوياً  فهذا  كان ، و مازال أمر  من  المستحيلات .



 

 

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز