نشوى سلامة تكتب : صمت الروح

يقال إن الزمن كفيل أن يُنسينا أشياءً أزعجتنا، وأشخاصًا مرت بحياتنا ورحلت وآلمتنا، ولكنه إذا اقترب من القلوب المكروبة أصبح عاجزًا عن كل شيء، مسكين ذلك الشخص الذي لا يستطيع أن يسْلى من حزنه، ذاك الذي يريد أن يجعل من عقربي الساعة مُهرين يمتطيهما ليجعل كل منهما يستبق الآخر أملا منه في الفوز على الوقت، ولكن هيهات.

ويظل يفعل كل شيء بحياته، ما اعتاده وما لم يعتده، ويخلق أعمالا أخرى لينفذ فيها الوقت، ولا يدع لنفسه لحظة ولا فرصة كي يستريح أو يكف عن الشقاء، ويظل يراقب عقرب الدقائق فيجده ثقيلا كريها لا يتحرك ويغمض عينيه ستين مرة علها تكن ساعة قد مرت وليست دقيقة التي لا تمر ولا يمر معها ما يحاصره.

ومع غمضة عينيك ترى ماكنت تهرب منه، فكلما جلست إلى نفسك طرفة عين جلسوا معك وجاء صدى صوتهم من قريب، فتفتح عيناك بسرعة فتجدهم بعيدين كبعد يداك وصولا للسماء.

فتغرق عينيك بالدمع لتستفيق وتعرف أنه لا محالة من الهروب وأنك حتما ستواجه الأمر كله، حتى لو شغلت كل حواسك وجسدك وأرهقتهما إرهاقًا، وستدرك أن أملكَ الأخير بل الأوحد أن يتغير الزمن وتصبح الأيام كلمحِ البصر أو كومضِ الضوء، أملكَ الأخير في عالمٍ آخر لا تشعر فيه بهذا الذي نسميه الوقت، لكن متى ستبلغ ذاك الأمل.

كن شخصا متوازنا ولا تزيد من قدر الأشخاص والأشياء حولك، لا تنفعل فتضيع، لا تفرح جدا فتُجن، لا تغوص في حلمك فتخفق، لا تنظر إلى نفسك عمن سواك فيفلت كل شيء من بين يديك، راقب نفسك جيدًا، راقب تعلقك وشغفك لا تترك نفسك أسيرة لدى أحدهم، حتى إذا ما وصلت لبلوغ أملك في هزيمة الوقت تستطع أن ترحل كلك دونما أن تترك بقية منك تتألم، فعلى قدر وسطيتك في التعامل مع كافة الأمور ستكن فرحتك في أملك معها أو كربك في ألمك منها.

وأخيرًا وليس آخرًا، اعلم أن قلبك بيد الله وليس بيديك، وما من شعور يتملكك إلا أراد الله به أن يعينك به إما على نفسك وإما على الدنيا حولك، الله يعلم ما في نفسك ويعلم منتهاها، ويعلم أنك تقدر ويعلم أنك ستتخطى أمورًا تحسبها عظامًا، ويرقق قلبك تارةً ويغلفه بالشدةِ تارةً أخرى، ينعم عليك بلين القلب ويخشى عليك ويحذرك من غلظته، فقط لتتفكر أن الأمر كله بيد الله وما عليك إلا أن ترضى وُتسلم، فسلامًا على سُكنى القلوب في عالمنا ومن سبقونا إلى العالم الآخر، سلامًا على من سكنوا أرواحنا في صمت وتركونا وتركوها تعيش الصمت.