عاجل
الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

مريم أنيس تكتب:اعترف أحسن لك

مريم أنيس تكتب:اعترف أحسن لك
مريم أنيس تكتب:اعترف أحسن لك

وقف شخص يطرق بمطرقة القضاة ليستمع أقوالي، كنت أعرف ذلك الشخص جيدا، أحفظ تفاصيل ملامحه. كان شديد الطبع قاسي القسمات، يصرخ بي ويقول: أعترف أحسن لك! لا أريد أن أتفوه بكلمه. أريد أن أصمت ولا أحد يعرف ما بداخلي. نفسي عزيزة عندي حتى أجعلها تتعرى وتظهر ما تخفيه! أريد أن أختبئ في كومة من الأكاذيب تسترني وتجمل من منظري.



وبعد كثير من المماطلات، أبيت أن أدلي بما عندي وأنكرت كل التهم الموجهة لي بكل قوة، حتى كدت أن أصدق نفسي من شدة إتقاني لدور البريء لكن هذا القاضي القاسي لم يتركني أذهب لحال سبيلي فكان محنكا وكأنه يعرف حقيقة الأمر أو رآه بعينه.

ظللت أراوغه حتى يتوه وسط كلماتي الزائغة! لم ينخدع بكل أكاذيبي ولم يكن تماسكي وقوة بياني قادرة من أن تنال من عقله الواعي المتقد. وواجهني شر المواجهة، ووعدني إذا أدليت بكل ما بداخلي، سأشعر براحة عجيبة ويحل بي شفاء لا مثيل له. أيضا نعتني بأنني ضعيف مهزوز، لا أقوى على المواجهة، تلك هي سمات الضعفاء.

أردت فجأة أن أقول كل شيء وأعترف، تسارعت الكلمات على شفتيّ، تريد أن تنجرف إلى الخارج، لم تعد تطيق المحبس الذي ألزمتها به. تلعثمت قليلًا ثم قلت: بماذا يفيد الاعتراف؟! تبسم القاضي ابتسامة فيها دهاء! فلقد تيقن ببداية نجاح مهمته وبشائر تدل على خور إصراري. فبات صامتًا إليّ حين يريدني أن أكون أفقد السيطرة والتوازن وأرتمي تحت قدميه معترفًا، لكنني تمسكت برباطة جأشي. وبلعت ريقي بصعوبة؛ فلا أريد أن أكون مكشوفًا عنده بهذه السذاجة. ثم خرج عن صمته وقال: لكي ترتاح يا بني! لكي ترتاح.

نظر في عيني بقوة واستطرد القول: كن شجاعًا، وواجهني، فلقد رأيتك بعيني، وأعرف كل شيء.

تبعثرت نظراتي في كل الأرجاء، أريد أن أهرب من عينيه، فهل أنا بواضح إلى هذا الحد؟ أم أنه يتلاعب بمشاعري ويهز ثقتي لينال مني؟

"أنا أردت مصلحتك أنت!" قالها بثبات ونبرة ود اعترت كلامه فجأة. فقلت له "لا أفهم". واستجمعت شجاعتي وطلبت منه أن يشجعني أكثر ويسهل عليا مهمة الاعتراف، هل من مزيد من الوعود بالراحة؟ هل هناك فوائد تغمرني؟ هل سأقدر أن أنسى ما جرى؟ لم أكن أتكلم لكن نظراتي كانت تفعل ذلك بدلًا مني. كنت جيدًا في توصيل ما أريد!

لم أجد منه ما أنتظر، فلم يتكلم، لست أعلم هل عن ملل أم يئس أو طريقة جديدة لاستجوابي، لكنني قررت حينها أن أخرج كل ما بطيات قلبي.

وواجهته بكل أخطائي الماضية وجروحي، اعترفت بأنني جرحت وخدعت من أشخاص أعزاء. صدمت من غدر أصدقاء لي. تصرفت بغير حكمة في كثير من المواقف. تسرعت في ردودي وكلامي وانساقت إلى الغضب بمحض إرادتي وخسرت الكثير نتيجة لذلك. أحببت، كرهت، أخطأت. فأنا إنسان يا حضرة القاضي، إنسان. لا بد أن أقع في أشراك الغضب والاكتئاب والخديعة. يجب أن أكتوي بنار الحب وهمومه ومآسيه. لا مفر من أن الجرح الذي يدمي فؤادي. أرتعب من مخاوفي الكثيرة، تترسب بداخلي مواقف لا أقوى على نسيانها ولا أطيق نار تذكرها. لا أقدر أن أوجه كل ذلك. سامحني لا أقدر.

بكيت ولكن بعد البكاء شعرت براحة فعلية تسري في قلبي، فلقد أخرجت كل ما كان يملأ صدري. وسمعت القاضي يطيب خاطري بكلمة أسعدتني جدًا: أنت شجاع وستنجح!

نظرت له بكل أسى مخلوط بالحيرة: كيف سأنجح؟ فقال لي: أنت واجهت خوفك، أخطاءك، جروحك ممن أذوك. اعترفت بأنك خدعت ومررت بأشياء مريرة، وذلك أول طريق النجاح والشفاء في حياتك. أنت الآن قادر على مواجهة القادم. أنت تعرف حقيقة مشاعرك وستعرف أن تستفيد مما سبق بكل حنكة. لا يقوى الكثيرون على ذلك يا بني! فالكل ينكر لأنه يعتقد أن جروحه ستحرجه أمام الآخرين. لا يريدون الشفاء الحقيقي. إذا كنت تريد النجاة فقط اعترف أحسن لك!

ابتسمت وغمرتني السعادة فليس أنا بمذنب أو بمتعرٍ، أنا بطل، ولكن عدت أسأل من أنت أيها القاضي وكيف رأيت أنت ما فعلته أنا؟ فقال في خيلاء: أنا ضميرك، أنا نفسك. كان يجب أن تواجه نفسك يا بني لكي تكون شجاعًا وأنت هكذا! 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز