عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

نشوى سلامة تكتب: لا تمنعوا رحمات ربي

نشوى سلامة تكتب: لا تمنعوا رحمات ربي
نشوى سلامة تكتب: لا تمنعوا رحمات ربي

حقًا أعترف أنني لا أستطيع أن أبتدئ الكتابة اليوم، فأي مقدمة لا تستطيع كلماتها أبدًا أن تصف بصدق ما شعرت به حين زيارتي لهذا المكان وهؤلاء الأطفال وذويهم، فمن أين أبدأ؟ هل من الطفلة الصغيرة سلمى التي لا يتجاوز عمرها العام الواحد أم أتوقف عند محمد النحيل الجسد، الذي تظن أنه لا يزال طفلا رضيعًا بالرغم من بلوغه السنوات الأربع، أم عند كلمات الصغير أحمد الذي دعا لي عند انصرافي من أمامه، وغيرهم كُثر، ولكل منهم حكاية، وأمام كل حكاية أجد نفسي أتوقف وأستوقف الحال كله، فمن نحن أمام هؤلاء؟



كنت أبحث هذا الشهر- شعبان- عن أعمال تصب فقط في جمع الحسنات، وأعلم أن الله دائمًا لا يترك لي بالا  مشغولا  إلا وبعث لي من رحماته ما يطمئنني ويساعدني على بلوغ مطلبي وراحة بالي، ومنذ ابتداء هذا الشهر بالفعل يرزقني بما يجعل الحسنات تتدفق والحمد لله، ومن تلك الرحمات كانت زيارة مستشفى سرطان الأطفال، التي لم أعُد لها ولم تكن في بالي، فأنا أكتفي بما يقدرني ربي عليه من خلال البنك، ولا أقرب المكان، لكن هذه الزيارة كانت فارقًا وتحولا بالنسبة لي، فما رأيته بداخله أعظم بكثير من مجرد نقود.

وجدت طفلة تُدعى (سلمى) لا يتجاوز عمرها عامًا واحدًا، تحمل الجنسية الكندية لأبوين مصريين، لكنهما يحملان الجنسية الكندية، فاندهشت من وجودها ووجهت السؤال لوالدتها: ألم تستطيعي علاجها في كندا بلاد التقدم والعلم والحداثة وأتيت بها إلى هنا المستشفى المجاني؟ فردت أن الطبيب هناك أشار عليها بأن تتوجه فورًا لمستشفى ٥٧٣٥٧ لأن لديهم المقدرة على علاجها، بما توصلوا إليه من أبحاث وخبرات، وفعلا أتت بها، لكنها متعجلة من أمرها، عندما مرت بضعة أيام ولم تجد أي تحسن، فعادت إلى كندا ليعاود الطبيب هناك إرسالها إلى مصر لتتلقى العلاج، وقد كان وتلقت العلاج ولا تزال وتتحسن، وعن الجو العام والمعاملة وجودة المكان فقد أطرت وشكرت وقالت لم أرْ ولم أتخيل أن هذا المكان بهذا الشكل أبدا وأنها جدٌ ممنونة جدًا.

أما الطفل (أحمد) البالغ من العمر أربع سنوات فكان يضحك ويلهو معي وسعيدا جدًا ببعض الأعمال الفنية الورقية التي صنعوها له وازداد سعادة عندما أخذ مني علم مصر وطلب مني أن أراه مرة أخرى، ثم ودعني وجعل دموعي تنهمر بقوله خدي بالك من نفسك، فيا الله ممن تعطيني القوة، ممن تمدني بهذه الطاقة، ثم هذا الآخر (محمد) النحيل الذي فتك به المرض ويجلس أهله بجواره لا تستطع أن تنطق بكلمة واحدة أمام أعينهم التي لو تحدثت لقالت الكثير، ثم هذا الشاب اليافع هاشم ذو العينين الواسعتين الخضراوين، الذي أغُرمت باسمه وقلت له كم أنا أحب اسمه وأحبه هو أيضا، الشاب ذا الخمسة عشر عامًا الصعيدي، الذي رأيت في عينيه قوة وضعفا، وهذا الصغير (كراز) الذي لا يستطيع تناول بعض من اللبن المخصص له لكي يقوى على جلسة علاجه، وهذه الطفلة التي قالت لي والدتها أن ضغطها مرتفع جدًا، وأنها متعبة جدًا، هل يتحمل هؤلاء تبعات أعراض الضغط، يا الله كيف يشعر هؤلاء، ومن نحن بجانبهم.

وبين جولة الأطفال والتمريض والتعقيم وأماكن الترفيه لهم والجامع والكنيسة وفصول الدراسة وكم اللافتات التي تحمل أسامي الناس التي ساهمت في بناء المكان،  ومشاهدة التوسعات الإنشائية لاستيعاب عدد أكبر، والحرص على متابعة من رحل عنهم الألم، وجدت نفسي حزينة جدًا، فلماذا نحن المصريين دائمًا نتفنن في محاربة النجاح ونبحث عن أي ثغرات لنهدمه، لماذا تراجعت التبرعات لهذا المكان بعد شن حملات ضده تتحدث عن الأموال والميزانيات والأوراق والأشخاص، وتناسوا تمامًا التحدث عما يقدمه المكان، عن الأطفال الذين يتألمون، عن الأهالي غير القادرين تمامًا كما رأيت، عن معاناتهم، عن لطف الله بهم ليجدوا مثل ذلك المكان يعالج أبناءهم دون تكلفة جنيه واحد، وقد تأكدت تمامًا من ذلك، لماذا تناسى هؤلاء المهاجمون أن الهدف النهائي هو حياة طفل بل هو حياة أسرة لو دققنا المعنى.

المكان يستحق أن نحافظ عليه بنفس المستوى، يستحق أن نجعله يتوسع، كل ذلك يستوجب أموالا ليست بالقليلة، فهذا الرجل الذي يمر ليعقم كل ركن يحتاج تكلفة، هؤلاء العاملون، النظافة، الطعام، الأدوات، الأسرة، الغرف، والعلاج كل ذلك يحتاج أموالا لا حصر لها، وعن الأطباء والأبحاث فلن أزيد من الشعر بيتًا، ألم نر احتجاجات عن تقييم رواتب الأطباء وأماكن عملهم التي تليق بآدميتهم، إذن عندما يتوافر ذلك هل نبحث أين تذهب الأموال؟ وماذا عن الأبحاث المستمرة التي ينشدون بها الحد والإقلال من الإصابة بهذا المرض اللعين، والله إنني أستغرب جدًا لماذا نتحدث فقط عن أننا لا بد أن نتقدم ونتحضر ثم نبحث عن أسباب من شأنها أن نتراجع ونتأخر.

بعدما رأيت بعيني تملكتني الغيرة، وتمنيت أن تصبح جميع الأماكن التي تقدم خدمة صحية أن تصبح بهذا المستوى، ولو تعتمد هي الأخرى على التبرعات، بل فكرت في مرضى الجزام ذاك المرض الذي يأكل البشر، لماذا لا يقام لهم صرح كهذا ولكن بعيدًا عن مهاجمة وتشكيك من لا يشعرون بغيرهم، لماذا لا نكرر التجربة الناجحة؟ وفي النهاية أود أن أذكر الطفلة التي أتت للمكان كمتبرعة بما ادخرته، (فريدة ياسر) التي رأيتها بصحبة والدها، وهي بالصف الرابع الابتدائي، وكان هذا شعورها الإنساني وترجمته، وكان هذا حسن الختام للزيارة لنرى كم نحن صغارًا أمام أطفال.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز