عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

چيهان جمال تكتب : مساء المدينة (8)

چيهان جمال تكتب : مساء المدينة (8)
چيهان جمال تكتب : مساء المدينة (8)

بذات النهٓار .. 
منزل عائلة  سارة .. 
مازالت سارة متقوقعة بمخدعها .. تطويها الذكريات التي  أستحوذت  عليها بحلوها ، ومُرها  من بعد مكالمة  أدم  لهٓا .. لتبقىٓ عند أول لقاء ..
فتتذكر كيف وصفهٓا  أدم  بأوراق  كان قد تركها سهواً  أثناء  رحلة  عمل  كانت  تجمعهم  فى فرنسا  .. لتقرأ  أوراق  قلبه ..
إذ قال :
كانت سارة  تبدو بهية  الطلة ، وهى ترتدى ذاك  الزي الخاص بمضيفات الطيران ، و الذي  زانٓها و زادهٓا  رُقي .. بأول  رحلة جوية جٓمعتنا  على متن  طائرة  واحدة .
أستقبلتنى  بابتسامه تحمل  ود  دافء  كٓم  أفتقده  في  ليالي  كثيرة  باردة  تٓمُر دونهٓا .
فتِلْك  النٓظرة  التى  نفذت  عبر القٓلب لتستند عليهٓا الروح  كان لهٓا الغلبة  فى ذوبان قلبى  ، و قلبهٓا ..  غير متحسبين  مردود  شطط  الأحلام على  طرقات  الأيام .
تٓفيق سارة  على  أن حب أدم  بقلبهٓا  مازال  أكبر من  أي  لوعة  تٓشعُر بهٓا  بغيابه .، وهو  أيضاً يحبها  كذلك .
أمٓا مايذيد فهو  أنهٓا  كانت لا تشكو أي ألم يتسبب فيه خذلانه  لهٓا .
لذا لم تٓكُن تستوقفها  بالسابق التنازلات التى قدمتها  لأجله .
فٓكل  ما أستوقفها  بالأيام ، والليالي الفائتة  كان  ذاك الشعُور المضني الذي بات  ،  وأصبح لا يرحمها .. 
بأنهٓا مذنبة ذنب عظيم  بحق أُمها .،  و بأخفائها عنهٓا سرها  الكبير .
 تحاول  أن تهرب من مشاعرهٓا المؤلمة .. فتترك  غرفتهٓا ظٓناً منهٓا أنهٓا تركت حكاياها مع  أدم  .
لكن أجترار الندم على تورطها بحُبه  أٓبداً ما  ظل  بالغرفة ، بل سار خلفها  كظلهٓا يلاحقها خارج  الغرفة .
فتجد أُمها بحجرة  أعداد الطعام  .. تحضر حساء   العدس  الذي   يفضلونه  بهذه  الأوقات  شديدة البرودة  عٓله  يعينهم  على التدفئة حين يحل المساء   . 
وفى محاولة  منهٓا كٓى لا تلتقي عينيهٓا بعيون أُمها تستدير لتفتح الثلاجة  .
فدائماً  ما تٓشعُر أُمها أن أبنتها تخفى عنهٓا شيء ما   .
ولم يعد بيديهٓا شيء تفعله كأُم  سوىٓ الدعاء الدائم لهٓا .
وأحياناً  أخرى  لا تٓدرى أميرة  لماذا  تكتفي  بسؤالها  عن  علاقتهٓا  بزملائهٓا  بشركة  الطيران  التى  تعمل  بهٓا ؟! 
على الرغم من أن سارة  غالباً ما تجيبها أجابة نمطية جِداً خالية مما تريد أن تصل أليه .، وبخاصة أنهٓا تعي تٓماماً معنى مباعدة سارة   بعينيهٓا عنهٓا  ، وهى تقول أن كل شيء على  مايرام   .
 فمٓشاعر الأُم  لم  تٓكُن تصدق حديثها  أٓبداً .، وتشعر أن  ابنتها كما تحجب عينيهٓا الأٓن عنهٓا تحجب أيضاً سر كبير من وقت طويل .
فتحاول  أميرة  أن تخرج  من تلك الدائرة المؤسفة  ، وتترك  سارة  بالمطبخ .
ثم تذهب لحجرة الليڤنج  روم كٓى تقوم بعمل مكالمة تليفونية تطمئن فيها على أبنها ساهر ، و حالة الطقس بالقاهرة .
قسم شرطة التجمع الخامس ..
يٓشعُر   العميد  ساهر رئيس مباحث القسم  بالحيرة ، والتخبط  أثناء  عملية البحث الجنائي  الذي  يقوم  به  مع  مجموعة من زملاؤه   ..  لحادث  أنتحار طبيب نفسي .
فمازال  يٓشعُر  ساهر  بتلك الدٓهشة  وكٓأٓنه   ذاك  الضابط  الصغير الذي  يتابع  أول  حادثة  بعمله    .
 إذ  أن  تلك  الحالة  تنتابه  كُلما  آتته حادثة  كهذه  لاتتسق مع  الخطوط العريضة   لشخصية  صاحبها  .

ثم  يتوقف ساخراً  للحظة  من نفسه ، و من هذا التناقض العجيب الذي  يقع فيه معظم البشر .
فٓيذهب بخياله  أمام الخطوط العريضة التي بنىٓ عليهٓا أساس أختياره  لزوجته ، والتى لا يختلف عليهٓا  أحد .
فزوجته الطبيبة الصيدلانية  أبنة  العائلة الكبيرة .. صٓاحبة  القٓلب الرقيق ، و العقل المتزن  الهادىء .. غير ذلك تٓماماً ، و هذا ما أثبتته العِشرة .
ثم  يحاول  أن  يهدء  قليلاً  من تلك الثورة التي  تذيد  من  توتره 
 فيهمس ساخراً .. 
تعرف فلان .. اه 
عاشرته .. لا 
يبقى ماتعرفوش .
ثم  يستأذن زملائه ، ليأخذ  أستراحة  قصيرة  .. يتناول فيها كوب من عصير الليمون البارد الذي لا يستغنىٓ عنه مهما بلغت  برودة  الأجواء من  حٓوله .
فيأتيه أتصال من  والدته للأطمئنان عليه .. فيطمئنها سريعاً ، و يغلق الهاتف .
ليٓفيق سريعاً ، و يلوم نفسه على طريقة رده الجافة مع والدته ، و اعتياده  أغلاق الهاتف بهذه السرعة.
 على الرغم من  أنه  لاشيء يستدعي .. فهو ليس  بالبيت  ..
وليس منهمك  بعمله  وسط فريق البحث الجنائي .
أنه  بالفِعل يجلس مسترخي  .. ويشرب الليمون المنعش .
فيقول معاتباً نفسه .. 
الظاهر انك ياساهر بقيت عديم الأحساس زي ميراتك ، و ابوها .
ويقرر أن يتصل بوالدته .. 
فينادي عليه زميله بالعٓمل لأنهم عثروا على خيط هام جدا بحادثة الطبيب النفسي المنتحر .

بهذه  الأثناء  تركت  أمه  الموبايل ، و حٓاولت أن تتناسىٓ جفا ساهر .
فتدخل  ثانية  لحُجرة  أعداد الطعام .. وتشغل  نفسهٓا  بمواصلة تحضير الطعام  .
فلم تعد مدام أميرة تحزن منه ، و حٓاولت دوماً  أن  تنشغل  بأيجاد  الأعذار ..  مقدرة  ظروف  عمله ،  ومشاغله  التى لا تٓنتهى .
هى فقط أحياناً تلوم  عليه  بينها ، وبين نفسهٓا ..  أنه حين  تتهيىء  الظروف  لأن يجتمعوا  معٓاً  أثناء  أجازة  سنوية  خاصة به  لا تجده  يفكر  ولو  لمرة  واحدة  أن يطل على أمه ، وأخته الوحيدة  ، ويخطف  من فم  الزمان يوم  واحد   ليطمئن  عليهم ، و يعود .
تلوم  عليه  بينها  وبين  نفسهٓا  أنه  صٓار مكتفي برسائل عبر الواتس اب .
إذ أنهم  منذ  أكثر  من  عام  فائت لم  يروا ساهر  ، وابنته ، وزوجته .
كذلك  تحزن  أميرة  لأستسلام  ساهر  لأوامر زوجته ، وحماه ، ونواهيهم فيه ، وحرمانها منه .. ويعتب عليه قلبهٓا أنه غاب كثيراً .
يحزنها  حٓمل هٓم  سارة  ، و هٓم  وحدتها ، لو  أنهٓا  فارقت  الحٓياة  ،  وتركتهٓا  دون زوج  يحمى .. أو أخ يسند .، وبخاصة حين تشاهد ماوصل أليه حٓال كاميليا جارتها العزيزة  .
منزل الكاتب .. بهٓاء سعيد 
يركن بهاء بحجرة المكتب الخاصة به .. يٓنظر أٓلى الرسالة التى فتحها منذ وقت قريب  ليقرأها   .،  ومازال متورط  كل يوم  بالسعي  وراء سطورها ،  و مرغماً على ترك  كتابة  روايته  الجديدة .
ثم يترك الرسالة ، ويهيم على وجهه  بين جدران منزله  قلق  شريد    .
فيصل  للغرفة  التى تسببت فى أن يبيت ، ويصحو على كوابيس كُلما ظٓن أنهٓا ذهبت بألامها  لحالهٓا ..  إلآ و يجدهٓا ما تلبث  أن  تعود بأحزان  أشد  ضراوة . 
وهاهو يحاول أن يعود بالذاكرة  لأيام  كان فيها طفل سعيد وسط أسرته .. التى كانت تٓقطن  بذات  المنزل  بهذه  البناية  العتيقة .
لتٓمُر أمام  عٓينيه  تلك السنوات  التى  لم يٓكُن يٓشعُر فيها  بأنه  طفل  وحيد  لأب  كان  يعمل  مدرس تاريخ  ، و أم  فٓضلت  أن تسعد بأيامها مع  زوجهٓا ، ووحيدها بعيداً  عن توتر الحٓياة خارج حدود مٓنزلهم  السعيد .
وأن  كل  ماكانت  تخٓشاه   أمه  .. هو تقلب  الأيام  بذاك  الزمان  الخالى من الأمان  بأن  ينال  من  بيتهٓا .
فبعدت عن كل مايؤرق حياتهم ، ويجعل قٓسوة  تٓبعات  الحٓياة  تطولهم .
إذ كانت تيسر كل الأمور على زوجهٓا ، و لا تكلفه بما يذيد عن طاقته .
فاطمئنت  ظٓناً  منهٓا  أنها  لن ترى  ، و أسرتها  سوى  وجه  الزمن  الجميل  .
يعلم  بهٓاء  أن  والدته  كانت  سبب  رئيسي  لعدم  معايشته  نماذج  مختلفة من البشر عن  قرب .
وأن مثال وحيد بحياتها لأحدىٓ  قريباتها كان الدافع الأقوى لتكوين  وجهة  نظرها  تلك  .. بالخوف من الناس ، والبعد عنهم .
لذا صٓار بهٓاء  يرىٓ  القشور الخارجية  للبشر ، ويكٓون  وجهة  نظر على  السطور مغايرة إلآ حد كبير عن  واقع  الحٓياة . 
لكن من  هذا الأنسان الذي  أستطاع أن  يضع  نفسه  ،  ومن يحب بعيداً عن الناس ، و مفارقات الأقدار ؟ 
حى الأنفوشي ..
كانت أحدى قريبات  والدة  بهٓاء  تزوجت من رٓجُل أحبته  بحي  الأنفوشي الذي ولدٓت  به .
كان أسمها  عايدة  .. وكانت بسيطة  فى كل  الأشياء حتى جمالها كان بسيط لكنه  كان موحي  .
عٓاشت  مع هذا الزوج سٓعيدة راضية .. أمٓا باب بيتهم  فٓكان مفتوح  للجميع .
إذ كان  زوجهٓا  رٓجُل  حنون ٓعطاء لكل من حٓوله حتى مرض فجأة .
و توفى من بعد وقت  قليل  ،  وترك لهٓا التركة الثقيلة  من الأبناء بمراحل تعليمية مختلفة .
فوجدت  نفسهٓا  مابين  يوم ، وليلة  أرملة وحيدة ، وهى بمنتصف العمر تحمل على كتفيها كومة عيال  .، و أغلق الباب المفتوح بعد أن انفض معظم المنتفعين  من حولهم .
ثم  أشتدت بهٓا رياح  الحٓياة  بعد أن يئست من جفاء أبيها  الذي  لا يسند ، و لا  يعين ، وأخوتهٓا  ، و أخوة  زوجها الذين صٓار معظمهم  متخلى  عن  مسئوليته  تجاههٓا .، و تجاه  أولادهٓا .
و أمٓا من ظل يساعد منهم .. كان يُبٓدى نفسه  ،  و أسرته أولاً .. ثم  يلقى  لهٓم  بالفتات .
فخرجت أٓلى الدنيا تسعىٓ بمشروعها الصغير للمخبوزات .. لتوزعه بالحي على البقالة   ، و على الأقارب .
وبعد مشوار طويل أطمئنت عايدة  لدخل مادي منتظم  يعينها على تٓكملة مسيرة العطاء من بعد زوجهٓا على أولادهٓم .
وتهيأ  بهٓاء نفسياً  لمحبة  حى الأنفوشي  بحكايا أمه عن عايدة  الجدعة  أبنة  ذات الحى  .
يٓفيق بهٓاء على  أشتداد الرياح  .. فٓيمر على كل حجرات  منزله كى  يتأكد أن جميع الأبواب ، والشبابيك  موصدة  تماماً .
ثم   يتوقف  ثانية  أمام  الحجرة  التى تركها  بكامل  أرادته  دون  ندم ، ولم  يكن يعلم  أن  وجه  المساء الحالم  الناعم الذي جمعه  بعايدة   الأخرىٓ    .. سوف  يحمل  معه  كل  هذه  التجاعيد المخيفة  على مدار السنوات  الفائتة  .
و لم يعلم  بهٓاء  أن الصباح  الآتىَ  بعد ليالي  عذاب  طوال  .. بدىٓ  يحبو  ، ويقترب من  أطراف العمر .
و هاهو يعود  أليه  بوجهه البرىء منذ أسابيع  مضت . 
ويعُود به أٓلى مايقرب من خمسة عشر عام مٓضت 
 .. ليتوقف  بهٓاء  عند  الأمسية  التى  رأىٓ   فيها عايدة  .. أثناء  ندوة  أدبية  كانت  مقامة له  بمركز  ثقافة  الأنفوشي .
وكٓأنها ألقت حول أطراف حياته  برباط  ظٓن بالبدايات أنه ناعم كالحرير .. لكنه  للأسف  كان  غليظ  خانق  شديد القسوة  .
فٓمنذ أول  أنتباهه لتلك الفتاة المختلفة .. صٓار  بهٓاء معصوب  العينين  .. يسير خلف  خيال  قلبه  الذي  ظل  يحدثه  عن  فتاة  أحلامه  .، التى  سوف تتوقه  بأحاسيس تشبهه  ، و التى من فرط  قوتها  لم  يستطع  أن يبوح  بهٓا   على الورق .
لذا كان خياله هو  دافعه الأقوىٓ  للبحث عنهٓا .، والزحف خلفها .
وكُلمٓا  كان  خياله   يسافر  به على  شراع  أشواق حائرة  ..  متلاطمة  ،  ويرسو  به  على  رمال  مٓشاعر  ناعمة  .
كان  بهٓاء  يستسلم .، ويسير خلف ذاك الخيال  أكثر ، و أكثر   ، و ينساق خلف تلْك  المشاعِر التى زجت بقدميه  عند عروس البحر النائمة  على شط  الهوىٓ  .
 ليرىٓ  نفسه يوقظها  فتفتح  له  عيونها  الممتزجة بألوان البحر . ،   لتجذبه  ..
فيجدها هى  ذاتها تلك المرأة  التى ظل  يبحث عنهٓا  ، و يعشق تٓفاصيل جمالها المُبهر   .
فتحيره  عروس  البحر بنصفها الآخر المختبىء خلف خيالات كان يعشق  الغوص  بأعماقها .،  ظٓناً منه أنه بشفافيته المطلقة سيكشف عن كنوز أسرارها .
وهذا ماحٓدث له حين التقىٓ بعايدة ، ووقع فى غرامها منذ أول نظرة ، و أول همسة .
 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز