عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

الحياة كما يجب ألا تكون في "شباك مكسور"!

الحياة كما يجب ألا تكون في "شباك مكسور"!
الحياة كما يجب ألا تكون في "شباك مكسور"!

كتبت - هند سلامة

"نظرية النوافذ المحطمة" هي نتاج فكر المُنظرين في علم الجريمة جيمس ويلسون وجورج كيلنج، النظرية بسيطة ويمكن تلخيصها في أن الكبائر تبدأ بالصغائر، يرى المنظّران أن الجريمة هي نتاج الفوضى وعدم الالتزام بالنظام في المجتمعات البشرية، فإذا حطم أحدهم نافذة زجاجية في الطريق العام، وتُركت هذه النافذة دون تصليح، سيبدأ المارة في الظن بأنه لا أحد يهتم، وبالتالي لا يوجد أحد يتولى زمام الأمور، ومن هنا تبدأ نوافذ أخرى تتحطم على ذات المنوال، وستبدأ الفوضى تعمّ البيت المقابل لهذه النافذة، ومنه إلى الشارع، ومنه إلى المجتمع كله.



من هذا المنطلق كتبت المؤلفة رشا عبد المنعم قصة عرضها الأخير "شباك مكسور" الذي يعرض حاليا على خشبة مسرح الطليعة للمخرج شادي الدالي، وبطولة الفنان أحمد مختار ونادية شكري، اتخذت رشا من هذه النظرية إطارا لحكايتها.

 

 

يدور العرض حول أب قرر حكي ورواية مأساته مع أسرته، المتمثلة في زوجة وشاب وفتاتين وأمه التي تعيش معه في نفس المنزل، ثم الشباك المكسور الذي لا يتمكن من إصلاحه ابدا، أو أنه لم يهتم بذلك من الأساس، يحكي الرجل في سلاسة وبساطة كيف أقدم على جريمة قتل أسرته حتى يتخلص من أعبائه التي أثقلت كاهله يبدأ العرض بروايته لقصته كاملة!

وفقا لنظرية "النوافذ المحطمة" تبدأ الأزمة من الشباك المكسور الذي يكشف عورات المنزل ويصبح السكان متداخلين في الحياة معهم وكأنهم جزء منه فهم يسمعون ويتشاركون مع أهله في كل شيء، نرى في هذا المنزل الذي يبدو فقيرا متهالك اتقن صناعته مهندس الديكور وائل عبد الله، أسرة متفرقة كل فرد له اهتماماته المستقلة عن الآخر الفتاة الكبرى تهتم بالزواج وتتزوج أول من يتقدم لها ثم تصبح مطلقة ومعها طفلين وتعود لأبيها محملة بهموم كبرى، والصغرى تعيش في عالم آخر تتخيل اشباح وتحيا بينهم في خيالها ووالدته تتوحد مع هاتفها المحمول الذي تتحدث فيه إلى نفسها وبالطبع لا تكف عن افتعال الأزمات مع زوجته التي تعيش بين هذا الضغط وتدور في مفرمة الحياة بين عملها كمدرسة وبين هموم منزلها التي لا تنتهي وتتلخص في الأزمة الاقتصادية بالطبع يعاني الرجل من عدم وجود حل لكل هذه الأزمات.

 

 

يبدو من القصة أنها مأساوية لكنها قدمت في عمل غير مأساوي على الإطلاق أو أنها تنقل واقع الأسر الفقيرة التي نسمع عنها بالصحف اليومية والتي احيانا ما يلجأ ربها إلى قتل ابنائه من شدة ضغوط الحياة والمجتمع، لكن المفارقة أنك لن تشعر بهذه المأساة اثناء المشاهدة فهناك حالة من اللامبالاة صاغتها المؤلفة في نصها، سواء كانت متعمدة أو غير متعمدة هذا واقعنا بلا مواربة، لن تدفعك للشعور بالشفقة أو التعاطف أو حتى السخط على القاتل أو المقتول لكن قد تدفعك للتفكير والتساؤل هل اصبحنا بهذا التوحش حتى نستقبل مأساة بكل هذا الترحاب والمشاعر الغامضة غير المحددة فهو عمل ذهني أكثر منه انفعالي يحفز على التفكير والتساؤل بدلا من الحزن والتعاطف الذي ربما سينتهي مع نهاية العرض لأن الحزن والشفقة مجرد انفعال يذهب بذهاب السبب بينما التفكير قد يستمر حتى ولو بعد العرض بأيام!

 قدمت رشا هذه المأساة وإقدام الرجل على فعل هذه الجريمة البشعة بشكل ناعم املس مجرد من المشاعر؛ فسينتهي العرض وأنت في حالة بين الدهشة والسخرية مما رأيت؛ الدهشة من شدة البساطة التي تناول بها الأب مأساة إقدامه على قتل ابنائه واستقبالك أيضا للموضوع بنفس البساطة التي حكى بها جريمته ثم السخرية بعد اكتشافه أن السم الذي وضعه كان "مضروبا" ولم يأت بالمفعول الذي اراده حتى السم أصبح مغشوشا وليست حياتنا فقط؛ اتقنت رشا ومعها المخرج وبالطبع الفنان أحمد مختار وضع الجمهور في هذه الحالة من استقبال القصة ببرود شديد.

 

 

استخدم شادي الدالي في إخراجه للعمل تكنيك يشبه عازف البيانو في تبدل حركة وانتقال الشخصيات على المسرح وفي تتابع المشاهد ومزجها بحكي البطل والدخول في حياة الأسرة بالعرض وكأنه يعزف لحن جديد من الحانه على آلة البيانو وكان من اقوى وأجمل وامتع مشاهد العمل انتقال الأب لمشهد الحلم الذي شاهد فيه حقيقة أو ورغبات كل فرد في العائلة المدفونة في اللاوعي رأى الجميع من الداخل في مشهد بديع حركيا وتقنيا وكأنه مشهد في شريط سينمائي انتقل على المسرح؛ عزف أول مقطوعة من لحن المخرج الفنان أحمد مختار الذي قدم شخصية الأب ببرود وتلقائية وسلاسة المجرم المجرد من كل الأحاسيس والمشاعر الإنسانية أو الواقع تحت تأثير مخدر نزع منه الإحساس، وربما كان له الفضل في إضفاء حالة اللامبالاة في عرض هذه المأساة وطبعها على العمل بالكامل ثم يليه في التفوق ومهارة الأداء الفنانة نادية شكري ومجدي عبيد ووليد ابو ستيت والشباب المشاركين فلا يتوقف شادي عن تقديم وإكتشاف المزيد من الموهوبين اصحاب البصمة المختلفة والفارقة في الأداء، وعلى رأسهم ربا شريف إمام في دور الجدة، ربا تبدو في الواقع بسن العشرينات بينما في العمل كانت في سن السبعينات، قدمت ربا دورها بتمكن ومهارة شديدة وكأنها امرأة عجوز بلغت من العمر أرذله، ثم علي كمالو في دور الزوج والابن وانتقل بين الاثنين كأنه شخص آخر، مروى كشك، مروان فيصل، هند حسام، كل هؤلاء شكلوا معا هارموني لعرض مأساة الحياة كما يجب ألا تكون في "شباك مكسور" وكأنها ملهاة مسرحية حملت قمة السخرية والتهكم لما وصل إليه حال الإنسان بواقعنا المعاصر!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز