عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

زيارة إلى "عتريس السينما" في ذكرى وفاته.. الفنان محمود مرسي

زيارة إلى "عتريس السينما" في ذكرى وفاته.. الفنان محمود مرسي
زيارة إلى "عتريس السينما" في ذكرى وفاته.. الفنان محمود مرسي

كتبت - إيمان القصاص

- لا يحب الحديث في التليفزيون أو الصحافة



⁃ سر عدم شعوره بالأمان طوال حياته

⁃ يحيى شاهين في دور سي السيد كان أفضل مني!

 

عندما أنظر لمشواري الفني أشعر بالسعادة، بسبب الأعمال الكثيرة التي قدمتها، فقد احترمت جمهوري ورفضت الأعمال الهابطة، لم أبتذل نفسي ولم أستهن بزملائي، ربما أجد نفسي لست راضيا عن بعض أعمالي، لكن ليس هناك ما أخجل منه ويكفيني ما أحسه من محبة الناس وتقديرهم المنصف لي.

لم أجد بداية للحديث عنه إلا كلامه عن نفسه لأول وآخر مرة للناقد الكبير كمال رمزي، في الدراسة التي قدمها عنه بعنوان "محمود مرسي.. عصفور الجنة والنار"، ووافق على الحديث معه بعد فترة من الرفض، معللا ذلك بأنه مؤدٍ فقط لكلام السيناريست وتوجيهات المخرج، ولا يفضل الظهور كمتكلم على الإطلاق.

لم يشعر مرسي بالأمان بسبب انفصال والديه، وظل هذا الشعور ملازما له طوال حياته، فلم يكن له العديد من الأصدقاء لذلك برع في تقديم الأدوار النفسية والسيكوباتية بتميز وإبداع يفوقان الوصف.

هو المثل والمخرج والأستاذ والمثقف، هو الاستثنائي في السينما المصرية هو الذي قدم نوعيات أدوار متباينة تماما عن بعضها البعض، وأجادها بكل احترافية وخصوصية وتمكن، من زوجتي والكلب عام ١٩٧١ الزوج الشكاك الذي يحول حياة زوجته إلى جحيم، والخائنة عام ١٩٦٥ الزوج المشغول دائما عن زوجتها ما يجعلها تعاني من وحدة قاتلة ما يضطرها لخيانته، والليلة الأخيرة عام ١٩٦٤ الزوج السيكوباتي مرورا بتقديمه لعمل من أهم أدواره في الباب المفتوح.

لا ننسى أيضا دوره في "السمان والخريف" الشاب العلماني الثوري الذي لم يستطع التغلب على الصراع داخله بين نشأته وبين توجهه وثقافية، وهذا ظهر عندما أحب فتاة ليل "نادية لطفي" وتزوجها وتجاوز عن ماضيها وخلف منها، لكنه مع كل ذلك لم ينس ووقع سريعا في الصراع فطردها وعايرها بماضيها.

ولد مرسي في ٧/٦/١٩٢٣ بالإسكندرية، والده كان نقيب المحامين، وانفصل والداه وعمره لم يتجاوز عدة سنوات، وتزوج كل واحد منهما مرة أخرى، عاش طفولة مضطربة مشتتة، التحق بمدرسة داخلية، وتنقل بين مدارس أجنبية عدة، وكان مطلوبا من طفل صغير الانسجام والتواؤم مع كل مدرسة منها واستيعاب اللغات المختلفة، فالإسكندرية في ذاك الوقت "الثلاثينيات"، تمتلئ بالجاليات الأوروبية المختلفة، بينما يذهب الطفل محمود للإقامة مع والده وزوجته التي كانت تعامله بقسوة ولا تحنو عليه.

كانت والدته تحب السينما وكانت تأخذه لمشاهدة الأفلام معها، وذات مرة شاهد معها فيلم "آنا كارنينا" بطولة جريتا جاربو، وفي مشهد خاص في الفيلم ينتزعون من البطلة طفلها منها كي يتسلمه والده، انهمرت والدته من البكاء، وكأن المشهد لمس داخلها جرحا يخص علاقتها بطفلها.

لعب القدر مع والده موقفا أدى به إلى الموت من الحسرة والخذلان، كان يعمل لديه موظف في مكتب المحاماة الخاص به، وتركه وقرر اللعب في البورصة، وأصبح خلال شهور قليلة من الأغنياء، وأعجب والده بالفكرة وحاول تقليده، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، باع جميع ممتلكاته وقرر المغامرة ودخول اللعبة، تعرضت البورصة للانهيار، وحلّ الكساد العالمي عام ١٩٢٩، وانخفضت الأسهم بعد فترة وجيزة من شرائه، لم يستوعب ما حدث له أصيب بجلطة دماغية وتوفي عام ١٩٣٤.

جاءت الانفراجة والراحة والهدوء بعد وفاة والده، حيث انتقل للإقامة مع والدته، وكان زوجها يعطف عليه ويعامله كابنه، ونقلاه من المدارس الأجنبية إلى الوطنية "الحكومية"، وتلاشت كراهية التلاميذ الأجانب له، حيث كان الوضع محتقنا في ذاك الوقت، ما أشعره بالراحة النفسية، وتعلم اللغة العربية لكي يدرس في المدارس الحكومية، وعلى الرغم من هذه الراحة والطمأنينة لكنها لم تعوض لديه إحساس عدم الأمان والقلق الذي ظل ملازما له طوال حياته.

قدر التمثيل

لم يسع إلى التمثيل ذات يوم، ولم يرد أن يصبح ممثلا، لكنه كان قدرا على حد وصفه، فأثناء دراسته في المرحلة الثانوية، وبالتحديد عام ١٩٣٨، كان يدرس مسرحية "لويس الحادي عشر" وأراد المشرف على فريق التمثيل أن يقدمها على خشبة المسرح، وسأل التلاميذ من الزميل الذي من الممكن أن يؤدي دور البطولة؟ وقال الجميع بلا تردد "محمود مرسي" وهذه كانت الصدفة.

حلم الإخراج

أخد قرارا حاسما عام ١٩٥١ بالسفر لفرنسا لدراسة الإخراج، وباع المنزل الذي ورثه لكي يصرف على تعليمه في مدينة النور، وقدم في معهد الدراسات العليا السينمائية، وقدم مشروع تخرجه بعد عامين، وكان إخراج فيلم لا يتجاوز عدة دقائق يعبر عن موقف تردد الصبي الذي من المفروض قيامه بعملية اغتيال في مسرحية "الأيدي القذرة" لسارتر، وهنا جاء تحول آخر في حياته، وتدخل القدر، فالأساتذة الذين يتابعون العمل قالوا له أنت ممثل أكثر من أي شيء آخر، وفي مدينة النور تابع معارض الفن التشكيلي، وتردد على دور السينما والمسارح، وذات يوم تقدم للعمل في الإذاعة الفرنسية وقدم لها ملخصات وتحليلات للأفلام المصرية، وبعد مضي فترة من الزمن اكتشف أن لهذا البلد وجها قبيحا، فقد كانت فرنسا شديدة العداء لمصر ولعبد الناصر، وبدأ الضغط عليه وعلى زملائه، وتم طرده من العمل، وعاش أياما قاسية لكنه، لم يفقد الأمل، وتقدم للعمل في إذاعة BBB للقسم العربي، وسافر إلى لندن لتكملة المشوار، وأثناء ذلك أعلن جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس واتخذت الإذاعة موقفا معاديا لمصر، وقرر محمود مرسي العودة إلى مصر بلا عمل وبلا مال، ولعبت الصدفة دورا آخر في حياته، حيث كان وزير الإرشاد حينها الأستاذ فتحي رضوان، الذي كان يعرف والده، وأيضا يعرف دراسته الفنية والمسرحية، فقام بتعيينه كمخرج في إدارة المنوعات في الإذاعة، وقدم عدة برامج ثقافية وفنية، وبعدها انتقل إلى إخراج المسرحيات العالمية، لآرثر ميلر وأبسن وغيرهما.

ظهور التليفزيون وبداية الاحتراف

عند ظهور التليفزيون عام ١٩٦٠ ذهب مع المخرج حسين كمال إلى روما لدراسة الإخراج، وعاد لإخراج التمثيليات، وعمل على تنويع الأماكن وتغيير الديكورات الثابتة التي تعودوا عليها، وبعد فترة وجيزة من عمله حلت الخلافات بينه وبين وزير الإعلام عبد القادر حاتم، الذي كان يؤمن بالكم، وكان بينهما اختلاف واضح في وجهات النظر، فأرسل له خطاب استغناء عن خدماته بعد رفضه تقديم مسرحية في وقت وجيز، دون التحضير الكافي لها.

هو والسينما

كان محمود مرسي قد بنى اسما كبيرا كمخرج تليفزيوني شهير، وقد استدعاه المنتج رمسيس نجيب وقال لنفسه "رب ضارة نافعة، وأن فصله من الإذاعة سيفتح له أبواب السينما"، وذهب للموعد ووجد معه المخرج نيازي مصطفى، وأدرك أنه مدعو للتمثيل وليس للإخراج، وبالفعل عرض عليه دورا في فيلم "أنا الهارب"، ووقع العقد، ومن هنا بدأ محطة جديدة في مشواره السينمائي.

كانت أولى محطاته المهمة عندما أسند إليه صديقه المخرج كمال الشيخ بطولة فيلم "الليلة الكبيرة" أمام سيدة الشاشة فاتن حمامة، وبعدها أسند إلى دورا آخر في فيلم "الخائنة" وكان مطمئنا للعمل معه، فكان يشبهه بلاعب كرة يدخل مباراة في ظل مدرب موثوق في خبرته ودرايته، لذلك استطاع أن يقدم أفضل ما لديه، وحاز الفيلم إعجاب الجميع، وأعلن عن وجود فنان كبير يستطيع منافسة فناني الوسط في ذلك الوقت.

بصمة المخرجين

من المخرجين الذين كان لهم بصمة واضحة في أعماله الفنية وحياته الشخصية المخرج كمال الشيخ، من حيث التهذيب والراحة النفسية خلال العمل والثقة في النفس وخفوت الصوت، ولعب نفس الدور المخرج الكبير هنري بركات الذي قدم له فيلما "الباب المفتوح وأمير الدهاء".

ديكتاتورية شيء من الخوف

أما المحطة الأهم في مشواره الفني فكانت تقديمه فيلم "شيء من الخوف" من إخراج حسين كمال، الذي هوجم بشدة وقت عرضه، وقد فسره البعض بأنه هجوم على الرئيس السابق جمال عبد الناصر، وكاد الفيلم يمنع من العرض الجماهيري، لكن جمال عبد الناصر طلب مشاهدة الفيلم وطلب عرضه في دور السينما.

الهزيمة أمام يحيى شاهين

خاض محمود مرسى تحديا جديدا عندما عرض عليه أن يلعب دور السيد أحمد عبد الجواد الذي سبق أن أداه الفنان يحيى شاهين في الثلاثية الشهيرة وقام محمود مرسي بتمثيل المسلسل في ثلاثين حلقة تليفزيونية، وقد اعترف الفنان محمود مرسي بهزيمته وقال: إن نجيب محفوظ رسم هذه الشخصية خصيصا ليحيى شاهين، وكنت في أدائي أبحث عن "أحمد عبد الجواد بينما يحيى شاهين يعيشه" ولا يستطيع أي فنان مهما بلغت موهبته أن يقدم هذا الدور بهذه الحرفية والتمكن غير يحيى شاهين.

الأعمال الدرامية

قدم محمود مرسي العديد والعديد من الأعمال الدرامية الناجحة والمرتبط بها الجمهور إلى الأن منها العملاق، زينب والعرش، الرجل والحصان، عصفور النار، سفر الأحلام، اني راحلة، بين القصرين، قصر الشوق، رحلة السيد ابو العلا البشري، ابو العلا البشري ٩٠، العائلة، لما التعلب فات، بنات أفكاري.

وكلما مرت السنوات فمن المؤكد أن كل الاعمال الفنية التي قام بها محمود مرسي والتي نراها من حين لآخر حتى الان إنما تؤكد ان محمود مرسي فنان خالد لا يموت.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز