عاجل
الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

جيهان جمال تكتب: "مساء المدينة " (9)

جيهان جمال تكتب: "مساء المدينة " (9)
جيهان جمال تكتب: "مساء المدينة " (9)

بذات النهٓار . .

حى رشدي ..

البناية العتيقة ..
منزل كاميليا ..

بعد محاولات  مضنية   قضتها  كاميليا  منذ  ليل  الأمس  حتى  مطلع  هذا  النهٓار هاهي  تنام  على  أرق .، ويحاصرها   القلق  رافضاً  الرحيل .

فتتقلب بمخدعهٓا ،  و كأنهٓا نائمة على قطعة جٓمر  ،  ومتلحفة  بالألآم  التى  ظٓلت  تؤرقهٓا  ، و آبت  أن  تفارقها  .

فٓبعد أن  كانت  تمكث  بمخدعها  منذ  وقت  قليل  ..   غٓفت    ، وهى  تتدثر  بلحاف  ثقيل  من  القطيفة  الناعمة  الزرقاء   .

غٓفت  كاميليا  ككل  ليلة  تباعد فيها عن عينيهٓا ذكريات ماضي  تهرب منه ، و من نجمة  كانت مضيئة  بسماوات  الفن .

ثم نزلت بكامل  أرادتها  .. لتعيش على الأرض  .. تاركة  الأضواء الزائفة  قبل  أن تتركها  ، و تتخلى عنهٓا ، و ترحل .

فٓبعد أن  عادت من  الشرفة   منذ أقبال الصباح  حاملة  بقلبهٓا  كل  ماتستحق  أن  تحيا  به  . 

ككل صباح تجلس فيه  بشرفتها  تحاكى البحر ، وتلقى   فيه  بكل  ماكان  يعذبها  ، وتعود  منه  بكل  ماتتمنى .

تعود ، وكأنها  بتلك  اللحظات عادت لتلك الفتاة  الحالمة  الناعمة  قبل أن يكسرها الزمان .

وهكذا كان ، ومازال حٓال ليل كاميليا ، ونهاره .

فأحياناً  تترك  المهدئات التى كانت لسنوات  طويلة  فى كل ليلة  لا تستطيع  النوم  إلا  بهٓا  .

وتحاول  أن تنام  دونهٓا كما بهذا النهٓار .. ليأتيها النوم بعد عذاب طويل .

وهذا الشيء  يوترها جِداً .. رغم  هذا الكٓم الكبير من الهدوء  الذي  من الممكن أن تحظى  به لو عِشت للحظٓات بحضن عينيهٓا . 

كما يقول عنهٓا  بهٓاء  حين  يغزل  من  دفء عينيهٓا أساطير العِشق  الناعمة  برواياته  التى  يهيم  بهٓا  قرائه  ، ولا يعلمون من تكون  صٓاحبة  تلك العيون الدافئةً . 


منزل بهٓاء ..

ورطته  ذكريات  عايدة  عروس  البحر  .. بعد أن  خرج  من  غرفتهم  التى  ظٓلت مغلقة  لسٓنوات ، وسٓنوات  ، و غفىٓ فى  نوم  طويل  على الأريكة   ..  كما  غٓفىٓ  عنهٓا  قبل  سنوات  كثيرة  .

بعد أن  غٓلبه  الظٓن  أنهٓا  سنوات مٓضت  لحالهٓا  ..  تماماً كما ظن  أن عايدة   صفحة  ، وطويت  ، ولن  يفتحها  أٓبداً  .

ليزوره  بمنامه  ولده الذي  تمناه  منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ، وكأنه  يذكره  بأن موعدهم  بهذا المساء . . ليعاوده  الحنين عند أول  لقاء كان  بينهم  بالأسابيع  الماضية .

مُنذ شهر مضىٓ .. 

ذات صباح ..

يٓدق جرس الباب  بموعد يرتبه  بهاء  كل يوم  للقائه   مع  الأوراق .

حتى صار هذا اللقاء  بمرور الأيام  هو الأقرب لقلبه منذ السنوات البعيدة ، و الذي  لم  يعد ينافسه  فيه غير تمنى  موعد  اللقاء  بكاميليا .. بأي  وقت  يشاء  فيه الهوىٓ  .

فيترك  قلمه يحتضن أوراقه  على مكتبه ،  و يذهب  ليفتح  بابه  بمنتهىٓ  الهدوء  ، وهو لا يدرى من الطارق .

و إذ به  يٓجد  صبي  يبلغ من  العمر الخامسة  عشر  و لربما  يزيد  قليلاً  .. أو يقل  عن  هذا العُمر .. يقف  أمامه  بوجه  هادىء مستسلم  تٓماماً  لشيء  لم  يٓكُن  بهٓاء يدركه  .

وبنظرة  عابرة  على هيئته ، و ملابسه  التى لم  توحى  له عن  أي  معنى  .
يحتار فى أٓمره  . .  إذ كان مظهر الصبي  لا يوحى  برغد  العٓيش  أو  بفقر الحٓال .

ثم  بلسان  ثقيل  متردد  يستأذنه  الصبي بالدخول  .. لأنه  يحمل  له رسالة  خاصة  جِداً من عايدة .

فيتوه  بهٓاء  ، وتخذله  أقدامه من قٓسوة  وقع  أسم عايدة  على أذنيه .

ثم يتماسك بسُرعة ، ويسأل الصبي بصٓوت فزع  ..

عايدة مين  ؟ !
فيجيبه الصبي ببراءة ..
عايدة  أُمى .

فيدخله بهٓاء أٓلى منزله  ..  دون  تفكير ، و كٓأٓنه  يٓخشىٓ  الأنهيار من  تكرار أسمها مرة  أخرىٓ  بين  أروقة  البناية  العتيقة  ، و الجدران .

ثم  يغلق  عليهما  الباب  الذي  ظٓن  أنه  لن  يُفتح أٓبداً .
حُجرة عم  رضوان ..

يحاول  رضوان أن يقوم من على فراشه ..
ليلحق بصلاة  الظهر .. قبل  أن  يؤذن لصلاة  العصر  .

يعلم  رضوان  من صوت الرياح  الذي أيقظه  أن  الأحوال الجوية  تزداد سوءاً ، و أن  نجاة  لم  تعود من عٓملها  بعد .

فيستند على الأعمدة  النحاسية  الفقيرة  فى غيابها ..  ثم يبعد يديه  لأنه  لا يقدر على ملامستها .. من  شدة  برودتها  .
و يستجدي  يديه   الصمود  .، و مساندته لمقاومة  هذا البرد  القاسي .

فيقوم  بنزع  كوفيته  الصوفية  من على رأسه ، ويحاول  أن  يستند بهٓا  على الأعمدة النحاسية  التى لازالت تصلب مخدعه .. على الرغم من وهنها مٓعه .

و فى محاولة  منه  لتحدى أيام  تخذله  بالعجز .. يقاوم  رغم  كهولته   .

حى الأبراهيمية ..
بالفندق ..

لم  يجد  وائل  أمامه  حِيلة  سوى الخروج   من الفندق  وسط هذه  الأحوال الجوية  السيئة ، والذهاب  لمنزله  بالبناية  القديمة .

مقرراً كسر باب شقته .. بعد أن يأس من مقابلة زوجته ، وبناته .. أو أٓى أحد من أفراد أسرتها يستطيع أن يواجهه ، و يكّون على مستوى المسئولية ، و يتحدث أليه .

عٓل أحدهم  يكشف له سر هذا الغموض .. أو على الأقل يُعطيه مفتاح شقته .

الرحاب ..

منزل ساهر ..

يعود ساهر لمنزله ، و هو يلوم نفسه على أنه أستسلم ، و ترك  حماه   يفعل  به  مايشاء .. حتى  أنه  لم  يٓشعُر بأي  راحة  طوال سنوات العشرة  التى جمعت  بينهما .

إذ  ظل  دوما  يعتريه أحساس  بالتبعية ، والقهر من معاملة حماه الغليظة مٓعه  ، وتشدده بالأمر ، و النهي بكل مايٓخُص  حياته  سواء بعمله أو ببيته مع زوجته نُهى  ، و أبنته  سالى .

وهكذا أراده  حماه  مساعد الوزير  أن يصير التابع  الدائم  له ، و الذي  لن  يتغير  .. أو  ينقلب عليه  حين  تذهب  المناصب .. فٓكان .

إذ  أن  حماه  لم  يٓكُن  مُدرك  على الأطلاق أن أي أنسان مهما بلغ من  السلبية أو من الأدب أو الحفاظ  على العِشرة  ، و المودة  .

فهو بالأخير بشر ، و أن  البشر مهما  تفاوتوا  فى درجات التحمل  ..  إلا  أنه  لأى  منهم   طاقة  قصوى  لن يتبع  نفاذها  سوىٓ  الأنفجار .

  فلم  يتوقف هذا الأب للحظة أن ابنته تربت على أن تعيش لتحقيق رغباتها ، وفقط .
و أنها لم تترك لزوجهٓا فرصة العيش الهنى على الأطلاق كزوج  وأب لطفلة صغيرة لم تختار أن تعيش وسط هذا الجو المشحون بالجفا  .

إذ أنها منشغلة عن بيتها  دائماً  بالعٓمل بالصيدلية .، ومجال أستيراد .، وتسويق الأدوية .

هذا المجال الذي  ظل ساهر يضع حولهِ ، و حول نفوذ  أبوها  ألف خط ، و خط .

والشيء الوحيد الذي أصر ساهر على أن  يقوم  به ، و أن يتحمل تبعاته هو أختياره لهذه الشقة السكنية  المؤجرة  .. بعد أن ضاق بالعيش معهم وسط  ڤيلتهم  الكبيرة .


فٓلم يرتضي  على كرامته  أن يشاع بين زملاءه  أنه  يقيم  بڤيلا  حماه .

و مع  ذلك يعلم  أنه لم  يسلم من بعض غمز ، ولمز .

أمٓا  غير ذلك ما أعترض على شيء ..  ليظِل متبرم  طوال الوقت  غير سعيد .، و غير راضى عن  حياته  بالمرة .

حى لوران ..
ڤيلا أدم ..

يصل  أدم  لغرفة  أعداد الطعام  بالطابق الأرضي  كٓى يطلب من  عاملة  المنزل  كوب  نيس كافيه .

فٓيٓجد مولي  مازالت  تثير ضوضائها ، وتنفس غضبها فى عاملة  المنزل .

ذاك الغضب الذي لم يعرف له حتى الأٓن أسباب منطقية .

فمن المفترض أنهم  كانوا ، و مازالوا يعيشون حٓياة  لا تستدعي ذلك ، حٓياة من وجهة نظره لم يٓكُن ينقصها شيء . 

لينتبه  أدم  أن  الحريق  الذي  أشعلته  مولي  بالبيت  مستمر من  قبل  أذان  الظهر ، وهذا  ليس  بعادي لأن  تستيقظ  بهذا الموعد .

فيتذكر أنهٓا على موعد اليوم مع صديقاتها من سيدات المجتمع   .

فينادي عليهٓا بهدوء .. 
وعلى مٓضض تأتي هي  أليه ..
ودون أن تٓنظر لوجهه لأنشغالها بترتيب حقيبة يٓدها 
تقول .. 

- فى أيه يا أدم ؟
- لا أٓبداً .. حاجة بسيطة جداً.
- قول .
- أعتقد مفيش داعي تنزلي النهاردة ..
والأفضل  تقعدى مع البنات 
لأن  حالة الجو زي مانتي شايفة  سيئة .
- عادى كلنا متعودين نخرج فى الجو ده ..
وماقدرش طبعا  ألغي الأجتماع .

يٓنظر أليهٓا نظرة باشمئزاز  ..
ويقول .. 
- أكيد طبعا ..
نسيت أن الأجتماع  أهم بكتير من  بناتك ، وبيتك .
لا تبالي بكلماته ، و تمضي فى طريقها دون الألتفات أليه ،  ودون ألقاء نظرة على البنات بحجراتهم .

يصعد أدم للدور العلوى قبل أن يغادر الڤيلآ  كٓى يطمئن على أبنتيه فيجدهما نائمتين .

وبعد أن فكر فى أيقاظهم  .. يتذكر أن اليوم هو يوم أجازتهم الأسبوعية  ، وأن الجو شديد البرودة ، و مولى لن تبقىٓ خارج  البيت كثيراً .. فٓهى على الأرجح سوف تعود قبل حلول  المساء .

فيقرر أن يتركهم بمخادعهم الدافئة يستيقظوا وقت ما يحلو لهم . 

البناية العتيقة ..
منزل بهٓاء ..

بعد أن  دخل  الصبي  منزل بهٓاء  .. وجده  فى شدة الخجل ، و الأضطراب  ، و لا يٓنظر لأى شيء سوىٓ  لوجهه  .

وكٓأٓنه  أراد  أن  ينفذ   بكل  ما جاء  يحمله  بقلبه لتفاصيل  روح  بهٓاء  .. عبر  تقاسيم  ملامح  وجهه  التى  كٓم  أفتقد  حقيقته   بغيابهٓا  عنه منذ  أن  آتىٓ  للدنيا بلا حِيلة منه ،  وزرعته عايدة بأرض ليست أرضه  .

ثم  يجلس منزوياً على أريكة  صغيرة  بالليڤنج روم  .، وكٓأنها  وهو متقوقع   رغماً  عنه  بهٓا  هى المساحة الوحيدة التى سمح  له  بهٓاء بالمكوث  فيها  .

فمكث  الصبي  بهدوء   ..تتملكه  مٓشاعر متنازعة  كثيرة منذ أن فتح له بهٓاء الباب ، ووقعت عٓينيه عليه .

لكنه يريد أن  يرتاح ..  ويفصح  عٓمن  يكون .. وبالفعِل  ، وقبل  أن  يسأله  بهٓاء عن  أي  شيء .

ٓراح  ينزل  الحقيبة  الصغيرة  التى كانت على كتفيه ، و يٓفتحهٓا  ، وكٓأن  تلك الحقيبة  المغلقة  هى  عقل ، و قلب عايدة  الذي  لم  تسمح  له الأيام  بأن  يٓفتح  كل الرسائل  ، و الأسرار التى بهٓا  بعد .

ليخرج منهٓا ظرف به خطاب من عايدة 
ثم يٓنظر الصبي أٓلى بهٓاء بمُنتهى الحب ،   و يخبره  بأنه  ابنه  الذي  لم  يٓكُن  يعلم  عن  وجوده  شيء ، و العائد  أليه  من  بعد خمس عِشرة  عام  من أنفصاله عن  أمه    .، و كٓأٓنه أراد أن  يبلغ  سريعاً  ذروة  الأمان وسط جنبات هذا البيت الذي اقتعلته  عايدة  عنوة  منه .

لتقع  الكلمات التى أملتها عليه عايدة  كالصاعقة  على رأس بهٓاء .

و لم تستطع   مٓشاعر الصبي  المتخبطة  الأفلات من مواجهة الموقف العسير  .. فٓلم  يفصح  بحُرية  عما يعتريه من مٓشاعر كثيرة منذ أن خرج من منزل زوج أمه .. آتياً  لأبيه  الذي لا يعلم  عن وجود ابن له بتِلك الحٓياة .

و أن تلك المشاعِر كانت تحتاج لمذيد من الوقت ، وتحتاج  أيضاً  لمن يوجهها كٓى يهذبها ، و يستوعبها لتنساب بهدوء .

ولكن الصبي مسكين آتىٓ من النار أٓلى الدار .. فما كان منه سوى التحدث فى أطار تلك المساحة  التى سمحا له  بهٓا  أبويه . ، و ماكان  من  بهٓاء  سوىٓ الصمت  للحظٓات .

ثم  دون  مواربة  ..  يضع  بهٓاء  هدوئه  جانباً ، و يقف منتفض  .. ثائراً  فى  وجهه  .. متناسياً  تٓماماً  كل  ماخطته  يديه  برواياته ، ومقالاته  عن  الأنسانية ، و التحلي   بالصبر ، وكيف  لنا أن  نسمو بذاتنا ، ونحافظ  على ثباتنا الأنفعالي  مهما  يٓكُن  من صعوبات  نواجهها  بالحٓياة  .

متذكراً  فقط  فى هذه  اللٓحظة  أنه  الرجُل الذي عذبته  تلك المرأة .

فيطالبه  بالأتصال بعايدة  فى الحٓال .

ليتصل بهٓا الصبي  ، وهو يرتعد من شدة الخوف الذي  أطاح  بحلمه  الوحيد  بأن يكون هذا الرجُل  الهادىء  ببدايات  اللقاء  هو أبوه  الحقيقي ، ويضمه أٓلى صدره   حين  يبلغه  الخبر .

فكٓم  تٓمنى  الصبي  منذ خطىٓ بعتبات  بهٓاء أن  يسترد  مع  هذا  الأب  عافية   روحه  ، وبراءة  أيامه  التي  كٓم  طغي ، و قسىٓ عليهٓا جلال .

وهاهى  عايدة  ترد على  الهاتف   بصٓوت  وهن ضعيف لم  يستوعبه  بهٓاء  بالبدايات  ..

فطلب منهٓا أن تحادثهم  ڤيديو كول .
فوافقت ، و إذ  به  يرى جنية  البحر ، لا عروس البحر .

وهنت  عايدة  ، وكٓأن  السنين  التى مٓرت عليهٓا  صٓارت  كسنوات الأساطير .. لتظهر عايدة من جديد من خلف ألف عام ، و عام .

ليٓفيق بهٓاء  على صوت عايدة الذي كسرته مذلة الأيام  ، وهى  تطلب منه أن يقرأ رسالتها بقلبه  الذي  تعرفه  ، و أن  يغفر  لهٓا  ، و يسامحها .
 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز