عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

أحمد المرشد يكتب: "إخوان" ليبيا".. ومعركة السقوط الأخير

أحمد المرشد يكتب: "إخوان" ليبيا".. ومعركة السقوط الأخير
أحمد المرشد يكتب: "إخوان" ليبيا".. ومعركة السقوط الأخير

أجدني مضطرا اليوم إلى اقتباس مقدمة مقالي "برافو الجزائر" الذي كتبته بعد نجاح الشعب الجزائري في فرض إرادته على قيادة الدولة، وكتبت وقتها "إذا الشعب أراد يوما الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر/ ولا بد لليل أن ينجلي.. ولا بد للقيد أن ينكسر".. وقد استعرضت في المقال كيف تحقق للجزائريين مرادهم بأسلوبهم الراقي من دون أي حوادث شغب ولا تكسير أو أعمال عنف وتخريب وتدمير متعمد للممتلكات العامة والخاصة. وتم كل هذا بمساعدة الجيش الجزائري الذي انتصر لإرادة شعبه وأيد مطالبه في التغيير، لأن هذه هي مواقف الجيوش الوطنية التي تنتصر لإرادة الشعوب ولا تقف حجر عثرة ضد طموحاتها، فهي من الشعب وإليه.



وأذكر القارئ بموقف الجيش المصري الذي حقق لشعبه في الثلاثين من يونيو مبتغاه بالإطاحة بالدولة الدينية الفاشية وحكم "الإخوان المسلمين".. وكما فعل أيضا الجيش السوداني الذي ساند مطلب السودانيين بتغيير النظام السوداني الديني وليس مجرد الرئيس لأنه مجرد ورقة ضمن أوراق كثيرة يتم التلاعب بها من قبل "التنظيم الدولي الذي يحكم سيطرته على لاعبيه في البلدان العربية كافة".

ومن هذه الجملة الأخيرة: "التنظيم الدولي الذي يحكم سيطرته على لاعبيه في البلدان العربية كافة" أبدأ مقالي اليوم عن ليبيا، فالمعركة الدائرة في هذا البلد العربي هي معركة بين شعب وجيشه الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر من جهة، وبين جماعة الإخوان المسلمين بجميع لاعبيها من جهة أخرى- الميليشيات المسلحة المتعددة وحكومة فايز السراج المدعومة من دولة عربية وأخرى آسيوية/ أوروبية وكلنا نعرفهما بالاسم وبعض القبائل والعرقيات. فبعد سقوط الإخوان في مصر والسودان باتت ليبيا آخر معقل لهم ومركز لبث نشاطهم الإرهابي لجميع الدول العربية والعالمية، لكن الجيش الليبي الوطني بقيادة حفتر وقرب سيطرته على طرابلس العاصمة قد أفشل لهم خططهم المستقبلية وباتت الجماعة وكأنها تحارب معركتها الأخيرة للحفاظ لها على موقع قدم في المنطقة العربية، وطبيعي أن نرى "الإخوان" ينتفضون، فهم على وشك سقوط ورقتهم الأخيرة وتتشتت قواهم العسكرية والفكرية، فكل مواقعهم العسكرية انهارت ولم يبق سوى ليبيا، ولهذا نرى السراج ومعاونيه يبكون ليل نهار ويشتكون قوات حفتر، ويزعمون أنها تخالف الرؤية الدولية، في حين يعلم كل راصد للوضع الليبي كيف تتربح حكومة السراج وكل من يدور في فلكها من رصيد ليبيا النفطي الضخم الذي يذهب لجيوب البعض ليتركوا أبناء الشعب الليبي جائعا يعيش وسط الإرهاب بصورة يومية. وربما نجح هؤلاء في تصدير صورة سلبية عن الشعب الليبي بأنه يرضى بما هو فيه، في حين تلقى قوات حفتر تأييد كل مدينة تدخلها وتعيدها إلى وضعها الطبيعي.

فالحرب الدائرة في ليبيا حاليا هي حرب بين الشعب الليبي والإرهاب الذي يمثله تنظيم القاعدة من خلال الجماعة الليبية المقاتلة وميليشيات مجلس شورى ثوار بنغازي ومجلس شورى ثوار درنة وكتيبة الفاروق وكتيبة أبو سليم، بجانب تنظيمات أخرى هي غرفة ثوار ليبيا وصلاح بادي ومحمد الحصان وإبراهيم الجضران، بالإضافة إلى مجموعات تابعة للإخوان المسلمين وتسمى الدروع، ومجموعة ثالثة من الميليشيات وهي الميليشيات الإجرامية، وهي مجموعات تحت إمرة أفراد من المجرمين وخريجي السجون وسارقي المال العام.. وقد قام فايز السراج بدعم جميع هذه الميليشيات ومنحها الشرعية على غير رغبة الجيش والشعب.

ويخشى "الإخوان" خسارة المعركة التي تدور رحاها في ليبيا، ففي خسارتها نهاية التاريخ للإسلام السياسي، ولذلك نراهم يحشدون قواهم كافة للانتصار فيها وعدم تلقي هزيمة جديدة لهم، على غرار ما حدث في مصر والسودان، ثم إن نجاح الجيش الليبي في القضاء على هذا التنظيم المتشدد والمتطرف يعني القضاء على ظاهرة التطرف الديني السياسي والاجتماعي، وهي الظاهرة التي انتشرت في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وعانت منها مصر كثيرا في البداية حتى قبل مقتل الرئيس المصري أنور السادات. ولم يتخيل قادة الجماعة في أوروبا وتركيا وغيرهما أن تتسارع الأحداث في ليبيا وتأتي بعد هزيمتهم المدوية في السودان التي وقعوا فيها بالضربة القاضية إذ رفض الشعب السوداني والمجلس العسكري الحاكم تمثيل أي حزب ينتمي للنظام السابق والإخوان في أي مفاوضات حالية تبحث في مستقبل السودان، فهم قد أصبحوا ماضيا، وهكذا سيكون مآلهم في ليبيا، أي تاريخ.

ودعونا هنا ندحض أقوال "الإخوان" بأن القضاء عليهم وعلى أنظمتهم في الدول الحاكمة يعني ظهور أنظمة عسكرية جديدة، فهذا الكلام هراء ومردود عليه بأن الشعب السوداني يتفاوض حاليا مع المجلس العسكري على صيغة حكم مشتركة ذات صبغة مدنية، وأن ما جرى في مصر كان ثورة شعبية هائلة ساندها الجيش، ويكفي المصريون فخرا الآن ما حققته بلادهم من تقدم وازدهار على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها.

ولكل من يتباكى على نظام "الإخوان" نقول له: انظر خلفك، فكل الأنظمة الدينية لم تحقق نجاحا واغتصبت السلطة من شعوبها لتحول حياتهم إلى جحيم، ولن نعيد ذكر المشهد الإخواني في مصر والسودان للأذهان، لكن أمامنا الدولة الدينية الإيرانية التي استولت على السلطة في البلاد ليتأخر ترتيبها في معدل التنمية العالمية وتخضع للعقوبات الاقتصادية الدولية بسبب تصديرها للإرهاب. ومن إيران للعراق وكيف تحول هذا البلد العربي الغني إلى فقير بحكم أحزابه الدينية التي تشبعت بالفكر الإيراني. فالتجربة السياسية تؤكد أن رجال الدين يفسدون الدول إذا حكموها، فهم يبعدون عن الشريعة ويستبدلون بها المصلحة الذاتية للجماعة الحاكمة.

وعودة إلى الوضع الحالي في ليبيا، فموقف الجماعات الإسلامية يتفق تماما مع كاريكاتير في صحيفة "الشرق الأوسط" عبارة عن شعب يحاول قطع جذع شجرة ضخمة، وبالفعل تمكن من ذلك لكنه– أي الشعب– لا يرى جذور الشجرة الكثيرة الممتدة تحت الأرض، الأمر الذي يعني أن المعركة صعبة وأن المستفيدين لن يستسلموا بسهولة لما يجرى في ليبيا، وسيقفون بكل قوتهم لتأخير إعلان انتصار الجيش الوطني، ويرى هؤلاء أن أي حديث عن انتقال سلس في البلاد هو ضرب من الخيال، خاصة أن ليبيا استقبلت آلاف المقاتلين من داعش والقاعدة وغيرهما من الميليشيات الإسلامية، ونشر هؤلاء الإرهاب في ليبيا وغيرها من الدول الإفريقية ومصر تحديدا، فكانت الحدود المشتركة مرتعا لتسلل الإرهابيين إلى مصر لشن عملياتهم اللعينة هناك. وكانت موارد ليبيا النفطية فريسة للسلب والنهب على يد كل الجماعات السياسية والدينية بدلا من أن تكون ثروة هذا البلد وسيلة لتقدم شعبه والرقي به ليعيش حياة كانت تليق به لولا أطماع الإخوان وشركائهم في السلطة والحكم، فهم اختطفوا الدولة وحاولوا نشر الفوضى بها ليستمر حكمهم أطول فترة ممكنة.

*كاتب ومحلل سياسي بحريني

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز