خليل الزوادي يكتب: كاب هريس وملة ثريد

رمضان شهر الخير والبركات، أعاده الله عليكم وعلى أسركم بالخير والعافية، وتقبل الله صيامكم وقيامكم، وبدأت الاستعدادات في المنازل لاستقبال الضيف العزيز، أخذت أم العيال تقلب في الصفحات الإعلانية التي تقدمها المجلات والسوبرماركت، في إغراء بتخفيضات وإذا بك تفاجأ بأن ما يعرض عليك هو للفرد الواحد، وإذا بالأسر تتوزع ليكون التخفيض يشمل أفراد الأسرة، ومحلات الأثاث أيضا تدخل في السباق لأن لرمضان أثاثه الخاص والإكسسوارات اللازمة، وأهلنا في مصر العروبة يتفننون في ذلك فهم أساتذة في تزيين الموائد الرمضانية بدءًا من «الخيامية» إلى فوانيس رمضان وانتهاء بالأطباق الشهية المزينة «بالياميش» المكسرات.

 

رحم الله جداتنا فقد كنَّ يخبزن الخبز الرقاق لرمضان، واليوم نبحث بعد واسطات عمن يقوم بإعداد هذا الخبز الملائم جدًا «للثريد»، والذي أيضا يؤكل كحلويات بعد إضافة البيض والسكر له.

كان بيت العم المغفور له بإذن الله تعالى، هلال بن راشد بن عبدالله الذوادي، بمدينة الحد بالبحرين في مثل هذه الأيام بمثابة خلية النحل، فقد أعدت الوالدة من الرضاع المرحومة السيدة حميدة بنت عبدالله بن عيسى الذوادي لوازم رمضان وتحلقت حولها نساء الفريج وكل واحدة تقوم بواجبها وتخصصها في تحضير لوازم مائدة رمضان، ونحن الصغار نفرح بهذه الاستعدادات وكنا على قناعة تامة بأن خير هذه الموائد سيطالنا ونأخذ نصيبنا منه، وكان هذا العمل يتواصل طوال شهر رمضان وكان المصلون في مسجد المرحوم شناف البوفلاسة المجاور لبيت هلال بن راشد ينالون نصيبهم أيضا يوميًا من هذا الخير الذي أفاء الله به على أهل بيت النوخذا هلال.

 

كانت الحد هي النموذج في جميع مدن وقرى البحرين، التي تستعد بيوتها لرمضان وأنواره المشرقة على كل أسرة، والتكافل المجتمعي، والأطباق التي يتم تداولها بين المنازل قبل الغروب بمثابة حركة دائبة نحن الصبية والصبايا أبطالها في التوزيع على الجيران والأسر، وهي حركة في اتجاهين مستقبل ومرسل، والكل يعرف طبق جاره، من خلال إشارة معينة خلف الطبق أو اسم صاحب المنزل أو ربة البيت لكيلا تختلط الأطباق، وحركة الأطباق اليومية لا تنتهي إلا بالإعلان عن العيد.

 

أنوار رمضان الروحانية تجعلنا نتأمل في حكمة الصوم كونه فريضة واجبة وهو شهر الرحمة والمغفرة، وشهر التواصل الاجتماعي، وواجب أداء حق الجيرة بين الجيران..

 

كان مجلس المرحوم هلال بن راشد الذوادي يوميًا يستضيف أهل الفريج والزوار لتناول الفطور بعد أداء صلاة المغرب وقبلها أخذ «فردات» من التمر وجرعة الماء كإعلان عن الإفطار، تتنوع الأطباق لكن «كاب الهريس»، و«ملة الثريد» هما القاسم المشترك على المائدة.

 

صلاة التراويح في شهر رمضان كونها سنة، فهي لقاء مجتمعي روحاني يتم التبرك فيها بقراءة سور القرآن الكريم من أولئك الحفاظ لآيات الذكر الحكيم، وبأصواتهم المتميزة حتى إذا ما انتهت الصلاة تتم الزيارات الودية إلى المجالس، ومجالس أهل البحرين موزعة على المدن والقرى بشكل يومي أو أسبوعي من خلالها ترى كل شعب البحرين وإن توزعت المجالس في المدن والقرى، فالتواصل اليوم غيره بالأمس، والمجتمع في هذه الأيام في حركة دائبة والابتسامة تعلو الوجوه والتهاني بقدوم الشهر متواصلة.

 

رمضان فرصة لصفاء النفوس والتواصل بين الناس ولقاء يومي بالأصدقاء، وإذا كان البعض يتابع المسلسلات والبرامج التلفزيونية والإذاعية وينصب نفسه ناقدًا ومحللًا لهذه الإبداعات الدرامية والبرامجية إلا أن الآخرين يحلو لهم اللعب بالورق «البتة» كوت الستة تحديدًا في خليجنا العربي ولعب «الكوتشينة» في بعض بلداننا العربية إضافة إلى ألعاب أخرى كالطاولة والدومينو والدامة، والشطرنج، وهي لعب تصنف من ضمن الألعاب الذهنية، فالإنسان بحاجة، كما يبدو، لتنشيط الذاكرة عنده وتجربة ذكائه الفطري.

 

تظل المناسبات الوطنية والدينية في بلداننا العربية والإسلامية لها بريقها وخصوصيتها، وعلينا أن نستفيد من خلال هذه المناسبات في التواصل المجتمعي وتناسي الأحقاد والخصومات، والتقارب أكثر أسريًا ومجتمعيًا، فالأيام قلب لا يدوم الفرح فيها كثيرًا غير أننا بإرادتنا وعزمنا وتصميمنا نستطيع أن نصنع الفرح في جميع ربوع أوطاننا.