عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

الجنرال العراقي الفنان "سيروان باران" وتمثيل العراق في بينالي فينيسيا الدورة 58

الجنرال العراقي الفنان "سيروان باران" وتمثيل العراق في بينالي فينيسيا الدورة 58
الجنرال العراقي الفنان "سيروان باران" وتمثيل العراق في بينالي فينيسيا الدورة 58

كتبت - سوزى شكرى

بتكليف من مؤسسة "رؤيا"، تم ترشيح الفنان الكردي العراقي" سيروان باران"، من مواليد بغداد في عام 1968 لتمثيل دولة العراق في بينالي فينسيا الدورة 58، والذى افتتح يوم 11مايو وسوف يستمر إلى 24 نوفمبر 2019، يعد هذا الاختيار تطورًا مهمًا أن يمثل العراق فنانًا منفردًا للمرة الأولى، فقد تم اختياره لعدة أسباب، منها ملاءمة أعماله كشهادة شخصية عميقة لتجاربه الخاصة كجندي وجنرال في الجيش العراقي، "سيروان"، يعتبر جزءًا من "الجيل الجديد" من الرسامين العراقيين.



عاش أكثر من 40 عامًا من الحرب في بلده، وتم تجنيده خلال النزاعات في الثمانينيات والتسعينيات، خلال فترة وجوده كجندي وفنان حرب، سجل باران انتصارات الجيش العراقي، وأصبحت أعماله أكثر تعبيرية، ويصف باران هذه المرحلة الفنية بأنها محاولة لإسكات "الكابوس بداخلي".

مشروع الفنان "سروان" بالجناج العراقي، بعنوان "أرض الوطن"، والذي ارتكز على الصراع في العراق والمنطقة المحيطة به، وهو إدانة قوية لأهوال الحرب، ويتضمن العرض لوحة أكريليك ضخمة بعنوان آخر وجبة ""The Last Meal، تصور جثث الجنود العراقيين، الذين قُتلوا أثناء تناولهم طعامهم أثناء الوجبة الأخيرة، فضلًا عن أشياء من الحرب الإيرانية العراقية، وحرب الخليج الثانية، والحرب مع داعش، والتي تم تقديمها إلى الفنان من قبل عائلات الجنود المتوفين.

 بالإضافة إلى تمثال The Last General، يرقد فيه جنرال داخل قارب نجاة مصبوب من الألياف الزجاجية، الشكل العام منحوت بحيث يظهر نصف جسده متحللًا، بينما النصف الآخر يبدو سليمًا ويرتدي الزي الرسمي والميداليات يقدمه، "سيروان" تكريمًا للمقاتلين، الذين سقطوا وتذكيرهم بوحشية الزعماء العسكريين، يحتوي كلا العملين التصويرية والنحتية على عناصر من الكولاج، بما في ذلك الزي العسكري العراقي الذي تبرعت به عائلات الجنود، الذين قتلوا في الحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج الثانية، والحرب مع داعش.

وعن وصف العمل ذكر الفنان "سيروان باران": مقياس العمل التصويري 4 في5، أما التمثال النحتي 260 فى80، أما من حيث زوايا الرؤيا والمنظور نفذ من منظور عين الطائر كشاهد من السماء " الوجبة الاخيرة".

أما مشهد الصحون الفارغة، وقليلًا من الخبز المنثور أثناء وجبة الغداء، وجثث الجنود المتناثرة المحيطة بالصحون، ليست إلا تعبيرًا مجازيًا لاستعارة فكرة العشاء الأخير مثلما وردت أساسًا في الأديان السماوية، لتكون ثمة حلقة وصل تربط العمل بالمفاهيم العقائدية للأديان في إشارة للعلاقة مع المعارك التي تحمل صفه دينية في هذا العصر. حيث كانت لحروب المنطقة صفة دينيه طائفية بحتة، كان ذلك المحرك الأول لفكرة العمل وهو (الموت مقابل وجبه الطعام)، وهي عبارة عن مجموعة من الكوابيس والمشاهد المؤلمة مرّ بها شخص عاش خمس وأربعين عامًا من حياته في بقعةٍ لم تتوقف فيها الحروب الى يومنا هذا.

بدأت المعارك من العام ١٩٧١ بحرب الأكراد مع النظام السياسي في العراق، والاتفاقيات المشبوهة، وثم حرب إيران لثماني أعوام، ثم حرب الخليج بعد استراحة لمدة عام واحد ١٩٨٩، تلاها الحصار الاقتصادي الذي كان من أشرس الحروب تحت وطأة الصواريخ الأمريكية بين الحين والآخر، تتخللها الحروب الداخلية من خلال الانتفاضة الشعبية والحرب المدمرة بين الأحزاب الكردية، التي امتدت حتى حرب سقوط النظام، ودخول البلد في معركة شرسة مع العالم ( أجمعه)، وهنا بدأت مرحلة اللعبة الأمريكية التي دفعت الحكومة الجديدة الى النزاع الطائفي والعرقي. فكانت الحصيلة حربًا أهلية شرسة راح ضحيتها الآلف من الأبرياء، لمجرد أن أسماءهم كانت تنتمي الى طوائف معينة ليس لذنب ما وما جعلهم ضحايا بالمجان، من هنا كان القرار للعمل بمنطقة حرب جديدة، تحديدًا بعد عام ٢٠٠٣، حيث كانت هذه الفترة المظلمة الثانية، وقد تكون الأسوأ بتاريخ المنطقة ( أنها حرب العقيدة الدينية)، حيث كان للعالم ولدول الجوار خصوصًا الدور الأكبر لتسهيل مهمة التصادم بين الإخوة لتشتعل (حرب الإخوة).

خمسٌة وأربعون عامًا، ومازالت الأم تنتظر صندوق الهدايا، الذي يحمل جثة ابنها كهدية مريرة مفاجئة باسم الوطن والدين، صندوق يحمل في داخله الجسد والنياشين والذكريات والأهم من ذلك هو التركة والإرث الاصعب الذي يعذبهم بعد الرحيل.

حرب خمسة وأربعين عامًا ( لم أمت لكني رأيتهم كيف ماتوا)، أصبح اللون العسكري الزيتي جزءًا من تراث البلد وذاكرته الذكورية وأصبحت الأعلام القومية والدينية شواهد للقبور، أمّا بخصوص الشكل الإنشائي للوحة، حيث تتوزع الكتل المتكونة من الأجساد بشكل هندسي لولبي متداخل مع بعضها البعض اشبه بالنسيج، خالٍ من الأفق، (منظور من الأعلى بعين الطائر)، ليكون أشبه بمقطع من بدلة عسكرية يحيلنا ذلك الى مجموعة من ديدان القز التي تفتك بحقل أخضر منتجة الحرير لأسيادها.

هناك مصدر ضوء شبه نسبي يتوسط العمل غير محسوس تنطلق منه الأشكال الجسدية بشكل شعاعي، تجعل المشاهد ينطلق بصريًا من مركز العمل باللاوعي ثم تتجه نحوه الكتل المبعثرة بحسابات دقيقة، بصريًا تتساوى فيها جميع الأشكال كقيم لتكون نسيج من الأخضر والبني ودرجاته.

الوجوه أقرب الى لون الأرض، تشاغل عين المشاهد بعيدًا عن التفاصيل ليكون العمل للوهلة الأولى عملًا تجريديًا بحتًا.

أما وضع الأجساد المستلقية فكانت هي الحل الوحيد لتقديم الجسد بكامل النسب، رغم أنه منظورٍ من الأعلى دون تشوهات نسبية، مما دفع العمل ليكون عبارة عن كتل متراصّة تحتضن بعضها البعض، إذ لم تخضع لقوانين المنظور (perspective) ، كون الاجساد مستلقية، والغاية منها تقديم مشهد درامي صادم تهكمي للجسد يوحي للمشاهد بأنها سجادة خضراء متهالكة دون تفاصيل، مرّ عليها الزمن وتآكلت .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز