عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

رمضان زين الزمان ( 8 )

رمضان زين الزمان ( 8 )
رمضان زين الزمان ( 8 )

كتبت - د. عزة بدر

الغورى , وقلاوون , والأقمر



فى ليالى رمضان

 

هل رأيت مئذنة الغوري في الليل وهي تضوىء في سماء القاهرة ؟ , هل شعرت بالحنين إلى مآذن قلاوون ولم تعرف السبب؟ هل خفق قلبك بين جنبيك , و خطر ببالك وأنت تمضي في شارع الحمزاوي بين العطارين حيث ينبعث أريج الشمر والبن والينسون أنك على مقربة من جامع الأشرف برسباي السلطان الذي احتكر تجارة بعض التوابل في بر مصر في زمانه ! , ولم يحظ بقسط وافر من التعليم فبنى مسجده ليكون جامع ومدرسة .

 

ولماذا سميت جوامع "الغوري وقلاوون و الأشرف برسباي بالجوامع المدارس، فكل جامع منها مسجد ومدرسة .

 

في أعرق أحياء القاهرة القديمة في شارع المعز والغورية والصاغة والنحاسين  كنت أغذ السير وأرهف الأذن  لجمال المساجد وصوت التاريخ حيث العين تسمع والأذن ترى .

 

مسجد ومدرسة

 

لماذا سميت هذه الجوامع بالمدارس؟ , لقد تعددت الآراء حول هذه التسمية  فيرى د. أحمد فكرى أن وظيفة الجامع المدرسة لم تكن

 

 هي التدريس فحسب بل كانت من وظيفة المدرسة الرئيسية في العصر الأيوبي  إعداد أماكن ملحقة بموضع التدريس لسكنى طبقة مختارة من المدرسين والطلاب  , ومن الناحية المعمارية يرى أن المساجد الجامعة التي كانت تلقى فيها الدروس منذ القرن الثاني للهجرة لم تكن فيها أماكن لسكنى المدرسين والطلاب .

 

ولكن د. سعاد ماهر في كتابها "مساجد مصر وأولياؤها الصالحين" ترى أن السبب الأساسي في نشأة العمائر التي عرفت باسم المدرسة لم يكن في الواقع القصد منها إيجاد أماكن للمدرسين والطلبة وإنما يرجع إلى عامل سياسي ديني مذهبي، القصد منه هو نشر المذهب المخالف لمذهب الدولة الرسمي فإطلاق اسم المدرسة على العمائر التي أنشئت في مصر في عهد الدولة الفاطمية في القرن الخامس الهجري في القاهرة والإسكندرية كانت لنشر المذهب السني ومناوأة مذهب الدولة الفاطمي الشيعي، فلما جاءت الدولة الأيوبية بعد دولة الفواطم وجدت بغيتها في هذه المنشآت المسماه بالمدارس لنشر المذهب السني والقضاء على المذهب الشيعي فأكثرت في بنائها حتى بلغ ما أنشئ من المدارس في  العهد الأيوبي وحده أربعا وعشرين مدرسة في القاهرة وحدها وجعلت منشآت عامة بعد أن كانت خاصة في         العهد الفاطمي ثم أخذت في تطوير عمارتها حتى أصبحت تفي بكل مطالب المدرسة من صلاة وتدريس وإيجاد أماكن للدارسين

 

ولكن هل كان نشر المذهب الديني أو إيجاد أماكن للدارسين هما فقط السبب وراء نتشار هذه الجوامع المدارس؟ .

 

أم أننا إذا تأملنا قصة بناء كل جامع اكتشفنا حقائق جديدة يرتبط فيها العامل الديني مع العامل السياسي والدوافع الشخصية أيضًا.. وفيها تجتلى النفوس في علو همتها وكرم عطائها أو في حرصها على خلود الذكر وحيث المنشآت المعمارية هي صورة حقيقية للعصر الذي أنشئت فيه بما يكتنفه من عوامل سياسية وثقافية واجتماعية .

 

جامع ومدرسة قلاوون

 

فإذا مضيت في شارع المعز , فى منطقة  "بين القصرين" ترى مجموعة منشآت قلاوون وهي تتألف من مدرسة وقبة ومارستان " أي مستشفى"،  وتذكر هذه المنشآت بانجاز واحد من السلاطين العظام الذين زينوا القاهرة بمنشآتهم الضخمة ومبانيهم العظيمة والتي تشهد بعلو همتهم وذوقهم الرفيع فقد كان قلاوون أعظم شخصية بين المماليك بعد بيبرس، لقد كان المنصور قلاوون بطلًا ثبت للتتار فهزمهم في الشام شر هزيمة عام 681هـ - 1282م ومن يقرأ تفاصيل المعركة كما وصفها الشيخ قطب الدين اليونيني في "النجوم الزاهرة" يظفر بملامح المنصور قلاوون الذى ثبت للقتال ومعه فئة قليلة فأعزهم الله وعززهم بنصره وهزموا ما يزيد عن ألف فارس من التتار، ودخل وأمامه اسرى التتار إلى دمشق فكان يومًا مشهودا سار بعده السلطان إلى مصر فاحتفل به أهل مصر فزينت الديار المصرية زينة لم ير مثلها حتى وصل الى مقر الحكم في قلعة الجبل  ,  ويعتبر المنصور قلاوون المنشئ الثاني لدولة المماليك البحرية فقد ظل الحكم في بيته نحو مائة عام .

 

لا تملك إلا الإعجاب بالمنصور قلاوون الذي استطاع أيضًا أن يطرد الفرنج من مدينة طرابلس وعاد مظفرًا إلى مصر وفي عودته من إحدى غزواته بالشام أرهقه المرض فعولج بأدوية من مارستان نورالدين بدمشق فنذر أن ينشئ مثله في مصر فلما آل اليه عرش مصر وفى بنذره وأنشأ المارستان وزاد عليه مدرسة وقبة يدفن فيها كما يقول شحاتة عيسى إبراهيم في كتابه "القاهرة" إلا أن ابن إياس في كتابه "بدائع الزهور" قد ذكر أن المنصور قلاوون قد نذر بناء البيمارستان وملحقاته بعد أن تغير خاطره على بعض العوام فأمر مماليكه بأن يعملوا فيهم السيف فلما سكن خاطره ندم على ما فعله وبنى المارستان وجعل له جملة أوقاف على رواتب بر واحسان ليكفر الله عنه لعل الحسنات يذهبن السيئات .

 

إيوان فريد من نوعه

 

تتكون مدرسة المنصور قلاوون من صحن مكشوف مستطيل الشكل تتوسطه فسقية وتحيط به الأورقه’من جهاته الأربعة وفي واجهة الإيوان الشرقي عقد كبير يتوسطه عمودان يقسمانه إلى ثلاثة أروقة عمودية على حائط القبلة، والإيوان فريد من نوعه في مصر في هذه المدرسة إذ تجمع بين طراز الجوامع باحتوائها على أعمدة وأروقه وبين المدرسة باشتمالها على إيوانات متعامدة، وقد حليت واجهات عقود هذا الإيوان بزخارف جصية جميلة، وفي صدر الإيوان الشرقي يوجد محراب كبيرمزخرف بالفسيفساء المذهبة وقد دون عليه تاريخ إنشاء هذه المدرسة ويقول النص: أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة السعيدة مولانا وسيدنا السلطان الأعظم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي قسيم أمير المؤمنين أدام الله أيامه وحرس أنعامه ونشر في الخافقين ألويته وأعلامه، وكان ابتداء عمارتها في صفر سنة أربع وثمانين وستمائة  ه والفراغ منها في جمادى الأول من السنة المذكورة

 

وتقع المئذنة المكونة من ثلاثة طوابق في النهاية الشمالية لواجهة عمائر المنصور قلاوون، الأول والثاني من هذه الطوابق مربع الشكل والثالث أسطواني  ,وقد كسيت طوابق المنارة بزخارف جصية غاية في الدقة والإبداع .

 

وقد كانت لهذه المنارة أهمية خاصة في العصور الوسطى فقد كان قاضي القضاة يعلن رؤيا هلال رمضان من فوقها وفي عهده بدأ لأول مرة احتفال المحمل والطواف بكسوة الكعبة بالقاهرة كما أرخ لذلك ابن تغرى بردى  .

 

المدرسة الناصرية بالنحاسين

 

وتعود تسميةهذا الجامع المدرسة نسبة إلى السلطان الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقد تولى حكم مصر عندما قتل أخوه الملك الأشرف صلاح الدين خليل، والعجيب أن الملك الناصر محمد قد تولى الحكم ثلاث مرات، وقصة حياة هذا الملك تثير الدهشة وتبعث على التأمل، فلقد عرف طعم الملك وطعم العسر، وتقلب بين دعة الرخاء وضيق ذات اليد، فالملك الذي تولى عرش مصر طفلًا في التاسعة من عمره بعد مقتل أخيه قد عرف من وقتها ما يحف كرسي السلطة من خطر فزهد في الملك ويبدو أن هذا الزهدهو الذى جعل الولاية تطارده حتى تولاها ثلاث مرات بل وانفرد  بين سلاطين المماليك بطول مدة حكمه  التى طالت فترتها الثالثة إلى مافوق ثلاثين

 

عاما ! .

 

تأمل معي صروف حياته المتقلبة تلك التي علمته الحرص والحذر والتمكين لنفسه ، ويبدو أن دراسته لموقفه وموقعه من السلطة قد أفادته كثيرًا فهو يبتعد في الوقت المناسب ويقترب عندما يكون ذلك مناسبًا، فلما تمكن من العرش تفرغ للإصلاح وتدل المنشآت التي شيدت في عصره على ما بلغه من حب الإصلاح والتعمير،  وكان ذلك  بسبب روحه المثقفة التي كان لها الفضل في كل هذه العمائر والمنشآت الراقية إذ يعتبر عصر الناصر محمد بن قلاوون من أزهي عصور العمارة الإسلامية في مصر لكثرة ما شيد فيه من مدارس ومساجد وقصور، بل كان هناك نوع من الطراز المعماري لهذه المنشآت ومن ملامحه الواجهات ذات الحنايا الكثيرة التي تنتظم صفًا واحدًا

 

.                                                                                                                                                                             وتحليها المقرنصات .

 

فإذا مررت بشارع المعز لدين الله الفاطمي، ورأيتها ملاصقة لقبة السلطان قلاوون، فتذكر الناصر محمد أحد سلاطين المماليك الذي زهد في المُلك فطاردته الولاية ! .

 

كل المنشآت المعمارية في شارع المعز تذكرك به مدرسته الناصرية بالنحاسين، و سراي بشتاك بشارع بين القصرين , ويذكرك به مسجد القلعة "مسجد الناصر محمد" حتى باب اللوق كان له فيه بستان ..

 

تولى السلطنة صغيرًا فتسلط عليه بيبرس الجاشنكير وسلار , وغلا يده عن التصرف في أمور الدولة حتى أنه كان لا يحصل على ما تشتهي نفسه من المأكل لقلة ما يحصل عليه من مخصصات ولولا ما كان يتحصل عليه من أملاكه وأوقاف أبيه لما وجد سبيلًا كريمًا للعيش .

 

وعندما أدرك السلطان صغيرالسن ماهو فيه من ضيق العيش تظاهر بأنه يريد الحج هو وخاصته فغادر مصر سنة 708هـ وسار إلى الكرك ومن هناك خلع نفسه وترك السلطنة مختارًا قبل أ ن يتركها مرغمًا كما حدث في المرة الأولى عندما خلعه المماليك وتحايلوا لدى الخليفة العباسي بحجة عدم أهلية الناصر  للسلطنة لصغر سنه .       .    

 

ورغم ما حققة الملك الناصر في فترة ولايته الثانية من انتصار على التتار بعد هزيمته، فكان نصره مؤزرًا ولكن تسلط بيبرس الجاشنكير وسيلار عليه أرغمه على ترك السلطنة والزهد فيها

 

ولكنه عاد إلى العرش للمرة الثالثة وعمره خمسة وعشرون عامًا وقد وقف إلى جانبه الأمراء ضد بيبرس الجاشنكير وسيلار في دمشق ثم سار إلى القاهرة فخرج إليه الناس بالبشر والترحاب وتخلص من خصميه فخلص إليه العرش .

 

بين جامعي قلاوون وبرقوق بشارع المعز تقع المدرسة الناصرية التي وضع أساس إنشائها السلطان كتبغا عام 695هـ - 1295م، ثم خلع من المُلك قبل إتمامها فلما عاد الملك الناصر محمد إلى ملك مصر للمرة الثانية اشترى هذه المدرسة وبنى بها قبة فاكتملت عام 703هـ - 1303م وعين بها المدرسين للمذاهب الأربعة وألحق بها مكتبة حافلة ولهذه المدرسة واجهة جميلة حافلة بالزخارف والكتابات وتوجد المنارة فوق الباب وهي موشاة بالزخارف الجصية الدقيقة، ويوجد بداخل القبة طراز من الخشب المنقوش يحيط بجدرانها وبين القبة والمسجد ممر به سقف من الخشب مزين بالزخارف والألوان المذهبة أما الصحن فهو مستطيل ويضم أربعة إيوانات كبيرة في تخطيط متعامد حول الصحن، وبهذه الإيوانات كان يتم تدريس فقه المالكية وفقه الحنفية وفقه الشافعية وفقه الحنابلة ويحدثنا المقريزي عن مشاهداته الشخصية بهذه المدرسة فيقول إنها مدرسة محترمة للغاية لا يمكن أن يدخلها غريب، وكان يوزع على الطلبة والقراء وسائر أرباب الوظائف بها السُكر في كل شهر ويفرق عليهم كذلك لحوم الأضاحي

 

ولعل أهم ما يميز هذه المدرسة الباب الذي جلبه أخوه الأشرف خليل من عكا عام 690هـ والذي يمثل الفن القوطي أحسن تمثيل أما المئذنة التي تعلو المدخل الرئيسي فهي تتكون من مربع يعلوه طابق مثمن الشكل أما الطابق الثالث فيتكون من مثمن دائري بعض الشيئ وتحتوي أضلاع الطابق الأول المربع على زخارف نباتية جصية

 

مدرسة السلطان الأشرف برسباي

 

فإذا  دخلت إلى شارع الحمزاوي، وواجهت مدرسة السلطان الأشرف برسباي فأنت إذن تنظر اليه وتتأمل أحد فنون العمارة التي أمر بها هذا المملوك الجركسي الأصل الذي عرف طريق السلطنة بالمكر والدهاء فلقد ترقي في المناصب في سلطنة الملك المنصور عبدالعزيز بن الملك الظاهر برقوق، ولكنه خرج على طاعة ابنه بعد وفاة الأب وانضم إلى معارضيه وفر إلى الشام ولما تم قتل ابن الملك المنصور عبدالعزيز،

 

 وقد تعرض برسباي للسجن  في عهد السلطان المؤيد شيخ لكن بعد شفاعة تم الإفراج عنهفتقرب برسباى من أحد رجال مؤيد شيخ , وهو الأمير "ططر" وأغراه بالاستيلاء على السلطة وقد كان , فقربه السلطان وعندما توفي وتنازع برسباي على السلطة وبالمكر والدهاء تغلب على خصومه وتولى برسباي الحكم عام 825هـ - 1422م وظل في الحكم ستة عشرة عاما على وجه التقريب، ولأنه لم يتول السلطنة إلا بعد أن قضي على خصومه فقد ساعد ذلك على استقرار الحكم وقد مكن برسباي لنفسه ووللإ قتصاد المملوكي فقد عمل على اجتذاب التجار الشرقيين، كما أصدر أمره إلى نائب السلطنة فى بلاد الحجاز بترغيب التجار والهنود للنزول بميناء جدة كما خطط برسباي للتجارة مع الشرق وخطط للتجارة مع الغرب فعمل على تأمين تجارته وموانيه ودعم علاقاته التجارية مع دول اوروبا مما ادى لانتعاش التجارة بين الدولة المملوكية وتلك البلاد، أما هو فقد احتكر تجارة السٌكر ثم زراعة القصب وتجارة الفلفل لنفسه! كما اهتم بتدعيم الزراعة وشق الجسور وإقامة القناطر وإصلاح ما يتهدم منها.

 

وتعتبر منشآت برسباي المعمارية الدينية من الأدلة التي تشير إلىى رعايته لأهل العلم، ولأن فرصته كانت في تلقي العلم محدودة لأنه لم ينصرف للعلم في في القلعة إذ أعتقة الظاهر برقوق بعد فترة وجيزة من انضمامه إلى زمرة مماليكه ولعل هذا النقص حدا به الى بناء مدرسته الشهيرة "مدرسة الأشرف برسباي" كما استعان بالقاضي بدرالدين العيني ليفقهه في علوم الدين والتاريخ، وقد انشأ المدرسة كما سجل النص الموجود في الواجهه الرئيسية عام 826هـ في شهر شعبان، وتتكون المدرسة من شكل مستطيل وهي ذات تخطيط متعامد ولها ملحقات: سبيل وكتاب ومكتبة وضريح وسكن للطلبة ..

 

ويقول نص الإنشاء على الواجهة: بسم الله الرحمن الرحيم " إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا" الفتح 3:1 صدق الله العظيم.. انشأ هذه المدرسة المباركة سيدنا ومولانا السلطان الأشرف أبو النصر برسباي خلد الله ملكه بمحمد وبآله يارب العالمين وذلك بنظر العبد الفقير الى الله تعالى عبدالباسط ناظر الجيوش المنصورة غفر الله له وللمسلمين في مدة اولها شهر شعبان 826هـ وآخرها جمادى الأولى عام 827هـ

 

ويتوسط المدرسة صحن مكشوف مستطيل يحيط به الإيوانات من جهاته الأربع، ويتصدر إيوان القبلة محراب مجوف ويكتنفه عمودان من الرخام مثمن الشكل وقد غُطي المحراب بالفسيفساء الرخامية، ويقع الضريح في الركن الشمالي الشرقي إلى جوار إيوان القبلة وهو مربع الشكل

 

وتقع المئذنة أعلى الواجهة الرئيسية على يمين المدخل الرئيسي وهي تقع على قاعدة تبدأ من سطح المدرسة وتتكون من ثلاثة طوابق، ويتكون الطابق الأول من شكل مربع، ويتكون الطابق الثاني من شكل اسطواني يعلوه شريط كتابي أما الطابق الثالث فعبارة عن جوسق مكون من ثمانية أعمدة تعلوها عقود ذات ثلاثة فصوص فوقها ثلاثة صفوف من الدلايات تحمل خوذة المئذنة يتوجها هلال نحاسي .

 

.

 

جامع الحاكم بأمر الله

 

في شارع المعز لدين الله الفاطمي قبلة العاشقين لفنون المعمار الإسلامي و العديد من المساجد الأثرية، منها جامع الحاكم بأمر الله والجامع الأقمر، وهذا الشارع نفسه كانت له مكانته المقدسة سواء في عهد الفاطميين أو الأيوبيين أو المماليك، وكانت له تقاليد تراعي منها ألا يمر من يحمل تبنًا أو حطبًا ولا يسوق به أحد فرسًا، وكان على أصحاب الحوانيت أن يعلق كل منهم على حانوته قنديلَا موقدًا طوال الليل.

 

ويعد جامع الحاكم بأمر الله خارج باب الفتوح أحد أبواب القاهرة وأول من أسسه كان العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله الفاطمي في شهر رمضان عام 380هـ - ديسمبر 900م، وصلى وخطب فيه الجمعة مرتين، كانت الأولى في رمضان 381هـ، والثانية أيضًا في شهر رمضان 383هـ، وقد استكمل بناء الجامع ابنه الحاكم بأمر الله، وعرف هذا الجامع باسم جامع الخطبة ثم صار يعرف بجامع الحاكم وبالجامع الانور، وقيل له أيضًا جامع باب الفتوح .

 

وجامع الحاكم بأمر الله أكثر جوامع شارع المعز ازدحامًا بالمصلين، وخاصة في يوم الجمعة من كل أسبوع، إذ يفد إليه كل من يعمل في شارع المعز " لقربه من الصاغة والنحاسين والغورية" كما يقصده كل من تهفو نفسه إلى رؤية هذا الجامع بعد تجديده على يد طائفة البهرة، الذين تراهم يتوافدون على الجامع "زرافات ووحدانا" رجالا ونساء وأطفالا يهرولون بملابسهم المميزة، الرجال بملابسهم البيضاء وهي عبارة عن جلاليب قصيرة وسراويل، وطواقي مشغولة بخيوط مفضضة ومذهبة، والنساء بأرديتهن الملونة وعباءاتهن المميزة، وهم من طائفة الشيعة الإسماعيلية، ويُعتبر الجامع مزارًا يقصده رواده بغرض السياحة الدينية وإقامة الشعائر

 

وفي رمضان يزدحم الجامع بالمصلين الذين يقصدونه لأداء الصلوات خصوصًا صلاة التراويح، وكنت قد أجريت حوارا مع إمام الجامع  حبنذاك الشيخ قبيص عبدالعال قبيص، وحيث تصبح ليلة القدر "في العشر الأواخر من رمضان" ليالي مشهودة، وقال لى  الشيخ سيد عبدالحميد مقيم الشعائر بالمسجد حينذاك ، أن هناك مقرأة اسبوعية يتم فيها قراءة القرآن في حلقة مكونة من سبعة مشايخ، وتكون من صلاة العصر إلى المغرب في الأي العادية ، ومن بعد صلاة الظهر في رمضان، إضافة إلى غحياء ليالي الشهر الكريم بقراءة القرآن والصلوات، هناك التواشيح الدينية والابتهالات، ومنها ما هو في استقبال الشهر الكريم مثل "شهر الصيام على الشهور تفضلا، قد جاء بالقرآن وحيا مُنزلا"،  "وبشراك يا نفس إن الصوم زكاك وربنا علا بالخير مثواك " .

 

ويشهد الجامع أيضا احتفال طائفة البهرة بقدوم شهر رمضان حيث يحتفلون قبل قدومه بثلاثة أياماحتفالا مهيبًا، وقد قام البهرة بإعادة تجديد وإعمار المسجد في عهد الرئيس أنور السادات، وكان هذا آخر تجديد كبير بالجامع الذي توالت عليه الإصلاحات والزيادات منذ القدم

 

في جامع الحاكم بأمر الله تتمثل عصرا بكامله، فلقد كان عهد العزيز بالله الذي أسس الجامع لأول مرة عهد ازدهار ورخاء للمصريين، فقد أطلق العزيز بالله الحرية في المسائل الدينية والسياسية، فلم يجبر المصريين على اعتناق المذهب الشيعي وهو مذهب الولاة والحكام الفاطميين بل ظل المصريون يعتنقون ما يشاءون من المذاهب الفقهية، فكما ظهرت المذاهب الإسلامية السُنية بمصر، كان هناك المذهب المالكي الذي دخل مصر أولا وانتشر بها، وظل الحال حتى انتشر المذهب الشافعي بينهم، وكذلك اعتمد العزيز بالله على كثير من أهل الذمة، وحرص على إحياء عادات المصريين والاحتفال بأعيادهم مثل الاحتفال بوفاء النيل، اما الحاكم بأمر الله والذي أكمل بناء الجامع فرغم أطواره الغريبة فإن عهده أيضا كان عهد رخاء وترف، فاهتم بالإنفاق على الجامع الذي سمي باسمه، فعلق فيه قناديل من فضة وعلق الأستار على سائر أبواب الجامع، كما بني في عهده بالجامع منارتين ضخمتين في زاويتيه الشمالية والجنوبية إضافة إلى المنارتين الأصليتين إحداهما تتميز بكثرة زخارفها النباتية والهندسية، وبصف من الشرافات التي تشبه شراريف الجامع الطولوني

 

الجامع الأقمر

 

تطالعك إذا مشيت في شارع المعز لدين الله الفاطمي بقرب حارة برجوان وجامع السلحدار لافته بل أكثر من لافته تدعوك للإفطار على مائدة رحمن الأقمر، تجدها معلقة ترفرف كالبيرق قبل شهر رمضان من كل عام، وهي أشهر مائدة رحمن في شارع المعز لدين الله، يعرفها أهل الحي الذين يتعاونون على أعمال البر والتقوى، والسائر في شارع المعز قبالة جامع الأقمر ليقرأ لمسة وفاء أهل الحي لتحية المرحوم سيد سرور زميل مائدة الرحمن الذى أسهم فيها للعديد من السنوات , وقد علقوا لافتة باسمه فى ذلك الحين فى مكان بارز من الشارع .

 

روح التعاطف والبر التي تميز المصريين منذ أقدم العصور وخصوصًا في الأحياء الشعبية  وخاصة فى محبة جامع الأقمر  , هذا المسجد الصغير الذي أحبه أهل المكان فقد ظل يملأ حياتهم بالبهجة والفرح، ففي رحاب الأقمر كانوا  يستمعون فى ذلك الحين  إلى خطب الشيخ جمال أحمد عبدالصمد إمام المسجد، ويتمتعون بصلاة التراويح، حيث كان يتجلى عليهم صوت المقرئ الشيخ أحمد محمود عبدالله، وفي بعض الأحيان يستمعون إلى الشيخ مصطفى اللاهوني.. وجامع الاقمر أحد أهم آثار الدولة الفاطمية في مصر، أنشأه الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله وذلك عام 519هـ - 1125م، وهو جامع صغير صمم بحيث تتفق واجهته وتخطيط الشارع الذي يطل عليه، وقد جاء تصميم النقوش مشيرا إلى التوجه الشيعي في العصر الفاطمي، فيتصدر واجهته ثلاثة أشرطة من الكتابات الكوفية المُزهرة نصها "بسم الله الرحمن الرحيم مما أمر بعمله فتى مولانا وسيدنا الإمام الآمر بأحكام الله بن الإمام المستعلي بالله أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وعلى آبائهما الطاهرين وأبنائهما الأكرمين تقربا إلى الله

 

 

 

 

 

 

 

جامع ومدرسة السلطان الغوري

 

فإذا رأيت مئذنة الغوري تطل سامقة في سماء القاهرة في منطقة الغورية فتأمل معماره الفخم والذى يوجد في مواجهة منشآت الغوري الأخرى وهي "المدفن والخانقاه والمكتب والمقعد" ويفصل بينهما شارع الغورية، تولى الملك الأشرف قانصوه الغوري الحكم في شوال عام 906هـ - ابريل 1501م، وكان عصره زمان الشدة فلقد تم اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح وتحولت التجارة الشرقية عن مصر والشام اليه مما أصاب الاقتصاد المصري في الصميم، كما كان بلاط السلطان الغوري مضرب الأمثال في عيشة البذخ والترف على حساب الفقراء

 

وقد تم إنشاء المسجد عام 909هـ - 910هـ "1503 – 1504م" ويتآلف من صحن يحيط به أربعة أواوين أكبرها الإيوان الشرقي يغطيها جميعًا سقف ذو نقوش مموهة بالذهب وللصحن منور مستطيل محاط بدرابزين من الخشب المخروط على قاعدة بديعة وأرضية الصحن والأواوين مغطاة بالرخام الملون البديع الصنع ويتصدر إيوان القبلة محراب مجوف تعلوه طاقية ذات عقد مدبب، أما المئذنة فتقع في الركن الجنوبي الشرقي للمدرسة وتقوم على كتلة كبيرة مربعة من الحجر وتتكون من ثلاثة طوابق، الطابق الأول مربع الشكل، ويفتح في كل ضلع نافذة ضيقة داخل حنية يتوجها عقد دائري ويكتنفها عمودان، ويتكون الطابق الثاني من مربع تحيط به شرفة من الخشب، والطابق الثالث يتكون من مربع يقتح في كل ضلع  منه نافذة ضيقة معقودة ويعلوه خمسة رؤوس كمثرية الشكل من الخشب يعلو كل منها  هلال من النحاس .

 

وكان هذا المسجد هو آخر آيات الفن المعمارية لعصر المماليك فلقد هُزم الغوري في معركة مرج دابق بين المماليك والعثمانيين عام 1516م وانتهى حكم المماليك في لمصر، وبقيت من عهودهم تلك الآثارالمعمارية العظيمة، ومنها تلك المدارس الجوامع.. وخاصة مجموعة قلاوون،  وقد تم ترميم بعض هذه الآثار ومنها  مسجد الغوري .. لتظل هذه المنشآت فخر العمارة الإسلامية في مصر.

 

إنها مدارس مصر وجوامعها صممت لتلقي فيها الدروس الدينية وشرح الفقه على المذاهب الأربعة كما كانت فيها وسائل للرعاية الصحية مثل محو أمية الأيتام ومساعدة طلاب العلم لتتحقق بالفعل وظيفة اجتماعية وثقافية ودينية للمسجد إلى جانب الوظيفة السياسية في مناوأة المذاهب الدينية الأخرى حتى لو كانت هي مذهب الدولة الرسمي  كما انتشرت المدارس فى العهد الفاطمى لنشر المذهب السٌنى خلافا لما كان عليه مذهب الخلفاء الفواطم   .                                                                                                                 

 

وإلى حلقة قادمة .                                                                                                                                  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز