عاجل
الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

"قمر هادي" ينجو من فخ الدراما "البايتة"!

"قمر هادي" ينجو من فخ الدراما "البايتة"!
"قمر هادي" ينجو من فخ الدراما "البايتة"!

كتبت - هند سلامة

دراما أشبه بقطع الـ"puzzle" التي تتفرق وعليك جمعها وتركيبها من جديد حتى تكتشف الحل وتكتمل الصورة وتصل إلى اللغز الذي احترت في البحث عنه، مسلسل "قمر هادي" للمؤلف إسلام حافظ والمخرج رؤوف عبد العزيز، تميز بصناعة لغز كبير لدراما تشويقية من الحلقة الأولى نجت به من فخ الدراما "البايتة" أو النمطية التي أصبح يعتمد عليها أغلب الكتاب، فإذا فاتتك حلقة لن تكتمل لديك الصورة أو بمعنى آخر لو أضعت قطعة سيظل هناك شيء ناقص، هكذا نجح إسلام حافظ في صياغة وكتابة عمل درامي تشويقي من الدرجة الأولى ربط به المشاهد يوميا، في حين فشل غيره في الاحتفاظ به؛ وهنا يكمن سر الصنعة وهو كيفية تقديم الوجبة ثم الاحتفاظ بجمهورها حتى يأتي إليك زائرا من جديد، لكن الأهم من الاحتفاظ بالزائر احترام صبره وفضوله شهرا كاملا حتى يعلم المبرر أو السبب لكل ما يحدث في النهاية، لأن الدراما المعتمدة على التشويق إذا قتلت لن تحيا من جديد.



 

 

ففي الوقت الذي فشلت فيه معظم الأعمال الدرامية في تقديم دراما مختلفة حيث اعتمد معظمها على تقديم موضوعات متكررة عادية افتقدت عنصري الجذب والمفاجأة، نجح "قمر هادي" في إشعال الدهشة والمفاجأة منذ اللحظة الأولى ظل يفاجئنا حتى الحلقة 22، لكن نهاية هذا النوع من الأعمال لا بد أن تكون على مستوى التشويق والإثارة الذي صنعت به من البداية؛ ففي بداية التعرف على العمل وأبطاله والظروف المحيطة بهم تفرد المؤلف في صنع حالة كبيرة من التشويق والمتعة والإثارة وبدأ المشاهد مع حلقاته الأولى في التفكير وطرح التساؤلات؛ ليس هذا فحسب بل نجح أيضا في جعل الأمور ملتبسة لأن كل شخصيات العمل يجمعها الالتباس فلا تعلم من منهم الطيب ومن الشرير من صاحب الحق ومن على باطل، هادي أبو المكارم شخصية عدوانية وفي نفس الوقت لديه جوانب إنسانية تظهر عادة مع عارف الشاب المعاق الذي يعمل في معرضه وكذلك مع رجاء وعائلته، ثم عصام أخوه الذي تبدو عليه مظاهر التدين بينما هو مثل كثير من الناس يؤمن بالشكليات ولا يهمه المضمون فهو يتآمر على أخيه ومن حوله ويسيء معاملة زوجته وكذلك عارف المريض؛ ربما أراد المؤلف هنا إبراز أن فعل الخير ونقاء القلوب قد لا يرتبط بأفعال الشخص، خاصة أن هادي كان دائم الاستماع إلى آيات سورة القمر وكأنها إشارة إلهية له، وهكذا نحن في حلقة طويلة من الشخصيات المركبة صاحبة العقد النفسية والإنسانية الكثيرة، لكن يبقى اللغز والسر الكبير الذي يدور بينهم في تكتم شديد حتى لا يعلمه هادي والمشاهد، فهنا يحتار المشاهد حيرة مضاعفة مرة مع البطل وأخرى مع الظروف والشخصيات المحيطة به، ثم يشاركه أزمته النفسية والإنسانية بل ويتعاطف معه من شدة التآمر الذي تعرض له طوال الحلقات الماضية.

 

 

 "هادي أبو المكارم" رجل أعمال كبير ينتمي إلى عائلة ثرية يعملون جميعا في نفس المهنة، فهم عائلة كبرى تتاجر بالسيارات هو وأخوه وعمه وأبناء عمه الذي تنشأ عداوة بينهما بسبب قرار فض الشراكة، علاقات متشابكة ومعقدة مع أخيه وزوجته وابنته وعائلته وأصدقائه يتعرض إلى حادث سير وبعد غيبوبة دامت ستة أشهر يفيق لكي يجد الواقع الذي عاشه قد تبدل تماما زوجته تبدلت وابنته عادت إلى الحياة بعد أن توهم موتها في الحادث، نكتشف بمرور الأحداث أن الجميع يخدعونه وينصبون له فخا كبيرا لسبب لا يعلمه إلا الله والمؤلف!

 

 

كما ذكرنا من قبل إذا لم يتقن المؤلف حبكة المسلسل في النهاية سيضيع كل ما بنى له وأعد له من البداية، وإن كان في الحلقة 22 بدأت تتكشف بعض الحقائق لكن الأزمة تتلخص في تشعب العلاقات المتفرعة والأبواب الكثيرة المفتوحة للشخصيات التي ظهرت فجأة بمرور الأحداث مثل سارة التي تدعي أن لها حقا تريد أن تأخذه، ثم عائلة عبد الجليل وابنته هل هذا الرجل تابع للمافيا التي تحارب هادي والتي لا نعلم أيضا السر الأكبر في حربها له ورغبة هذه العصابات في التخلص من ابن عمه أولا واخيه ثانيا وبيد البطل وليس بيد شخص آخر، واللوحة التي رسمتها ابنة عبد الجليل في الفيلا المجاورة ما قصتها؛ الكثير من النوافذ والحكايات المتفرعة والمرتبطة بشخص واحد الذي ترغب قوى عظمى في النيل منه والإيقاع به تدريجيا ما السبب والمبرر الكبير واللغز العظيم وراء كل ما يحدث له سوف نعلم في الحلقات القادمة، التي نخشى أن تقع في فخ الهزل أو نخشى ألا تشبع النهاية فضول المشاهد الذي انتظر طويلا مع البطل المعذب حتى يصل إلى الحقيقة.

 

 

ارتبطت أحداث المسلسل "بالقمر" في أكثر من شكل، أولا شكل اكتمال القمر الذي تبدأ معه يوميا حلقاته ولارتباط المشاهد ذهنيا بفكرة أن اكتمال القمر يؤثر على تبدل سلوك الشخص ويؤثر على حالته النفسية وهو ما أضفى عليه مزيدا من الكآبة والإثارة لما يتعرض له البطل من ظروف نفسية ومفاجآت متتابعة ثم اسم أقراص المخدرات التي يصنعها هادي، التي كانت تسمى "قمر"، ثم سورة القمر التي تأتي كل يوم منها آية مصاحبة للأحداث والتي تبشر أو تنفر حسب ما سيقع من أحداث بهذه الحلقة، وفي الواقع سورة القمر من أكثر سور القرآن التي تحتوي على كثير من آيات العذاب ووقوع الهلاك على أكثر من أقوام كذبوا الأنبياء، وربما أراد الكاتب هنا استغلالها كنذير بوقوع عذاب كبير.

 

 

كشف هذا العمل عن مواهب تمثيلية كبيرة ومتنوعة متعددة الجوانب والمدارس، يحسب للفنان هاني سلامة جرأته في اختيار عناصر تحمل قدرا كبيرا من الموهبة فكانوا جميعا يعملون بجانبه وكأنهم بنيان مرصوص، لم يشأ الانفراد بالنجومية أو البطولة على حساب نجاح المسلسل، بل فتح مساحات كبيرة وترك كلا منهم يعبر عن نفسه وموهبته فخرج بعمل فني مكتمل الأركان؛ كما كتب إسلام حافظ بمتعة وإتقان شديد حالة التشويق قدمها أيضا الممثلون جميعا بنفس درجة المتعة والإتقان في التنفيذ، دائما تشعر بأن هناك شيئا مريبا غير مفهوم يدور بين الجميع الذين مثلوا وكأنهم لا يمثلون، وكأن هذه أزمة حياتهم اليومية على رأسهم بالطبع بطل العمل هاني سلامة في أداء صدمته النفسية وصعود وهبوط شخصيته الممتلئة بالتفاصيل، ثم الفنان محسن محيي الدين الذي يسجل بهذا العمل عودته وبقوة للساحة الفنية، من جديد قدم محيي الدين شخصية الأخ المتدين المتكالب على الدنيا باحتراف شديد وبانفعالات وتعبيرات محسوبة، حركاته نظراته هدوؤه وانفعاله ثورته واستهزاؤه، وكذلك كان الفنان هادي الجيار فهما يمثلان عصارة خبرة السنين، ثم تأتي موهبتان من عالم المسرح كي تسجلا وتثبتا أقدامهما بعالم الدراما الفنان رشدي الشامي وحمزة العيلي، في كلاهما قدرة كبيرة على التشخيص وأثبتا أن الفنان حتى يخرج للجمهور ويعرض نفسه عليه لا بد أن يكون لديه الكثير من الخبرة والتجربة التي تمنح الفنان معينًا لا ينضب من الثقل في الأداء فعلى وجه رشدي الشامي بدا شقاء السنين وفي أداء حمزة العيلي بدت خبرة التمرين والتدريب الطويل

 

 

 

وكذلك الفنان عبد الرحيم حسن الذي لعب شخصية الرجل المريب المحير في أمره بحكمة واحتراف ففي هذا العمل لن تجد انفعالات مبالغ فيها كل انفعال ونظرة وأداء محسوب ومدروس من المخرج والممثلين يعود الأمر إلى مهارة الكاتب في رسم الشخصيات المريبة ثم مهارة المخرج رؤوف عبد العزيز في الكشف عن مواهب هذه الشخصيات وأخص بالذكر الشاب الذي لعب دور عارف، والذي منح المسلسل له فرصة اكتشاف جانب آخر مهم في حياته بقدرته على خوض مجال التمثيل وهو شيء كبير يحسب لصناع العمل وكذلك الطفلة الصغيرة ريم عبد القادر التي جعلها المخرج تظهر وكأنها فنانة كبيرة تمتلك من الإتقان ما امتلكه الكبار، ثم تأتي الأدوار النسائية لتشير على كثير من الممثلات الماهرات مثل داليا مصطفى التي لعبت شخصية مريم وسلمى ووقع عليها عبء التمثيل على التمثيل فهي تمثل على زوجها شخصية سلمى وفي نفس الوقت تحاول الاحتفاظ بمريم كأم لفيروز والتي كانت تخونها مشاعرها أمام ابنتها أحيانا هذه الشعرة بين الاحتفاظ بسلمى وعاطفة مريم قدمتها داليا بدقة شديدة، ثم يسرا اللوزي التي تقوم بدورين لكنها مازالت حتى الآن شخصية مبهمة، ونورهان التي بدت مختلفة وجديدة في هذا العمل في دور كاميليا زوجة عصام المعذبة، ثم الأدوار المصاحبة التي أتقن المخرج اختيار أصحابها وإن كانت فرعية لكنها مؤثرة في الأحداث على المدى الطويل مثل مراد مكرم صديق هادي وتامر فرج في دور فيليب، هايدي رفعت، آية سماحة، ناهد رشدي، أحمد التهامي، ديانا هشام، هاجر عفيفي، أحمد ثابت، محمد علاء، مريم حسن، ومؤمن نور وبالطبع ظهور الفنان أشرف زكي وهالة فاخر، فبهذا العمل صنع المخرج والمؤلف ملحمة تمثيلية كبيرة!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز