عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

الدكتور طارق الغنام يكتب: سر زهرة اللوتس

الدكتور طارق الغنام يكتب: سر زهرة اللوتس
الدكتور طارق الغنام يكتب: سر زهرة اللوتس

استوقفتني كثيرًا النقوش والرسومات الخاصة بزهرة اللوتس على جدران المعابد والمقابر وفي متون التوابيت وعلى الأثاث المنزلي والحُلى والأواني لدى قدماء المصريين، ولفت نظري مدى تقديسهم لها لدرجة أنها ارتبطت ببعض معبوداتهم، مما عكس اهتمامهم وتقديرهم لهذه الزهرة البديعة باعتبارها رمزًا للجمال، فلا تكاد تخلو النقوش التي تُظْهر المرأة المصرية القديمة إلا وزهرة اللوتس فوق جبهتها تتجمل بها.



وما استوقفني حقًا أن هذه الزهرة ظهرت كعنصر يُعبر عن الجمال لدى قدماء المصريين بينما كان البشر في أرجاء المعمورة يصارعون للبقاء على قيد الحياة، بما يشير إلى أن المصريين قد تعدوا هذه المرحلة إلى مرحلة أكثر سموًا، ويعني أن الإنسان المصري القديم تطور وعيه مبكرًا تطورًا كبيرًا تخطى به عالم الماديات، إلى عالم أرقى يخاطب الوجدان.

فالمصري القديم نقل نفسه نقلة نوعية تخطى بها تلك النظرة النفعية "البرجماتية pragmatic" لحياة البشر في ذلك الوقت إلى عالم الجمال؛ الذي يشكل جزءًا جوهريًا من طبيعته كإنسان، وكانت الزهور بالنسبة له وسيلة للتعبير عن أرفع ما بداخله من فكر ووجدان، لتشكل جسرًا بين عالم الأشكال المادي والعالم المجرد الذي لا شكل له، ولا عجب في ذلك (فالحقيقة) هي نوع من الجمال الساكن، و(الفضيلة) هي نوع من الجمال المتحرك، و(الصدق) هو نوع من جمال الروح، فالجمال قيمة استثنائية في التفكير الإنساني.

وعبر آلاف السنين التي مرت على الإنسان المصري لم يفقد معنى الجمال والسمو الروحي، فما زال الفلاحون البسطاء يصفون الزهور عندما تتفتح "بتلاتها petals" بتعبير" التنوير"، والمتأمل في هذا التعبير والذي انتقل إلى الحضارات الأخرى، والذي بات يستخدم بالمعنى ذاته في اللغة الإنجليزية "Enlightenment "  يجد أنها لم تستخدم من فراغ وإنما هي مدلول عن السمو والرقي على عالم الماديات.

ويقول العالم الألماني " إيكهارت" في مؤلفه أرض جديدة أنه قبل 114 مليون سنة ذات صبيحة وبعد شروق الشمس تفتحت "بتلات" أول زهرة على كوكب الأرض كي تستقبل شعاع الشمس،  وكانت هذه الزهرة سببًا في تطور وعي آخر من المخلوقات وهو الإنسان.

والمدهش أنه بعد تلك الرحلة الإنسانية الطويلة؛ والتي ارتبطت بتطور وعيه، بتنا لا نلقي للجمال بالًا وسقطنا في عالم الماديات وانغمسنا فيه بمتطلباته الجشعة القاسية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز